خَواطر حَول أزمة الخُلق المسلم المعاصر -12-

 

 

تحدث المؤلف عن مظاهر الغلو والتطرف في الجماعات المعاصرة، وخطأ التطبيق الحزبي للأخلاق، والتقدير الحزبي أيضاً.

وأجاب عن علاقة الغلو والتطرف بالخوارج وسبب انحراف الخوارج.

وفي هذه الحلقة يتحدث عن أزمة خلقية أخرى للجماعات الإسلامية وهي: عنايتها بالمظهر أكثر من الجوهر.

ثانياً: بين المظهر والجوهر:

يحدث أحياناً عند بعض الجماعات أن توجه العناية للمظهر أكثر من الجوهر، ومع تقديرنا لأهمية كثير من المظاهر ولضرورة العناية بها، ومع إيماننا بالتفاعل والتكامل بين المظهر والجوهر إلا أنه ينبغي أن يظل الجوهر في محله الأرفع ويظل تبعاً لذلك موضع الاهتمام الأول، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة.

- جماعة تُعنى بالعبادة فتراها تولي كثيراً من اهتمامها لمظاهر العبادة من طول الركوع والسجود وبساطة المسجد فضلاً عن بعض مظاهر أخرى مثل اللحية... لذا نجد بعض أفراد تلك الجماعة يحافظون على تلك المظاهر، ويدور معظم حديثهم حولها، ويفاصلون الناس عليها... بينما جوهر العبادة من خشوع لله وما يثمره هذا الخشوع من تقوى لله في السرّ والعلن، تقوى تجعل سلوك الفرد مثال الصدق والأمانة والرفق والأناة والمروءة والإحسان، هذا الجوهر وآثاره الطيبة لماذا لا يكون هو المميز الأساسي في شخصية هؤلاء الأفراد؟

- جماعة أخرى تعنى بالعقيدة، فتراها تركز معظم جهودها حول تصحيح التصورات النظرية والتعابير الدارجة على ألسنة الناس مع اهتمام أقل بتوجيه الأفراد إلى جوهر العقيدة ولب التوحيد، وهو الإيمان الذي يعمر القلب فيكسبه السكينة مع التقوى، ويثمر عمل الصالحات في كل المجالات، لذلك لا يمكن أن تميز بعض أفراد تلك الجماعة حين تخالطهم بوضوح هذا الجوهر وثمراته الصالحة، إنما تميزهم بدقة التعبير وضبط التصورات.

- جماعة ثالثة تُعنى بالمرأة. فبماذا تعنى؟ لا شيء تقريباً غير الزي والاختلاط (وهي تغلو في تصور الاختلاط المحظور بعيداً عن هدي الشارع الحكيم ) ويشاركها في هذا جماعات أخرى تدعو إلى الإصلاح في جميع المجالات لكنها إذا دعت إلى الإصلاح في مجال المرأة وقفت عند حدود الزيّ والاختلاط لا تكاد تتعداهما إلى جوهر العفّة وإلى جوهر واجبات المرأة وحقوقها كشخصية لها  دورها في المجتمع.

- إنَّ جوهر العفة هو ضبط الاستمتاع الجنسي في حدود الزواج أي التعفف قدر الطاقة عن النظرة الحرام واللمسة الحرام والخاطر الحرام، ولا شك أن الحرص على الزي السابغ وتجنُّب الاختلاط العابث من المعينات على تحقيق العفة وبدونهما تجرح العفة، وقد أوجبهما الشارع الحكيم، ولكن السبيل لأن تأخذ هذه المظاهر الصالحة طريقها إلى عقول وقلوب الرجال والنساء ليس هو مجرد التنديد بالاختلاط والابتذال والتفسخ والعري إنما هو توجيه الجهود إلى الأفكار والنظريات التي تثمر هذه المظاهر الفاضحة...نفندها ونقدم البديل عنها أي نقدم فكرة مقابل فكرة، وعقيدة مقابل عقيدة، فإذا استقامت عقيدتهم رجالاً ونساءً، استقام سلوكهم، وإذا خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، أذعنوا لأوامر الله وصلوا وصاموا خاشعين له وكفُّوا عن الاختلاط المشين والزي الفاضح.

- جماعة رابعة.. تُعنى بنشر الوعي الإسلام والمفاهيم الإسلامية، لكنها تركز جهودها على نشر مفاهيم نظرية وتمكين أفرادها من الجدال الحاد حول تلك المفاهيم، أما سلوك أفرادها من عبادة وأخلاق فهذا تتركه لجهودهم الشخصية حتى لينتج عن ذلك أن تجد بعض أفرادها يقضون الساعات الطويلة في بثّ الوعي بين مجموعة من الشباب أو في جدال عنيف حول المفاهيم، وقد يفوت خلال ذلك فرض صلاة أو فرضين، دون مبالاة وذلك نتيجة للاعتناء الشديد بالمظهر، مظهر الوعي دون جوهره، فالوعي الصحيح بالإسلام يقتضي مع الفهم الممارسة الحياتية.

تنظر الحلقة الحادية عشرة هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين