نظرات في دعاء فيه تصورات باطلة وأفكار منحرفة

 

كتب بعضهم:

 

[ اللهم يا رب نستغفرك ونتوب إليك 

نستغفرك لأننا ما فهمنا سننك 

نستغفرك لأننا ما علمنا مشيئتك

نستغفرك لأننا جهلنا قضاءك في كونك  

ندعوك بكلمات نعتقد فيها غفلتك عن عبادك الذين خلقتهم، 

نطلب منك طلب الأمر أن تقتل أقواما ، وتزلزل أقواما ، وتدمر آخرين وأننا هاهنا قاعدون منتظرون انتصارك انت  الذي ستعود به إلينا وحدنا دون سائر خلقك،

نستغفرك لاعتدائنا عليك بالدعاء

فلقد جهلنا حتى ضج الجهل منا 

نستغفرك أن ظننا أننا أحباؤك بركعات وتمتمات،

نستغفرك ان ملكتنا عقولا لنفهم بها فما فهمنا ، ولنعقل بها فما عقلنا ولنتدبر بها فما تدبرنا،

نستغفرك أن ملكتنا أعيناً فما أبصارنا بها ، وآذانا فلم نسمع بها،

ملكتنا كل ذلك فأبينا إلا ان نعقل و نبصر ونسمع بعقول وأبصار وأسماع سادتنا وكبراءنا ،

ربنا إنهم قد أضلونا السَّبِيلَا ، فصرنا أهون أهل الأرض وضربت علينا الذلة والمسكنة،

نستغفرك اننا ما رحمنا بَعضنَا وتفرقنا شيعاً ينبذ بَعضُنَا بعضاً لمجرد مخالفة في فكر او فكرة ، رأي أو معتقد ، مذهب أو طائفة  ، ملة أو دين ،  وانت الذي قلت:( و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ، فأبينا الا نقتتل كافرين  بما أخبرتنا ،

نسألك يا رب ان تلطف بِنَا فإننا ظالمون ، وأن تغفر لنا فإننا لسبيلك ساعون ، وأن تلهمنا الرشد فإننا متَحَرُون ].

 

 

هذا الدعاء مدخول بتصورات باطلة. وممزوج بأفكار مرذولة يراد - فيما أظن - تمريرها من خلال هذا الدعاء . والله أعلم. 

 

وحبذا لو عرفنا القائل وتوجهه.  إذا لكان أيسر في فهم مقصوده وبيان الدخل فيه.

لأن الواضح انه أراد بهذا الدعاء نقد أفكار ومفاهيم.  وتقرير أضدادها.

إلا إذا كان الدعاء اختراع عامي لا يعي دلالات ما يقول.

 

عموما أرى في الدعاء المذكور - على عجالة - الملاحظات الآتية:

1- أما الدعوة الثانية (نستغفرك لأننا ما فهمنا سننك ) فهي غير دقيقة. لأن التعميم في عدم الفهم غير دقيق. 

ثم إن معرفة الفهم الخاطئ فرع عن معرفة الفهم الصحيح. وإلا فكيف أحكم بخطأ الفهم إن لم أعرف الصواب الذي يعتبر معيارا في الحكم بالخطأ على ما خالفه.

فمن عرف أن هذا الفهم خاطئ فقد عرف بالضرورة الفهم الصائب. 

والنتيجة أن قوله: نستغفرك لأنا ما فهمنا سننك. يستلزم بالضرورة أن القائل قد فهمها. ولكنه يلقي باللائمة على الأمة التي لم تفهمها بزعمه. 

 

ثم إن الدندنة حول قضية السنن الربانية كثيرا ما يرددها الماديون من الكتاب المسلمين الذين تضيق صدورهم بالكرامات والخوارق  والمعجزات. وصولا إلى إنكارها بدعوى أن الكون محكوم بسنن ربانية....

 

2- تصدير الدعوتين. الثالثة والرابعة بالاستغفار خطأ بين. وكأنا قد كلفنا بعلم مشيئة الله ومعرفة سابق قدر الله سبحانه. فقصرنا في ذلك فنحن نستغفره من التقصير. وهذا معنى فاسد واضح الفساد. كيف وقد قال الحق سبحانه: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )

وكان الواجب تصديرها بالتسبيح كما قالت الملائكة: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) ثناء على الله بأنه أجل من أن يعلم العباد مشيئته؛ أو أن يعرفوا سابق قدره سبحانه.

 

3- قوله في الجملة الخامسة: (ندعوك بكلمات نعتقد فيها غفلتك عن عبادك.....) صياغة قبيحة منكورة. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. 

وهل هناك مؤمن يعتقد هذا؟!! وهل يسمى مؤمنا من يعتقده؟!!

ولو قال وكأنا نعتقد....لكان أهون.

 

4 - قوله: (نطلب منك طلب الأمر.....) صياغة أخرى سيئة وجرأة على الله تعالى. ولا أظن لها رصيدا من الواقع.

وإلا فمن هذا المؤمن الذي يطلب من ربه طلب الأمر؟؟؟!!! تعالى الجبار عن ذلك علوا كبيرا. وهل يسمى مؤمنا من يفعله؟!!

وإنما هي أوهام توهمها كاتب الدعاء فدان الأمة بها. على طريقة (زناه فرجمه ) .

 

5- وأما قوله: (.....أن تقتل أقواما وتزلزل أقواما وتدمر آخرين. ) فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أناس بالهلاك واللعن والزلزلة وسبع كسبع يوسف. ودعا موسى فقال: (ربنا أطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)

وقبله دعا نوح عليه السلام فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )

فما يقول الكاتب في هذا النوع من دعاء الأنبياء عليهم السلام. ؟!!

أم أن الفرق أننا نطلب من الله طلب الأمر. - عياذا بالله - وأما الأنبياء فيطلبون منه طلب التماس ورجاء؟؟!!!

 

6- وأما قوله: (.....وأننا هاهنا قاعدون منتظرون انتصارك الذي ستعود به علينا وحدنا....)

فلا أرى هذا يصح بعد هذه التضحيات التي يبذلها المجاهدون من دمائهم وأموالهم وأوقاتهم. 

 

7- وأما قوله: (نستغفرك أنا ظننا أنا أحباؤك بركعات وتمتمات.... إلى قوله: فلم نسمع بها.) فأقول: من ظن ذلك. أو كان كذلك فحري به أن يستغفر.

 

7- وما قوله في الختام:(نستغفرك أنا ما رحمنا بعضنا وتفرقا شيعا ينبذ بعضنا بعضا لمجرد مخالفة في فكر أو فكرة. رأي أو معتقد..... ملة أو دين وأنت الذي قلت: "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم.........) فهذا ذروة التلبيس ودس السم بالدسم وتمرير فكرة وحدة الأديان. وأن الجميع دين الله. وهي التي يدندن حولها محمد حبش وفتح الله كولن. وكثير من مطايا السياسيين من علماء الدين. كسعد الدين الهلالي.  وخالد الجندي. بالإضافة إلى كثير من الإعلاميين والكتاب المرضى ببغض الإسلام.

 

أما الدعوة إلى نبذ الفرقة بين أتباع المذاهب والمدارس الفكرية الإسلامية فحسن. ولكن هذا هو الدسم الذي أريد تمرير السم من خلاله حين قال: (ملة أو دين. وأنت الذي قلت: "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" فأبينا إلا أن نقتتل كافرين بما أخبرتنا....). وهي دعوة مبطنة لازدراء وتعطيل شرعة الجهاد من أساسها. وكأن قوله تعالى: "ولا يزالون مختلفين" تكليف لا توصيف.

ولا يخفى على عاقل الفرق بين التكليف والتوصيف. فإن التكليف لا يكون إلا فيما يرضاه الله سبحانه.

وأما التوصيف فيكون للواقع. خيرا كان أو نكرا. 

فمن جعل التوصيف تكليفا فقد سوى بين الخير والنكر.  والإيمان والكفر.

وهذه التسوية هي ما يرمي إليه الكاتب.

والله أعلم. 

(أفنجعل المسلمين كالمجرمين* ما لكم كيف تحكمون )

صدق الله العظيم. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين