أبوعثمان الحيري النيسابوري

 

 
                           
     بقلم / د. خلدون عبد العزيز مخلوطة
 
 
قال عنه الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء 14/62 : الشيخ الإمام المحدث الواعظ القدوة شيخ الإسلام الأستاذ أبوعثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور النيسابوري الحيري.
وقال الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك: ولم يختلف مشايخنا أن أبا عثمان كان مجاب الدعوة وكان مجمع العباد والزهاد .
أنواع الصحبة وآدابها:
قال الحافظ البيهقي في شعب الإيمان ج6/ص267 : قال أبو الحسين الوراق سألت أبا عثمان عن الصحبة فقال:
1- الصحبة مع الله بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة
2- والصحبة مع الرسول  صلى الله عليه وسلم  باتباع سنته ولزوم ظاهر العلم
3- والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والحرمة
4- والصحبة مع الأهل بحسن الخلق
5- والصحبة مع الإخوان بدوام البشر والإنبساط ما لم يكن إثما
6- والصحبة مع الجهال بالدعاء لهم والرحمة عليهم ورؤية نعمة الله عليك أنه لم يبتلك بما أبلاهم به
ومن درر كلامه ولآلئ معارفه :
1- سرورك بالدنيا أذهب سرورك بالله عن قلبك
2-  تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوم
3- من أمَّر ألسنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة قال تعالى : ( وإن تطيعوه تهتدوا ) [النور 54 ]
4- لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في المنع والعطاء وفي العز والذل
عند ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل أوفر الرحمات:
قال الشيخ المبارك أو عثمان الحيري: ( ألستم تروون أن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة قال بلى قال فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الصالحين )
 

دعوة مجابة وكرامة باهرة:
مواقف رائعة ، ومشاهد خير لا تنقطع في هذه الأمة ، نستحضرها ونتذاكرها ، لتزداد قلوبا ثقة ويقينا بنصرة هذه الأمة المرحومة ، بكرامة نبيها صلى الله عليه وسلم عند الله، وتقوى صالحيها، وحرمة مستضعفيها (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) أخرجه البخاري ، وإبرارا لقسم عبد صالح لا يخيب الله رجاءه،  فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : رب أشعث مدفوع بالأبواب ، لو أقسم على الله لأبره )، قال النووي رحمه الله : ( أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراماً له بإجابة سؤاله ، و صيانته من الحنث في يمينه ، و هذا لعظم منزلته عند الله ، و إن كان حقيراً عند الناس ، و قيل : معنى القَسَم هنا : الدعاء ، و إبراره : إجابته (.
ومن أؤلئك الصحابي الجليل البراء بن مالك رضي الله عنه ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك – أخرجه الترمذي- وإن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له :يا براء إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إنك لو أقسمت على الله لأبرك فأقسم على الله، فقال : أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ، فمنحوا أكتافهم ، وفي رواية أخرى لما كان يوم تستر انكشف المسلمون فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ، وألحقتني بنبيك ، فنصر الله المؤمنين ، واستشهد .
وبما أن الخير مستمر في هذه الأمة إلى قيام الساعة ، فها نحن أمام مشهد رائع نجده من عبد من عباد الله الصالحين الولي التقي (أبو عثمان الحيري ) أحسن الظن بالله ، وكان على ثقة ويقين بنصر الله ، وابتغى الوسيلة إلى الله في صدقة مباركة على الضعفاء المنكسرين من عباد الله، تطبيقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) -أخرجه النسائي - ، فحقق الله ما به دعاه ، وأنجز له ما رجاه ،مناديا الحق سبحانه: (وحقك لا أقمت -الصلاة - ما لم تفرج عن المكروبين ).
وإليكم القصة  قال الحاكم النيسابوي صاحب المستدرك : (لما استولى على البلاد أحمد بن عبدالله الخجستاني ، أخذ في الظلم والعسف ، وأمر بحربة ركزت على رأس المربعة (وهي عصا تحمل بها الأثقال حتى توضع على ظهر الدواب)، وجمع الأعيان ، وحلف إن لم يصبوا الدراهم حتى يغيب رأس الحربة فقد أحلوا دماءهم ، فكانوا يقتسمون الغرامة بينهم ، فخص تاجر بثلاثين ألف درهم ، فلم يكن يقدر إلا على ثلاثة آلاف درهم ، فحملها إلى أبي عثمان وقال : أيها الشيخ قد حلف هذا كما بلغك ، والله لا أهتدي إلا إلى هذه ، قال : - أبوعثمان - تأذن لي أن أفعل فيها ما ينفعك ، قال : نعم ، ففرقها أبو عثمان ، وقال للتاجر: امكث عندي ، وما زال أبو عثمان يتردد بين السكة والمسجد ليلته حتى أصبح ، وأذن المؤذن ثم قال لخادمه: اذهب إلى السوق وانظر ماذا تسمع؟ فذهب ورجع ، فقال : لم أر شيئا ، قال اذهب مرة أخرى ، وهو في مناجاته يقول : وحقك لا أقمت ما لم تفرج عن المكروبين – أي وحق الله لا أبدأ بالإقامة لصلاة الصبح ، وهذا على سبيل حسن الظن بالله وزيادة الثقة به سبحانه - قال فأتى خادمه يقول : وكفى الله المؤمنين القتال ، شُق بطن أحمد بن عبد الله ، فأخذ أبو عثمان في الإقامة : "أي الشروع في الإقامة لصلاة الصبح").، قال الحافظ الذهبي رحمه الله في السير 14/66 بعد أن أورد هذه القصة (قلت : بمثل هذا يعظُم مشايخ الوقت(.، وذلك لأنهم حققوا مراد الله من أنفسهم ، فحقق الله لهم مراداتهم، فهي خالية من الهوى وحظوظ النفوس، ولأنهم استجابوا لله فأجاب الله دعواتهم . 
وكأني بقلوب المتقين من عباد الله ، والمستضعفين من أحباب الله ، والمصطفين من أولياء الله ، والتي حشيت إجلالا لله وتعظيما ، وإخباتا وتبتلا ، تتوجه إلى الحق سبحانه (أي رب بعظمتك بجلالك ، بألوهيتك بربوبيتك ، بمجدك بسلطانك ، بكبريائك بعليائك، نتوسل إليك بصفاتك وأسمائك ، نتوسل بك إليك ، نتوجه إليك بما توجه إليك أنبياؤك المرسلون ، وأصفياؤك المقربون، وأولياؤك المتقون ، نتوجه إليك بحبك لنبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم وبحبه لك ، بالأسرار التي أودعتها في قلوب محبيك ، فرج عن أحبابك في سورية التي باركتها ، وانصر أهلها ، وفرج كربتهم ، واجمع كلمتهم ، وأصلح أحوالهم، وكن لهم ولا تكن عليهم ، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وامكر لهم ولا تمكر بهم ، وانصرهم على من بغى عليهم ، واحرسهم بعينك التي لا تنام ، واكنفهم بكنفك الذي لا يضام ).

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين