آيات سياسية (2)

آيات سياسية (2)

د. محمود النفار

 

قال الإمام الماتريدي في قصة الملك النبي سليمان بن داود عليهما السلام في سورة النمل: فيها "معرفة سياسة الملوك وتعلم آدابهم".

وسوف نقف هنا على زمرة من هذه السياسات والآداب ونترك بقيتها إلى الحلقة الرابعة بإذن الله تعالى:

1- في قوله تعالى: "وورث سليمان دواد" إشارة إلى وراثته النبوة والملك والقضاء بين الناس.

2- يشبه قوله تعالى: "وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ". ما يعبر عنه اليوم بخطاب التنصيب، وفيه يذكر أهل الرئاسة برامجهم، وهنا ذكر سيدنا سليمان عليه السلام القيم الحاكمة بحسب الرؤية الإسلامية.

3- في قوله تعالى: "وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" إشارة إلى عطية الله لهم ما يحتاج إليه في شأني النبوة والملك، فلكل منهما شروط ومتطلبات.

4- في قوله تعالى: "إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ" إشارة إلى ضرورة السلامة العقدية بأن الذي يؤتي الملك وينزعه هو الله بقصد الاختبار والامتحان.

5- قوله تعالى: "فَهُم يُوزَعُونَ" يتسق مع سيرة الملوك وأمراء العساكر أن يسيروا جنودهم مجموعة غير منتشرة ولا متفرقة.

6- في قوله تعالى على لسن النمل: "لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" ثناء على سليمان عليه السلام ومدح عليه لعدله في ملكه وسلطانه: أنه لو شعر بكم، لم يحطمكم ولم يهلككم.

7- في كلام النملة ما يدل أنها كانت رئيسة سائر النمل وسيدته؛ وكذلك على كل رئيس وسيد للقوم أن يحفظ رعيته وحواشيه عما يحملهم على الفساد.

8- في قوله تعالى: "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" مجموعة من القيم التي يتوجب أن يتحلى بها القائد: تذكار الشكر والذكر، وتذكار الأبوين والأسرة، وتذكار السابقين بالفضل، وتذكار أهل الإيمان والصلاح والسير المحمودة في الحكم على مر التاريخ الإنساني، وشكر الله على كل ذلك،  كما فيه تذكار بأن شرعية الملك لا تكفي بل لا بد أن تجتمع معها شرعية الإنجاز التي يبغي فيها المرء مرضاة الله تعالى "وأن أعمل صالحاً ترضاه".

9- في قوله تعالى: "وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ" دلالة أنه على كل ملك وأمير حفظ رعيته وحاشيته، والتفقد عن أحوالهم وأسبابهم.

10 -في قوله تعالى: "فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ" دلالة أنه قد يحيط بعض القادة بما لا يحيط به القائد الأكبر مهما علت إمكاناته وتنوعت ملكاته، وفي خفاء أمر بلقيس على سليمان ما يقضي منه العجب، وقد يكون سبب ذلك أنه لم يتجاسر أحد لإخباره بشأنهم تعظيما وتوقيرا، وهكذا الشأن مع الملوك: التعظيم والتوقير، ولكن الهدهد، وهو رئيس الهداهد كما يدل السياق أيضاً جمع معهما المسؤولية، والنصيحة الممزوجة بالشفقة.

11- في قوله تعالى: "لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ"، وقوله: "قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ". إشارة إلى العدل والمحاسبة والمسؤولية تجاه الجميع.

12- في قوله: "اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ". إشارة إلى دهاء سليمان وحيلته، وحرصه على رصد ردود الأفعال، والإحاطة بالمداولات التي جرت إثر إرسال الكتاب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين