آداب العمل الجماعي وشروطه -10-

 

 

-14-

 

-14- خامساً : وبعد أن يدركَ الفردُ واجبه في العمل على التكيُّف مع مفهوم الواجب والعطاء، ومفهوم الكفِّ والتَّسليم للآخرين الذين لا يُماثلونه عملياً في الإمكانات والفهم والمقدَّرات، ومَفْهوم سَعة الصدر ليتَّسع للآراء والمواقف الاجتماعيَّة المخالفة، لابد له بعد ذلك أن يَقف مَليّاً ويتأمَّل بعضَ الآداب الإسلامية في التعامل مع الناس، وذلك حتى لا تؤدِّي تصرفاته، وهو يتحرك بينهم، إلى إثارة بعض الحساسيات وكوامن المشاعر التي قد تُعَقِّد الأمور، وتنأى بالفردِ عن تحقيقِ أهدافِه التي يَرجوها ويعمل من أجلها.

 

[ الرفق والمُداراة من أهمِّ آداب التعامل مع الناس]

1– وإنَّ أول أدب يجب أن يَلتفتَ إليه الفردُ في تعامله مع الناس: الرفق والمداراة؛ فعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» أخرجه مسلم، والمداراة الواجبة هي التلطُّف بالخَلق لاستخراج الحقِّ منهم، أو ردِّهم عن الباطل، وهي غير المداهنة التي هي التلطُّف بالخلق لإقرارِهم على الباطل، إنَّ الرفق والمداراة من أخلاق المؤمنين، والمداهنة من أخلاق المنافقين: [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] {فصِّلت:34}.

 

[التواضع وخفض الجناح]

2– وإن من آداب المؤمنين: التواضع وخفض الجناح...ويجب أن يراعى هذا الأدب بخاصة عند الأمر بالمعروف، أو النهي عن المنكر، أو عند النصيحة، حتى لا تُتَّخذ مثل هذه الأعمال طابع التعالي والفوقية والأستذة، ولعلَّ أهل ما يجب مراعاته في هذا السبيل: إبداء النصح على انفراد وفي السر حتى لا يكون في ذلك توبيخ أو تأنيب وتقريع على رؤوس الأشهاد.

3– ولا بأس هنا بالتذكير السريع بجملة من الصفات التي يجب أن يتحلى بها الأخ في تعامله مع الناس في سبيل تحقيق أهدافه في العمل والدعوة كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل: فإلى جانبِ وجوبِ التلطُّف في إيصال الفكرة، أو التوجه إلى الآخرين بالرد أو الاعتراض، وهي صورة من صور الرفق والمداراة، فإنَّه لابد من أن تكون عنده القدرة على فهم دوافع التَّصرُّف عند الناس مع قبوله للأعذار، وحسن الظنِّ بالمسلمين، والبُعد عن التجسُّس عليهم – فضلاً عن عدم الطعن بالآخرين – مع الاهتمام بشؤون المسلمين العامة، وشعوره العميق بمسؤوليته تجاه الدعوة.

ولهذا فإنَّ من الصفات الأساسية هنا: ضرورة تقديم مصلحة الدعوة على المصلحة الشخصيَّة؛ لأنَّ الأولى أصيلة وممتدَّة وثابتة، والثانية غالباً ما تكون عَارضة أو موهومة... وإن كان مثل هذا التقديم أصلاً لا يمكن تجاوزه بحال.

يُضاف إلى ذلك: ضرورة تحلي الفرد بالموضوعيَّة والأمانة العلميَّة، هذه الصفة التي تعكس لوناً من ألوان ذلك التقديم لمصلحة الدعوة، إلى جانب ما تُوحي به من الثقة عند الأخ وعند الناس على حد سَواء.

وأخيراً فإنَّ فاعلية الأخ وإيجابيته في هذا المجال لا تتجلى في شيء كما تتجلى في روح التفاؤل التي يَنبغي أن تَشيع في نفسه، وتطبع مواقِفَه وأعمالَه، ونعني بالتفاؤل هنا: القدرة على العمل والحركة، أو على الاستمرار بها ضمن ظواهر اليأس المحدق، وعدم تثبيط الهمم، بل مخاطبة الناس بوحيٍ من الأمل وعدم اليأس.

الحلقة السابقة هنا

-----------------

  -- تقدم أولا : الامتثال للقيادة والإمارة والطاعة المخلصة لها .. في الفقرة [9] ، وثانيا: في سَعَة الصدر وسَعَة الأفق لتقبُّل الآراء والمواقف والاجتهادات المخالفة. في الفقرة [ 10 ]، وثالثا: في القدرة على التعاون مع المستويات المختلفة في الفهم والوعي، والتنفيذ والأخذ بالعزائم في الفقرة [ 12 ]، ورابعا:تقديم الأداء والعطاء والواجب  على المطالبة بالحقوق  في الفقرة [ 13] من هذه الدراسة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين