آداب الزواج وأحكامه
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، إن الله كان عليكم رقيباً )) سورة النساء 1 .
(( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجاً لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) سورة الروم 21 .
اتّخاذ الزّوجة :
ذهب عامّة أهل العلم إلى أنّ الزّواج مستحبّ غير واجب ، إلاّ إذا خاف على نفسه الوقوع في محظور فيلزمه إعفاف نفسه ، ولا يزيد عن زوجة واحدة إن خاف الجور ، لقوله تعالى : (( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً )) وقد تعتريه أحكام أخرى .
اختيار الزّوجة :
المرأة سكن للزّوج وحرث له ، وأمينته في ماله وعرضه ، وموضع سرّه ، وعنها يرث أولادها كثيراً من الصّفات ، ويكتسبون بعض عاداتهم منها ، لهذا حضّت الشّريعة على حسن اختيار الزّوجة ، وحدّدت صفات الزّوجة الصّالحة على النّحو التّالي :
· يستحبّ أن تكون الزّوجة ذات دين ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:« تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدّين تربت يداك » أي أنّ الّذي يرغّب في الزّواج ، ويدعو الرّجال إليه أحد هذه الخصال الأربع ، فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ألاّ يعدلوا عن ذات الدّين إلى غيرها .
· أن تكون ولوداً ، لحديث : «تزوّجوا الودود ، الولود ، فإنّي مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة » ويعرف كون البكر ولوداً بكونها من أسرة يعرف نساؤها بكثرة الأولاد .
· أن تكون بكراً ، لخبر : « فهلاّ بكراً تلاعبها وتلاعبك »
· أن تكون حسيبةً نسيبةً أي طيّبة الأصل بانتسابها إلى العلماء والصّلحاء ، وصرّح الشّافعيّة بكراهة الزّواج ببنت الزّنى ، واللّقيطة ، وبنت الفاسق لخبر : « تخيّروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم »
· أن لا تكون ذات قرابة قريبة ، لحديث : « لا تنكحوا القرابة القريبة فإنّ الولد يخلق ضاوياً » وصرّح الحنابلة باستحباب اختيار الأجنبيّة فإنّ ولدها أنجب .
· أن تكون جميلةً لأنّها أسكن لنفسه وأغضّ لبصره ، وأكمل لمودّته ، ولذلك شرع النّظر قبل العقد ، ولحديث : « ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللّه خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها أسرّته ، وإن أقسم عليها أبرّته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله »
· أن تكون ذات عقل ، ويجتنب الحمقاء ، لأنّ النّكاح يراد للعشرة الدّائمة ، ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها ، وربّما تعدّى إلى ولدها .
حقوق الزّوج على زوجته
أ - وجوب الطّاعة :
جعل اللّه الرّجل قوّاماً على المرأة بالأمر والتّوجيه والرّعاية ، بما خصّه اللّه به الرّجل من خصائص جسميّة وعقليّة ، وبما أوجب عليه من واجبات ماليّة ، قال تعالى : (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ))
فتفضيل الرجال سببه كمال العقل ، وحسن التّدبير ، ومزيد القوّة ، وبما أنفقوا في نكاحهنّ كالمهر والنّفقة ، فكان له عليها حقّ الطّاعة في غير معصية اللّه ، روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها « أنّها قالت : سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أيّ النّاس أعظم حقّاً على المرأة ؟ قال : زوجها » .
وقال عليه الصلاة والسلام : « لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما جعل اللّه لهم عليهنّ من الحقّ »
ب - تمكين الزّوج من الاستمتاع .
ج - عدم الإذن لمن يكره الزّوج دخوله .
د - عدم الخروج من البيت إلاّ بإذن الزّوج :وذكروا أسباباً لجواز خروج المرأة بغير إذن زوجها من المنزل منها :
· الخروج إلى مجلس العلم ، إذا وقعت لها نازلة وليس الزّوج فقيهاً .
· الخروج إلى حجّة الفرض إذا وجدت محرماً تخرج معه ، وليس للزّوج منعها من ذلك .
· واختلفوا في عيادة والديها . لكن قال أكثرهم ينبغي ألاّ يمنعها من عيادة والدين مريضين وحضور جنازتهما ، لأنّ في ذلك قطيعةً لهما وحملاً لزوجته على مخالفته ، وقد أمر اللّه تعالى بالمعاشرة بالمعروف ، ومنعها من عيادة والد مريض ليس من المعاشرة بالمعروف في شيء .
هـ - التّأديب :للزّوج تأديب زوجته عند عصيانها أمره بالمعروف لا بالمعصية ، لأنّ اللّه تعالى أمر بتأديب النّساء بالهجر والضّرب عند عدم طاعتهنّ ، وقد ذكر الحنفيّة أربعة مواضع يجوز فيها للزّوج تأديب زوجته بالضّرب ، منها :
· ترك الزّينة إذا أراد الزّينة .
· ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهرة .
· ترك الصّلاة .
· الخروج من البيت بغير إذنه .
و - خدمة الزّوجة لزوجها :ليس على المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز والطّبخ ونحو ذلك ، لأنّ المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع فلا يلزمها ما سواه ، هذا ما ذهب إليه الجمهور .
وقال المالكيّة : على الزّوجة الخدمة الباطنة من عجن وكنس وفرش واستقاء ماء من الدّار أو من الصّحراء إن كانت عادة بلدها كذلك ، إلاّ أن تكون من الأشراف الّذين لا يمتهنون نساءهم ، فيجب عليه حينئذ إخدامها .
ولا يلزمها الاكتساب كالغزل والنّسيج ، وأمّا غسل الثّياب وخياطتها فينبغي فيه اتّباع العرف .
ز - ما يجب على الزّوج لزوجته :فلها مثل الّذي عليه بالمعروف .
ح - ما ينبغي للزّوج في معاملة زوجته :على الزّوج إكرام زوجته وحسن معاشرتها ومعاملته لها بالمعروف ، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها ممّا يؤلّف قلبها ، قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } .
ومن مظاهر إكمال الخلق ونموّ الإيمان أن يكون المرء رقيقاً مع أهله ، يقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً » وإكرام المرأة دليل على تكامل شخصيّة الرّجل ، وإهانتها علامة الخسّة واللّؤم .
ومن إكرامها التّلطّف معها ومداعبتها ، جاء في الأثر أنّه صلى الله عليه وسلم قال : « كلّ ما يلهو به الرّجل المسلم باطل ، إلاّ رميه بقوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبتَه أهله ، فإنّهنّ من الحقّ » ومن إكرامها أن يتجنّب أذاها ولو بالكلمة النّابية .
ط - إنهاء عقد الزّواج :من حقوق الزّوج إنهاء عقد الزّواج إذا فسد الحال بين الزّوجين وأصبح بقاؤه مفسدةً محضةً ، وضرراً مجرّداً ، لأنّه أحرص عادةً على بقاء الزّوجيّة لما أنفق في سبيل الزّواج من المال ، وهو أكثر تقديراً لعواقب الأمور ، وأبعد عن الطّيش في تصرّف يلحق به ضرراً كبيراً ، لقوله تعالى : (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ )) وجاء في الأثر : « الطّلاق لمن أخذ بالسّاق »
حقوق الزوجة على زوجها
حقّ المرأة في اختيار زوجها :
للمرأة أن تختار زوجها ، جاء في الأثر عن أبي هريرة « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : لا تنكح الأيّم حتّى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتّى تستأذن ، قالوا : يا رسول اللّه، وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت » ، وعن عائشة قالت « : يا رسول اللّه ، إنّ البكر تستحيي ، قال : رضاها صمتها »
ولا ينبغي للوليّ أن يزوّج موليته إلاّ التّقيّ الصّالح ، جاء في الأثر : « إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه ، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض » ، وروي : « من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها » .
وينبغي أن تستأمر البكر قبل النّكاح ويذكر لها الزّوج فيقول : إنّ فلاناً يخطبك أو يذكرك ، وإن زوّجها من غير استئمار فقد أخطأ السّنّة لخبر : « شاوروا النّساء في أبضاعهنّ » وليس له أن يزوّجها بغير كفء إلاّ برضاها ، ولا ينعقد الزّواج عند بعض الفقهاء إذا زوّج القاصرة أو البكر بغير كفء ، ولها فسخه بعد البلوغ عند بعض الفقهاء ، والتّفصيل في مصطلح : ( ولاية ) .
وليس له تزويج الثّيّب إلاّ بإذنها لخبر : « الثّيّب أحقّ بنفسها من وليّها » وليس للوليّ أن يعضلها ، ويسقط بالعضل حقّه في تزويجها إن رغبت أن تتزوّج كفئاً قال تعالى : (( فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ))
حقوق الزّوجة على زوجها :
للزّوجة على زوجها حقوق ماليّة ، هي : المهر ، والنّفقة ، والسّكنى ، وحقوق غير ماليّة : كالعدل في القسم بين الزّوجات ، وعدم الإضرار بالزّوجة .
أ - المهر : المهر هو المال الّذي تستحقّه الزّوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدّخول بها . وهو حقّ واجب للمرأة على الرّجل عطيّةً من اللّه تعالى مبتدأةً ، أو هديّةً أوجبها على الرّجل بقوله تعالى : (( وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً )) إظهاراً لخطر هذا العقد ومكانته ، وإعزازاً للمرأة وإكراماً لها .
والمهر ليس شرطاً في عقد الزّواج ولا ركنًا عند جمهور الفقهاء ، وإنّما هو أثر من آثاره المترتّبة عليه ، فإذا تمّ العقد بدون ذكر مهر صحّ باتّفاق الجمهور ، لقوله تعالى : (( لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً )) فإباحة الطّلاق قبل المسيس وقبل فرض صداق يدلّ على جواز عدم تسمية المهر في العقد .
ولكن يستحبّ أن لا يعرى النّكاح عن تسمية الصّداق ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يزوّج بناته وغيرهنّ ، ويتزوّج ولم يكن يخلّي النّكاح من صداق .
وقال المالكيّة : يفسد النّكاح إن نقص صداقه عن ربع دينار شرعيّ أو ثلاثة دراهم ، ويتمّ النّاقص عمّا ذكر وجوباً إن دخل ، وإن لم يدخل خيّر بين أن يتمّ فلا فسخ ، فإن لم يتمّه فسخ بطلاق ووجب فيه نصف المسمّى .
ب - النّفقة : وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب النفقة على الزّوجة ، والحكمة في وجوب النّفقة لها أنّ المرأة محبوسة على الزّوج بمقتضى عقد الزّواج ، ممنوعة من الخروج من بيت الزّوجيّة إلاّ بإذن منه للاكتساب ، فكان عليه أن ينفق عليها ، وعليه كفايتها ، فالنّفقة مقابل الاحتباس ، والمقصود بالنّفقة توفير ما تحتاج إليه الزّوجة من طعام ومسكن وخدمة ، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنيّةً لقوله تعالى : (( وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )) وقال عزّ من قائل : (( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ )) ، وفي الأثر « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجّة الوداع : فاتّقوا اللّه في النّساء فإنّكم أخذتموهنّ بأمان اللّه ، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه ، ولكم عليهنّ ألاّ يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضرباً غير مبرّح ، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف »
ج ـ العدل بين الزّوجات : من حقّ الزّوجة على زوجها العدل بالتّسوية بينها وبين غيرها من زوجاته ، إن كان له زوجات ، في المبيت والنّفقة وغير ذلك من ضروب المعاملة المادّيّة ، وذلك ما يدلّ عليه قوله تعالى : (( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً )) وجاء في الخبر : « إذا كان عند الرّجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقّه ساقط » ، وقالت عائشة رضي الله عنها : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : اللّهمّ هذه قسمتي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك »
د ـ حسن العشرة : يستحبّ للزّوج تحسين خلقه مع زوجته والرّفق بها ، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها ممّا يؤلّف قلبها ، لقوله تعالى : (( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )) ، وفي الخبر : « استوصوا بالنّساء خيراً فإنّما هنّ عوان عندكم » ، وقال عليه الصلاة والسلام : « خياركم خياركم لنسائهم خلقاً » ، ومن حسن الخلق في معاملة الزّوجة التّلطّف بها ومداعبتها ، فقد جاء في الأثر : « كلّ ما يلهو به الرّجل المسلم باطل إلاّ رميه بقوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، فإنّهنّ من الحقّ »
الحقوق المشتركة بين الزّوجين :
أ - حلّ العشرة الزّوجيّة ، واستمتاع كلّ منهما بالآخر فيحلّ للزّوجة من زوجها ما يحلّ له منها .
ب - حرمة المصاهرة ، فالزّوجة تحرم على آباء الزّوج وأجداده وأبنائه ، وفروع أبنائه وبناته ، ويحرم على الزّوج أمّهات الزّوجة وجدّاتها وبناتها ، وبنات آبائها وبناتها ، وأن يجمع بينها وبين أختها أو عمّتها أو خالتها .
ج - ثبوت التّوارث بينهما بمجرّد إتمام العقد وإن لم يدخل بالزّوجة .
د - ثبوت نسب الولد من صاحب الفراش .
هـ - حسن المعاشرة كل منهما للآخر ، لقوله تعالى : (( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ))
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول