مراعاة الداعية المسلم لأحوال البيئة والمخاطَبين -2-


معرفة البيئة وأحوال المخاطَبين


عني بتصحيحها الشيخ مجد مكي

اعتبار البيئة:
يجب على الداعية المسلم ليكون موفَّقاً ناجحاً في دعوته أن يعرف أحوال البيئة أو المجتمع الذي يعمل فيه، وأن يراعي هذه الأحوال في اختياره للموضوعات وفي منطلقاته في الحديث، وفي تصرفاته العملية، وفي أسلوبه وطريقته.


معرفة المجتمع والمخاطَبين:
إذا كان الداعية من غير أبناء ذلك المجتمع فعليه أن يبذل جهده في معرفته قبل العمل فيه سواء كان ذلك بدراسة ما كُتب عنه، والمراجع المختصة ولاسيما الحديثة منها أم كان ذلك عن طريق العارفين بأحوال ذلك المجتمع من غير المتحيِّزين لفئة من فئاته، وإلا احتاج أن يسمع ممَّن يمثلون فئات مختلفة إذا كان ثمَّة فئات مختلفة، ولابد أن يكون في كل مجتمع وجهات نظر مختلفة.


فإذا كان المجتمع مسلماً فعليه أن يعرف درجة فهمه للإسلام، ونوعية هذا الفهم وصبغته العامة، والغالب عليه كأن يغلب عليه مذهب فقهي وطريقة صوفية معينة أو اتِّجاه سلفي، أو تأثر بفكرة أجنبيَّة حديثة، أو أن يكون كل ذلك موجوداً مع تصارع الأفكار أو مع المسالمة بينها، وأن يعرف ما عليه أكثريَّة الشعب، وما عليه المثقفون في المدارس والمسؤولون الحاكمون، وأن يعرف جملة التقاليد الشائعة سواء في العادات أو العبادات، ومدى قربها أو بعدها عن الإسلام، ومدى رسوخ هذه العادات أو التمسُّك بها إذا حصل تعرض لها بالنقد والتجريح.


إنَّ هذه الجوانب المختلفة يجب معرفتها، ثم استحضارها ووضعها في الحساب والاعتبار لسلوك الطريق الموصل إلى الهدف واستعمال الحجَّة المقنعة والدليل المقبول في تلك البيئة، وليست الحال مختلفة حينما يكون الداعية من أبناء البلد فقد يكون منعزلاً عن المجتمع، ومنتسباً إلى بعض فئاته، وليس لديه نظرة مستوعبة لجميع الفئات والتيَّارات والقطاعات والمشكلات، فيجب في هذه الحال أن يخرج من قوْقعته الخاصَّة ليتمكن من الرؤية الكاملة، وأن يتجرد من عواطفه وانتماءاته الخاصَّة ليشعر أبناء المجتمع جميعاً أنه داعية الإسلام وليس الممثل لفئة من فئات المجتمع.


الغالب في بلاد الإسلام في عصرنا الحاضر أن في كل بلد منها فئات متعددة منها:
1 – الفئة المؤمنة بالإسلام وراثياً وتقليدياً لجملة عباداته وأحكامه مع تقصير أحياناً في الواجبات واختلاط بين السلوك الإسلامي الصحيح والتقاليد والبدع الدخيلة أو المضافة، وبين العقائد الصحيحة التي جاء بها الإسلام، ومعتقدات أخرى راجت في تلك البيئة لا صلة لها بالإسلام أو لا يقرُّها الإسلام، وهذه الفئة من المسلمين غزتها منذ عهد قريب و بعيد عادات غير إسلامية، أخذ تيارها يزيد ويطغى طغياناً يؤدي إلى إضعاف الإسلام وأثَر تعاليمه في النفوس، كاتخاذ شعارات غير المسلمين وأعيادهم كعيد الميلاد المسيحي، ورأس السنة الميلادية، وعيد ميلاد كل فرد من الأحياء، وتبرج النساء في لباسهنَّ و زينتهنَّ في خارج المنزل الزوجي، وحفلات الغناء الخليعة ولاسيما من المغنيَّات، والتَّختُّم بالذهب للرجال، وأمثال ذلك.

هذه الفئة مؤمنة بالإسلام في الأصل، ولكنها قد لا تكون شاعرةً بعظم تقصيرها وتفريطها بحق الإسلام وعظم ما تحمله من إثم ومسؤولية أمام الله، وأنها باستمرارها في هذا الطريق تكون إلى الكفر أقرب منها إلى الإسلام.


يجب على الداعية أن يصنف هذه الأمور بحسب أهميتها، وعِظَم شأنها، ما يتعلق منها بالعقيدة والعبادات والعادات، وما كان منها قديماً موروثاً، وما كان حديثاً مقتبَساً من غير المسلمين، ويراعي الحكمة في المعالجة والإصلاح بحيث لا يثير عليه الرأي العام، ويأتي للأمور أحياناً بطرق غير مباشرة حتى يصل إلى الهدف أو حتى يدفع الناس ليسيروا بأنفسهم نحو الهدف بعد توجيهه ودفعه لهم في هذا الاتجاه.
إنَّ هذه الفئة تصلح لها الأدلة الشرعية من الشواهد القرآنية والأحاديث النبويَّة وأقوال السلف الصالح وأعلام الإسلام كما تصلح لها الأدلة العقليَّة والأمثلة الواقعيَّة واعتبار عواقب الأمور وتأثيرها في شئون الحياة.


وما قلناه يمكن بسط كل جزء من أجزائه وتفصيله وشرحه وتوضيحه من قبل الخبراء والمختصِّين ليكون دليلاً للدعاة يهتدون به في عملهم.
2 – الفئة الثانية من الفئات التي يتكوَّن منها المجتمع الإسلامي في أكثر البلدان الإسلامية تشتمل على من تأثروا بالتيارات اللادينيَّة والأفكار الغربيَّة المعارضة للدين والتي هي في الأصل ردُّ الفعل الطبيعي للمسيحية المشوَّهة المحرَّفة التي تناقض العقل في عقائدها، وتعارض الفطرة في تعاليمها.
تضمُّ هذه الفئة من أبناء المسلمين أنواعاً متدرجة متفاوتة في بُعدها عن الدين ومجافاتها له ابتداءً من المحتفظين بعقيدتهم الإسلامية، والمقصرين في واجباتهم الدينية، والمتأثرين بالعادات الأجنبية غير الإسلامية إلى الذين دخل الشك في قلوبهم، والذين أنكروا النبوة والوحي، والذين تغلغَل الكفر بالله إلى قلوبهم ونفوسهم.


إنَّ هذه الفئة لا تفيد معها الأدلة النقليَّة لأنهم لا يقبلونها أصلا ولا يؤمنون بها فلابد في التعامل مع هذه الفئة وفي مخاطبتها من الانطلاق من منطلقات أخرى تعتمد على العقل والحُجج العقليَّة وعلى بيان الوقائع والإحصاءات وسلوك الأساليب الحديثة في مخاطبتهم واقناعهم، والانطلاق كذلك من المشكلات التي تشغل رؤوسهم لبيان أنَّ حلَّها في ضوء الإسلام هو الحل الأمثل، ومن الأفكار التي يسلِّمون بها.
إنَّ سلوك هذا الطريق ليس سهلاً ويحتاج إلى ثقافة واسعة واطّلاع غير قليل على البحوث والدراسات والمؤلفات الحديثة. والأوْلى الاطّلاع عليها في مصادرها الأصلية في اللغات الأجنبيَّة أو مترجمة إلى العربية، وتشمل هذه البحوث الفلسفات والعقائد الشائعة، والبحوث المتعلقة بالأسرة والمرأة والاقتصاد والسياسة وسائر البحوث الاجتماعية، وكذلك البحوث الحقوقية المختلفة.


3 – والفئة الثالثة: وهي تضم غير المسلمين أصلاً ،وهم على قسمين مختلفين:
أحدهما: يشتمل على أبناء الحضارة الغربية من الأوروبيين والأمريكيين ومن يلحق بهم.
وثانيهما: يشتمل على أبناء الشعوب النامية التي تغلِب عليها الأمية والبساطة والتي لها عالمها الخاص وعقائدها الوثنيَّة والخرافيَّة بين شعوب آسيا وأفريقيا.
والقسم الأول من هذه الفئة أقرب إلى الفئة السابقة من حيث العقلية والثقافة، والقسم الثاني ينبغي أن تُتَّخذ له طريقة خاصة تتناسب مع أفكاره وعاداته وسائر أحواله بعد معرفتها والاطّلاع عليها.

للاطلاع على الحلقة السابقة اضغط هنا
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين