آيا صوفيا من عجائب الزمان..اعتراض اليونان.!

بعد إعلان المحكمة الإدارية العليا التركية السماح بإعادة آيا صوفيا إلى مسجد، أتت أعلى نبرات الاحتجاج من اليونان.!

ولكي نستطيع تفسير علامة التعجب من احتجاج اليونان، نفتح ملف اختفاء أربعة آلاف مبنى إسلامي بين جامع ومسجد ومدرسة وتكية وحمام وسبيل ... من أثينا وحدها، كان معظمها مازال قائما حتى القرن التاسع عشر .!

لنبدأ الموضوع :

في أرض اليونان ألقيت عصا الترحال منذ ثلاث سنوات، ذهبتُ إليها وفي خطتي تتبع ما بقي فيها من آثار إسلامية ذكرها الرحالة التركي "أوليا جلبي" في رحلته المسماة (سياحة نامة)، والتي قام بها في القرن الخامس عشر؛ حيث ذكر أن على هضبة الأكروبوليس الشهيرة كان يوجد جامع البارثينيون ومصلى لجنود حامية الحصن، وقريب منهما تكية بناها حسين أفندي صاحب الطريقة الخَلْوَتية عام 1616 ميلادية.

وأسفل حصن الأكروبوليس كان يوجد ثلاثة أحياء للمسلمين، يعيش فيها مائتا ألف مسلم، وبها ثلاثة جوامع، وسبعة مساجد، ومدرسة، وثلاثة كتاتيب، وتكيتان، وثلاثة حمامات، وخانان للتجار، كما يوجد بالمدينة ثلاثمائة كنيسة.

حاولت الوقوف على أي من تلك الآثار التي ذكرها "أوليا جلبي" فلم أجد لها أثرا .!

وجدت هيكل مسجد تم إزالة مئذنته في قلب ميدان "مونستراكي" أهم ميادين أثينا، وقد تم تحويله إلى متحف، وما زالت قبابه وبعض معالمه الخارجية قائمة، ووجدت مرسوما على جداره الخارجي نجمة داود السداسية، ولا أدري سبب وجودها.

ظلت عيني تدور وأنا أتجول في الحي القديم المسمى "بلاكا" في سفح هضبة الأكروبوليس بحثا عن أي أثر إسلامي، فلم أجِد، سألت دليلتي السياحية في الأكروبوليس عن الأسبلة والحمامات التركية، فهزت رأسها وقالت: "جدتي كانت معتادة على الذهاب للحمام التركي في حي بلاكا، ولكن لا أدري عن وجوده شيئا".

قلت في نفسي: لعلهم احتفظوا ببعضها في المتاحف، فذهبت أتتبع تلك الآثار في المتاحف .

تمَلَّكَني العجب حين زرت "متحف التاريخ الوطني لليونان"، الذي يتناول الفترة الممتدة من الوجود البيزنطي، ثم العثماني، ثم اليونان المستقلة، وصولا إلى الحرب العالمية الثانية؛ فلم أجد أي أثر مصور أو محفوظ من تلك الآثار التي تحدث عنها أوليا جلبي.

قلتُ: إذاً، سأجد بغيتي في متحف الفن الإسلامي (متحف بيناكي)، ذهبت إلى المتحف الواقع بين ميدان مونستراكي وميدان الأمونيا، فوجدت متحفا بديعا يحوي العديد من التحف الفنية من أرجاء العالم الإسلامي، ولم يكن من ضمنها أي آثار إسلامية من أثينا نفسها التي كانت عامرة بالآثار الإسلامية!

ولاستكمال هذا المشهد الدرامي المحزِن لقيام اليونان بالتدمير والطمس المتعمد للآثار الإسلامية في اليونان، نستكمل المشهد الإنساني:

فقد عاش الأتراك واليونانيون قرابة أربعمائة عام شعبين على أرض واحدة، ضمن الامبراطورية العثمانية، حتى استقلال اليونان عام 1823.

وأثناء حرب الاستقلال تلك حدثت مذابح مشتركة بين الطرفين، وبرغم ذلك وبحسب الوثائق اليونانية كان عدد اليونانيين القاطنين في الإمبراطورية العثمانية (خارج حدود اليونان المستقلة) حتى بداية القرن العشرين مليونان ونصف (علما بأن عدد سكان اليونان الآن اثنا عشر مليونا)، وذلك لأنهم فضلوا البقاء كرعايا في السلطنة عن عودتهم لليونان المستقلة، وظل كذلك الآلاف من الأتراك يسكنون في اليونان حتى نشوب الحرب بين البلدين بين عامي 1919 و1922؛ حيث بدأت اليونان بإيعاز من إنجلترا وحلفائها الحرب ضد الدولة العثمانية الجريحة بغية الحصول على مكاسب .

ونتج عن هذه الحرب اتفاقية لوزان عام 1923 التي بموجبها تم ترسيم حدود دولة تركيا الحديثة، ونتج عنها أيضاً اتفاقية تبادل السكان بين تركيا واليونان التي بموجبها تم التهجير القسري لمليونين من رعايا الدولتين، وكان من شروط الاتفاقية عدم السماح للمهجرين اليونانيين من تركيا والأتراك المهجرين من اليونان بالعودة لزيارة ديارهم .

وختاماً لتلك الدراما؛ فإن أثينا اليوم يعيش فيها أقلية تركية تتركز في الشمال، بخلاف مليون نسمة من المسلمين من مختلف الجنسيات في العاصمة أثينا، وبرغم ذلك "أثينا" هي العاصمة الأوروبية الوحيدة التي ليس بها مسجد جامع للمسلمين، ولا يسمح فيها بإقامة مئذنة، أو رفع آذان .!

وهذه هي اليونان التي تعترض على إعادة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، مع الحفاظ على كل معالمه كما هي .!!

وما اليونان إلا نموذج فقط يشبهه بعض الدول والأفراد المعترضين.

وللحديث بقية عن الآثار اليونانية الباقية في القسطنطينية (اسطنبول).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين