آيات سياسية (1)

آيات سياسية (1)

د. محمود النفار

 

سوف أقوم بإذن الله تعالى بكتابة سلسلة من الفقه السياسي المستنبط من كتاب الله تعالى تحت عنوان: آيات سياسية راجياً من الله تعالى العون والتوفيق، فمن وجد فيها نفعاً فليتكرم بنشرها ...

وهذه هي التغريدة الأولى:

قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79]

من أجمل استنباطات المفسرين من هذه الآية قول الإمام الطبري رحمه الله: "الربانيون هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا"، ونقل عن الإمام مجاهد قوله: "الرباني: الجامع إلى العلم والفقه، البصرَ بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم". جامع البيان ت شاكر (6/ 544).

وما أندر العلماء الحكماء، والساسة البصراء، وأندر منهما: "العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس، وتدبير أمورهم، والقيام بمصالحهم". جامع البيان ت شاكر (10/ 341).

***

 

قال الله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251]

قال المفسرون: الملك: السلطان، والحكمة: النبوة، وقيل: كان متفرقين في الأسباط قبل داود، وهو أول من جمع الله له الملك والنبوة معاً.

 

في هذه الآية العديد من الإشارات، أهمها:

1- من الضروري ملاحظة يد القدر في هبة الملك أو توزيع السلطة في التعبير المعاصر، فكما أن النبوة اختيار إلهي، فكذا الملك هو هبة وقسمة، ولا بد هنا من التفريق بين الإرادتين: الشرعية والقدرية، فقد تسوق الأقدار قائداً واجب العزل، وقد لا تواتي قائداً واجب النصب، وقد تجتمع الإرادتين كما في اختيار طالوت، وإزاء كل حكم من أحكام القدر أحكام شرعية متنوعة ينبغي التفات الأنظار إليها، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26].

2- لا تتمّ إمامة الدين والدنيا، وقيادة النخبة والأمة، وتحصيل الطاعة والمتابعة إلا بشروط، وهي هنا ثلاثة شروط: القوة، والاجتهاد، والخبرة.

فبدون القوة أو النفوذ كما في التعبير المعاصر، أو الشوكة كما في تعبير الجويني، أو العصبية كما في تعبير ابن خلدون، بدونها لا يستقر ملك، ولا يثبت سلطان، ولذلك قال إمام الحرمين إن إمامة أبي بكر رضي الله عنه لم تثبت ببيعة عمر رضي الله عنه بل بمبايعة الناس، وتأطدها بالشوكة والمُنّة، وأسباب الاستيلاء والاستعلاء.

وبدون الاجتهاد السياسي الشرعي تضطرب الآراء، وتضعف أسباب تحصيل الطاعة، وإقناع الأتباع والأنصار، وإذا لم يكن القائد مجتهداً، فعليه استشارة المجتهدين والرجوع إليهم فيما يأتي ويذر كما قال إمام الحرمين، وهي الحال التي سبقت سلطان داود عليه السلام، حيث كان هناك ملك ونبي، يرجع فيها الملك إلى النبي.

وبدون العلم والخبرة "وعلمه مما يشاء" لا تتمكن الثقة في نفوس الأصدقاء، ولا الهيبة في نفوس الأعداء، وظهور هذه الملكات القيادية أو إظهارها بقصد استتباع الأتباع والأنصار يدل عليه قول الله تعالى: {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247].

3- من أهم أسباب مشروعية القيادة ومقاصد إيجادها بحسب الرؤية الإسلامية إعمار الأرض وإقامة ما يصلحها، وإزالة الفساد عنها، وهذا يكون بأسباب متعددة، أهمها: الجهاد في سبيل الله فلو لم يدفع الله المفسدين بالجهاد لعمّ الفساد، ولهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا.

4- مما خطر لي في قوله تعالى ولم أجده في حدود بحثي عند المفسرين هو أن قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} فيه إشارة إلى الأرض المباركة وأهمية الجهاد في حفظها في أيدي المؤمنين وصيانتها من أيدي المفسدين، وذلك لأنها الأرض التي باركها الله للعالمين.

والله أعلم وهو الموفق الفتاح

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين