أبناؤكم يبثون همومهم إليكم

طالما أخذتنا الحياة بهمومها ومشكلاتها ...

وطالما استغرقتنا القضايا المادية والمواقف الشخصية والحياة الرتيبة ...

وربما في غمرة الهموم والمشكلات من سياسية واقتصادية و من تداخلات داخلية وخارجية وعواصف فكرية ومأسً هنالك وهنالك ...

ربما في مثل هذه الظروف يفوت الإنسان أحياناً أبسط القضايا البدهية، ويقصر بأبسط الحقوق ، إنهم أبناؤنا أبناؤكم ، ماذا لهم علينا من حق؟

مكانتهم القلبية:

غضب معاوية رضي الله عنه على يزيد ابنه فهجره ، فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماءٌ ظليلة وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلا فيملوا حياتك ويتمنوا موتك.

 

غالباً ما نطالب أبناءنا بحقوقنا عليهم .... وهذا حق ... ولكن....

حق التربية:

تقول بعض المصادر: أتى رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو عقوق ولده (الولد عاقٌ لأبيه) فقال عمر لمَ يا غلام؟

قال : يا أمير المؤمنين أليس للأبن على والده حق؟

قال: نعم ، أن يختار أمه وأن يحسن اسمه وأن يعلمه القرآن.

قال: يا أمير المؤمنين فإنه لم يختر لي أماً (أي ذات صلاح وقدرة على التربية) ولم يحسن اسمي فسماني جُعلاً (اسم لبعض دواب الأرض الصغيرة) ولم يعلمني الكتاب.

أي أنه لم يحسن تربيته ابتداءاً ولا القيام بحقه.

فقال عمر: لقد عققت ابنك قبل أن يعقك.

 مسؤولياتنا تجاههم:

ترى فعلاً كم هي مسؤولياتنا تجاه ابنائنا؟ ليس فقط بما يتعلق بالقيام بحقوقهم الدنيوية بل القيام بحقوهم الأخروية ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً  ? [التحريم: 6]

أن نسلمهم الطريق الصحيح إلى الله ابتداءاً، ربما نجد حالات اهتمام كبيرة جداً بقضايا الأبناء المادية، لكن كم هو الاهتمام بالقضايا الإيمانية والخلقية والتربوية.

  

يأتيك من يشكو لك فجأة ابني يدخن، وأخر ابني فاشل في دراسته، واخر ابني له مصاريف غير صحيحة ، واخر ابني لا يصلي، واخر ابني يضيع وقته على النت والتلفاز, واخر ابني استغرقه اللهو والعبث، واخر ابني له صحبة سيئة ، واخر ابني ليس له اهتمامات وطموحات .فراغ قاتل. .، وتكثر الشكاوى، ثم عندما تفتش في الأمر تجد أن إهمالاً ما قد وقع من البداية، أو أنموذج أو قدوة غير سليمة قد قدمت ...

     ليس اليتيم من انتهى أبواه من ****  هم الحياةٍ وخلفاهُ ذليلا

 

      إن اليتيم هو الذي تلقى له ****  أُماً تخلت أو أباً مشغولا

وهنا إحدى المشكلات الكبيرة الإهمال في الصغر

 

 قَدْ يَنْفَعُ الأَدَبُ الأَوْلاَدَ فِي صِغَرٍ****وَلَيْسَ يَنْفَعُهُمْ مِنْ بَعْدِهِ أَدَبُ

 

إِنَّ الْغُصُونَ إِذَا عَدَّلْتَهَا اعْتَدَلَتْ **** وَلاَ يَلِينُ وَلَو لَيَّنْتَهُ الْخَشَبُ

نعم تبقى التربية ممكنة في كل وقت، لكن في الصغر أنفع وأضمن.

تفهم الأبناء:

هذا جانب ، وجانب أخر مهم ، كيف نتفهم الأبناء ونحس التعامل معهم.

يروى أن غلاماً تأخر عن مجيئه للبيت بعد دوام المدرسة ساعات وأبوه يغلي ماذا حل بالولد ، ثم ما بعد الغروب جاء الطفل فتـــناوله الأب بما شاء من ضرب وشتم ، وبعد أن أنهى مهمته العضلية قال له أين كنت؟

أهكذا يكون السؤال، ما دمت قد قمت بالضرب والعقوبة هلا كان السؤال قبل أن تعاقب لعل له عذراً.

فتبين أن الطفل كان مع صديقه لقطاف الزيتون، لكنه فاته الإستئذان والاعلام.

 

تشير هذه الواقعة كم نتفهم أبناءنا

 إذاً نحن أمام قضيتين الأولى المسؤولية تجاه الأبناء دنيوياً واخروياً والثانية التفهم للأبناء لهموهم لمشكلاتهم لطموحاتهم لآلامهم لمستقبلهم، وأن نشعرهم أننا نقف إلى جانبهم حقاً.

و ليس في القضايا الشخصية فقط، بل و في القضايا العامة وهموم الأمة ومستقبلهم الأخروي .

عونهم على مواجهة الحياة:

ولا يقف الأمر عند هذا الحد لنجد أنفسنا أمام قضايا أكبر أحياناً، ربما نشأ هذا الشاب فإذا به يواجه مشكلات الحياة وحيداً بأمواجها المتلاطمة ، من  سيقف معه.

ثمة قضايا تقلقهم وثمة قضايا تحيرهم، ثمة من يشكو في بعض البيئات أن بعض الشباب ينحرف نحو الإلحاد، لماذا؟

ربما بسبب ما يجدونهم من سلوكيات خاطئة من بعض أولياء الأمور أو من سلوكيات خاطئة من بعض من ينتسبون إلى الدين، أو بسبب ضغط الحياة السياسية الكئيبة.

هذا كله يؤكد ضرورة  التماسك الأسري والتعاون والتفاهم والحوار ، وأساس ذلك كله التربية الإيمانية ، لذلك لو عدنا إلى بعض النماذج النبوية في التربية وكيف ربى صلى الله عليه وسلم الأبناء وكيف صاغ الشباب صياغة قامت على أساس الإيمان من جهة والحب والتفاعل والثقة وبناء الشخصية الإنسانية المتكاملة في الطفل حتى لكأنك تحسبه رجلاً  في عمر طفل ، مع ضرورة مراعاة التغيرات واختلاف البيئات والأحوال.

 مواقف تربوية نبوية

نتذاكر في الاتجاه الإيجابي في المواقف النبوية في تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه عندما جاءت أم أنس ومعها غلامها الصعير لم يتجاوز العشرة سنوات فحيت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : يا رسول الله لم يبقَ بيت من الأنصار إلا وقد أتحفك بتحفة وإني لا أجد ما اتحفك به غير ابني هذا، فخذه فليخدمك ما شئت ،( ضرورة البحث عن المربي) فهش النبي صلى الله عليه وسلم للفتى الصغير وبشَ في وجهه ومسح على رأسه بيده الشريفة وآنسه، وهكذا بدأ أنس حياة جديدة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد فيها كريم المعاملة بما لم يظفر به ولدٌ من والد ، حتى قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وأرحبهم صدراً ، وأوفرهم حناناً...

فقد أرسلني يوماً لحاجة فخرجت وقصدت صبياناً يلعبون في السوق لألعب معهم ولم أذهب إلى ما أمرني به ، فلما صرت إليهم شعرت بإنسان يقف خلفي ، ويأخذ بثوبي...

فالتفتُ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول :

(يا أنيس أذهبتَ حيث أمرتك؟)

فارتبكت وقلت : نعم...

إني ذاهبٌ الآن يا رسول الله...

والله لقد خدمته عشر سنين فما قال لشيء صنعته : لمَ صَنعته...

ولا لشيء تَرَكتهُ: لمَ تركته؟! .

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا نادى أنساً صَغّره تحبُباً وتدليلاً ؛ فتارة يا أنيس وأخرى يا بُني.

نصائح نبوية تربوية:

يقول أنس: وكان يُغدقُ عليه من نصائحه ومواعظه ما ملأ قلبه وملك لُبَه.

من ذلك قوله له :

(يا بني إن قَدَرْتَ أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غِشٌ لأحد فافعل...

يا بني إن ذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ...

ومن أحبني كان معي في الجنة ...

يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك).

وكان من أثار ذلك أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك أكثر من مرة ...

وكان من أثار ذلك أنه كان حريصاً على متابعته في أفعاله وأقوله، يحب ما أحب ، ويكره ما كره ، وكان أكثر ما يذكره من أيامه يومان:

يومُ لقائه معه أول مرة ويومُ مفارقته له أخر مرة.

فإذا ذكر اليومَ الأول سعد به وانتشى ، وإذا خطر له اليوم الثاني بكى وأبكى .

وكثيراً ما كان يقول لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل علينا ، ورأيته يومَ قُبضَ منا، فلم أرَ يومين يشبهانهما.

ففي يوك دخوله المدينة أضاء فيها كل شيء ...

وفي اليوم الذي أوشك فيه أن يمضي إلى جوار ربه أظلم فيها كل شيء...

وكان آخرَ نظرة نظرتها إليه يوم الاثنين حين كُشِفت الستَارَةُ عن حجرته ، فرأيت وجهه كأنه ورقة مصحف ، وكان الناس يومئذ وقوفاً خلْف أبي بكر ينظرون إليه ، وقد كادوا أن يضطربوا ، فأشار إليهم أبو بَكر أن اثبتوا.

ثم توفي الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر ذلك اليوم، فما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجهه صلى الله عليه وسلم إلاحين ورايناه التراب.

 

هكذا نجد نماذج التربية التي قامت على الحب والإيمان والثقة والتفاعل.

الصورة المأساوية لبعض الشباب: 

لا شك أننا لم نوفِ أبناءنا حقوقهم ولم نقف مع مشكلاتهم،يقول بعض من الشباب أنفسهم يبثك بعض الهموم: 

عندما يواجه الشاب الحياة فيصطدم بهموم الدراسة وتكاليفها، ثم العمل والبطالة ثم هم الزواج ثم هم السكن، وغيرها من المسؤوليات، بينما يجد أسباب الإفساد متاحة ووسائل الحرام مشرعة والمغريات كثيرة وإذا بحث عن الحلال والحق يجد التضييق أو اللامبالاة أو التقصير وهو في الوقت نفسه ينظر فيرى كيف أن أموال الأمة تبذر وتضيع بسفاهة أحياناً وبفجور أحياناً أخرى وبتبعية تارة ثالثة، وهو يرى أيضاً أن الكفاءات تضيع وأن المحسوبيات والواسطات تسيطر وأن الأنانية تسيطر إلى درجة ضعف معنى التكافل والتراحم ثم إذا استدار إلى الجهة الأخرى رأى الظلم السياسي والفكري وإذا أراد أن يشق طريقه أحياناً يجد المفتاح النفاق الاجتماعي أو السياسي أو التخلي عن المبادئ والقيم... البعض يقول ذلك، قد لا تكون الصورة بهذه السوداوية وبهذه القتامة والخير كثير والأمل كبير ، ربما انطلق بعضهم من تجربة خاصة ، لكن لا شك مع الأمل الكبير والثقة العظية بالله سبحانه وعدم اليأس ومع ضرورة الأخذ بأسباب النجاح وأسباب الإرتقاء بأبنائنا ومجتمعاتنا ، ثمة تحديات وهموم من واجبنا ألا نغض طرف عنها، وللحديث بقية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين