آداب العمل الجماعي وشروطه -9-

 

 

-13-

 

[أدب المطالبة بالحقوق]

-13- رابعاً : وإنَّ من أهمِّ ما يجبُ أن يُدركَه المرءُ بعُمق عندما يكون في أيِّ عملٍ جماعيٍّ إسلاميٍّ: أنَّ مما يميز الفكرة الإسلاميَّة والخلق الإسلامي عن الأفكار والفلسفات البشريَّة، أنَّها جميعاً تتزلَّف للفرد حين تُعلِّمه لغة المطالبة بالحقوق والنضال من أجل الأخذ بينما يسمو الإسلام بالفرد حين يعلمه لغة الواجب والأداء والعطاء.

إنَّ لغةَ المطالبة بالحقوق عندما تكون هي لغة التفاهم الأولى بين الناس في أيِّ تجمع فإنَّ ذلك يعني أنَّ علاقات الناس تَنتهي بهم إلى الصراع والحقد؛ لأنَّ حقَّ كل فرد يمثِّل واجب فرد أو أفراد آخرين، ولغة المطالبة الملحَّة تنتهي بالطرفين إلى علاقات مُتوتِّرة بعيدة عن المودَّة والتسامح والصفاء.

أما لغة الأداء والعطاء والواجب فإنَّها تنتهي بالجميع إلى الوئام والحب، وتكون النتيجة الطبيعة لمثل هذه اللغة في التفاهم أن يَصل الجميع إلى حقوقهم بصورة غير مُباشرة بعيداً عن الإلزام المحرج أو المواجهة العنيفة بعد أن يقدِّم كل فرد مثالاً وقدوة لكلِّ من حوله بالعمل الصامت الدائب مع احتساب الأجر والمثوبة عند الله تعالى.

إنَّ أيَّ عمل جَماعيٍّ ناجح لا يكون نجاحُه إلا على أكتاف أولئك الذين يُؤمنون بالواجب والبذل ولا يرهقونَ غيرهم بالإصرار على الحقوق.

إنَّ الإسلام يُعلِّم الفرد لغة الواجب، ولغة البذل والعطاء، ويدفعه في هذا السبيل بكلِّ وسيلة، فالنصيحة بكل ما تعنيه من الالتزام الحق وتبنِّيه، ومحاولة نشره بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر بالسمع والطاعة والإيثار، كل ذلك وسائل مُجْدية من تذوَّقها وأدرك أبعادها في البنية الاجتماعية التي يعيشها، أدرك تماماً أنَّ الإسلام يُربِّي الفرد الصالح على أن يكون همُّه ما يُعطي وما يبذل، لا ما يأخذ؛ فإنَّ «اليد العليا خير من اليد السفلى» [أخرجه البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام وغيره]، «الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ فَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ». [قال الهيثمي في المجمع: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ وَهُوَ مَتْرُوكٌ]. 

الحلقة السابقة هنا

------------

  - تقدم أولا : الامتثال للقيادة والإمارة والطاعة المخلصة لها .. في الفقرة [9] ، وثانيا: في سَعَة الصدر وسَعَة الأفق لتقبُّل الآراء والمواقف والاجتهادات المخالفة. في الفقرة [ 10 ]، وثالثا: في القدرة على التعاون مع المستويات المختلفة في الفهم والوعي، والتنفيذ والأخذ بالعزائم في الفقرة [ 12 ] من هذه الدراسة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين