آداب العمل الجماعي وشروطه -2-

 

-3-

 

 

[تهيئة الفرد للعمل الجماعي ثقافة وفلسفة]

3 – ونحن إذا نظرنا اليوم إلى هذا الجانب الهام من جوانب –أو جانبي – العمل الإسلامي، وجدنا أنَّ جانب الإعداد والتربية على صعيد الأفراد، أو على الصعيد الفردي يكاد يستوي على سوقه وينهض على قدميه، مع ملاحظة أنَّ هنالك فرقاً واضحاً – على الصعيدين النظري والعملي – بين المستوى الذي يستطيع الفرد أن يصل إليه على صعيد التربية الفرديَّة من جهة، وعلى صعيد التربية الجماعيَّة من جهة أخرى!.

إنَّ مستوى الإعداد الفرديّ للشباب المسلم اليوم – على الصعيد العملي، وكما أشرنا – قد بلغ الحدَّ الأدنى الذي يستطيع أحدهم من خلاله أن يصمد للشبهات والشكوك، وأن يكون إيجابياً في مواجهة أيِّ محاولة للطعن أو الدسّ! وحين تعجز معلوماته أو اطِّلاعه عن مثل هذا الرد، وإزالة الشبهة أو الاعتراض – حتى في هذه الحال- فإنَّ له من ثقته بعقيدته وشمولها وسموِّها وربَّانيَّتها ما يجعله يأوي إلى ركن شديد من الاطمئنان والتسليم، فلا تؤثر فيه هذه الاعتراضات، ولا تجعله يرتبك أو يفقد الثقة! ويمضي الأمر على هذه الصورة ويتطوَّر البناء الإسلامي للفرد باستمرار حتى يصل إلى المستوى الذي تسمح له به قدرته واهتمامه واندفاعه ومواهبه.

 

-4-

 

[الجنوح إلى العمل الفرديِّ على حساب العمل الجماعي]

4 – فإذا اتَّجهنا نحو الشطر الآخر لنرى الصورة التي تقف عندها جموعٌ كبيرة من العاملين في الحقل الإسلامي أي من وجهة النظر الجماعيَّة، وعلى صعيد هذه التربية فإننا سنجد الغرابة والعجب، إنَّ كثيرين ممَّن يمثلون، في الظاهر الذي لا شك فيه، مستويات رفيعة من الإعداد الفردي والتربية الشخصيَّة – إن صحَّ هذا التعبير – ما يزالون بعيدين عن الوصول إلى أدنى حدٍّ مطلوب من كل مسلم! لا ليكون أهلاً لمشاركة غيره من المسلمين في تحقيق أهدافهم الأساسية أو الكبرى، مهما يكن مستوى هذه المشاركة! لا لهذا فحسب، بل يحقق في شخصه أيضاً ذلك التوازن الذي لابد منه في الشخصيَّة الإسلامية الفردية والجماعيَّة والتي تؤهِّله بطبيعتها للقيام بهذا الدور في يَوم من الأيام.

 

-5-

 

5- وغالباً ما يعتذر أمثال هؤلاء بأنهم لا يريدون أن يقيِّدوا أنفسهم منذ الآن بالتزامات ليس لكثير منها مبرِّرات ظاهرة واضحة، وأنهم لن يتخلَّفوا عن مدِّ يد التعاون المخلصة عندما يُلاحظون أمراً ايجابياً تتحرك الجموع المؤمنة لتحقيقه!.

 

[العمل الجماعي فنّ وتدريب مُستمرّ]

إنَّ من واجب هؤلاء العاملين أن يَعلموا أنَّ فنَّ التعاون والتناسق وموضوع أداء المهمَّات المشتركة الجماعية يَحتاج إلى تَدريب مستمر، وجُهد مُتواصل، وأنَّ من أهم أهداف العمل الجماعي الإسلامي: إنشاء كيان تنظيمي إسلامي يضع الجميع على مستوى العمل المنظَّم المُنسَّق ومُتطلباته؛ لتحقيق الإمامة الراشدة على منهاج النبوة... 

وإنَّ مثل من يتوهَّم أن يتوهم أنَّ بإمكانه أن يكون عُنصراً فعَّالاً في أيِّ عمل جماعي مهما يكن مُستواه بدون أية مُقدِّمات من الإعداد والتدريب كمثل من يظنُّ أنَّ بإمكانه أن يخوض معركة أو حرباً شاملة بعد أن أتقن استعمال سلاحه الفردي أو أتقن الرمي والتَّسديد من بندقيَّتِه أو مُسَدَّسه!.

إنَّ المقدرة على استخدام السلاح الفردي تَختلف تماماً عن استخدامه في عمل جماعي مُنسَّق مُنَظَّم، وإنَّ إتقان فنِّ التعاون والتناسق يحتاج إلى خبرة وتدريبات طويلة تماماً كما يفعل الجندي في المناورات عندما يتدرَّب على استخدام سلاحه الخاص بتنسيق وتعاون مع جميع الأسلحة بأصنافها المختلفة وهي تعمل في الميدان، ويستمرُّ التدريب على فترات طويلة حتى تصل التشكيلات إلى مستوى أداء المهمات الدقيقة والمعقدة بنجاح.

 

[المهارة في العمل الجماعي تغطي النقص في إعداد الفرد]

وعلى الرغم من أنَّ الحد الأدنى من الإعداد والتربية الفرديَّة ضرورة لازمة لا يمكن التَّغاضي عنها أو تجاوزها، فإنَّنا نلاحظ في ساحة الواقع أنَّ بعض الأفراد الذين ينفذون أدقَّ العمليات القتاليَّة الجماعيَّة التي تتطلَّب مُستوى عَالياً من التوافق والانسجام والانضباط هم أفراد سطحيُّون أو بُدَاة جَاهلون، ولكنهم أتقنوا هذا الفن من التعاون والتنسيق والتنظيم بجهد مُستمر من الإعداد والتدريب، مما يلقي ضوءاً على مسؤولياتنا في إعداد العاملين ليصبحوا على المستوى التنظيمي اللائق بالعمل الجماعي الإسلامي.

الحلقة السابقة هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين