مراعاة الداعية المسلم لأحوال البيئة والمخاطَبين -1-




عني بتصحيحها الشيخ مجد مكي


الحمد لله حمداً كثيراً، والصلاة والسلام على نبيِّه الذي أرسله بشيراً ونذيراً، وبعد: فإن من أهم أسباب نجاح الداعية المسلم في دعوته، مراعاته لأحوال الذين يدعوهم، وأحوال البيئة التي هي محل نشاطه، ومجال دعوته، وهذا ما سنفصِّله بعض التفصيل في بحثنا، ونحبُّ أن نذكر قبل عرض هذا البحث ببعض الأفكار الهامَّة المتعلقة بالدعوة، والتي يجب أن تكون دائماً حاضرةً في الذهن، وذلك بإيجاز شديد، وكلُّها آفاق ينبغي أن يجول فيها الباحثون لتتَّضح الرؤية في مجال الدعوة الواسع.
الفكرة الأولى:
الإسلام مقترنٌ بالدعوة، وملازمٌ لها، وقد تكرَّر هذا المعنى في القرآن العظيم، كقوله تعالى: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ] {النحل:125}.
وقوله:[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا] {فصِّلت:33}. وقوله: [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ] {آل عمران:104}.
وقوله آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بالدعوة:[فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ] {الشُّورى:15}.
وقوله كذلك:[ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ] {الحج:67}.
ولذلك فالأصل أنَّ كل مسلم داعية، وينبغي أن يكون كذلك بقوله وعمله مهما يكن عمله.


الفكرة الثانية:
الدعوة إلى الإسلام هي دعوةُ الأفراد والجماعات إلى الإيمان بعقيدته عن قناعة نفسيَّة، وإلى الالتزام بنظامه الأخلاقيِّ والتشريعيِّ، وسائر أحكامه على أنها وحيٌ إلهيٌ، وإلى الجهاد في سبيل حماية الدعوة. ومناهج الدعوة ينبغي أن تشتمل على هذه الجوانب كلها ليقوم الدعاة بنشرها وترسيخها في النفوس وتحقيقها عملياً.


الفكرة الثالثة:
الدولة الإسلامية هي دولة دعوة وهداية، وسفاراتها مراكز للدعوة، وصِلاتها مع الدول الأخرى مستوحاة من مصلحة الدعوة الإسلاميَّة.


الفكرة الرابعة:
من أهم شروط نجاح الدعوة إلى الإسلام: تحرير الأفراد والجماعات من تأثير الدعوات المعادية والمخالفة للإسلام بعد معرفة خططها وطرائق تسللها إلى المجتمع المسلم، وأبرز منافذ تسريبها ثلاثة:
أ – التعليم، ولاسيما العلوم المعنويَّة أو الإنسانيَّة، أي: ما يتعلق منها بالأفكار الموجِّهة والمعتقدات، دون أن نستثنيَ من ذلك حتى العلوم الطبيعيَّة عن طريق أسلوب تعليمها المصطبغ بصبغة إلحاديَّة.
ب – المذاهب السياسية والاجتماعية التي يدين بها بعض الأحزاب والهيئات، وذلك حينما تكون هذه المذاهب مبنيَّة على أسس مخالفة للإسلام.
ج – العادات غير الإسلامية التي انتشرت ولاسيما ما فيه تجاوز على الحدود التي حدَّدها الإسلام، واستباحة للمحرمات ممَّا يضعف قوة الالتزام بالسلوك الإسلامي، ويضعف روح التقوى والورع.


الفكرة الخامسة:
السيرة النبويَّة هي المصدر الأساس لمعرفة طرائق الدعوة ومرادها، لذلك يجب أن تدرس أحداثها من هذه الزاوية، للتعرف إلى الطريقة المثلى في الدعوة إلى الإسلام، والاعتبارات التي يجب رعايتها، والمراحل المتوالية، وخصائص كلٍّ منها، كما يجب دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره الداعية المثالي من جهة، وباعتباره النموذج المثالي للدعوة إلى الاقتداء به.
بعد هذه المقدِّمات التي تضمَّنت خلاصة لأفكار، رأيت أن أذكّر بها، أنتقل إلى موضوع بحثنا.

------------------------

[1] بحث قدم  إلى المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من 24- 29/ 2/ 1397هـ - 1977م.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين