الشهيد الحافظ الدكتور المهندس العالم الخبير المبدع فادي البطش (كما عرفته جارا)

تشرفت بمعرفة الشهيد فادي عقب وصولي ماليزيا قبيل سبع سنوات، حيث كنا جيرانا في المسكن (بناية إيدامان سوترا ثم إيدامان بوتري بكوالالمبور) لذلك سأتكلم عنه كما عرفته جارا وقائما بحق الجوار، مطبقا وصايا وتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم في الجيران، ولأهمية الجوار جاء في الأمثال: الجار قبل الدار. وقد كان نعم الجار ونعم الأخ ونعم الصديق.

كان حسن الخلق طيب المعشر عذب اللسان طاهر الجنان مبارك الأفعال وكان ممن سلم المسلمون من لسانه ويده؛ يصدق فيه أنه كان خلقه القرآن الكريم، فكان حاملا للقرآن متأدبا بآدابه ومستنيرا بهديه عاملا به.

فكان من أهل القرآن الكريم يتعاهده حفظا ومراجعة، فالقرآن صاحبه في حله وترحاله، تراه يغتنم كل وقت لمراجعة حفظه للقرآن الكريم، ومن ذلك أننا ذهبنا للمستوصف لأجل اللقاح لابنتنا مارية فكان هناك ينتظر الدور للقاح لابنته أسيل وقد استغل وقت الانتظار لمراجعة القرآن الكريم فكان يقرأ من حفظه وتسمع له زوجته.

وكان قلبه معلقا بالمساجد فكان يصلي بالناس إماما في مسجد عبدالله بن عباس في إيدامان وعندما تخرج من الدكتوراه أقام وليمة فيه بمناسبة تخرجه من الدكتوراه وقد حضرها جمع كبير من جيرانه وأصدقائه ومعارفه، وكذلك كان يُقَدَّم ليصلي إماما في مسجد إيدامان أحيانا، وهو المسجد الذي استشهد في طريقه إليه فجرا، وكان يصلي إماما في صلاة التراويح فيتنقل بين المساجد وفق جدول منظم، وكان يلقي المحاضرات معرفا بالقضية الفلسطينية فكان خير سفير لها.

وكان مواظبا على صلاة الجماعة فكان أول لقاء تعارف بيننا في الطريق لصلاة الجماعة وفي إحدى معايداتي له حضر وقت صلاة العشاء وكان عنده ضيوف كثر فاصطحبهم لأداء الصلاة جماعة في المسجد ثم استأنف الاستضافة بعد الصلاة وكل ذلك حرصا منه على الهدي النبوي في إقامة شعيرة صلاة الجماعة.

وكان اجتماعيا محبوبا يشارك في أنشطة الجالية الفلسطينية خصوصا والجالية العربية عموما فإذا دعينا إلى نشاط منها وجدناه من أوائل الحضور غالبا.

وكان قائما بحق جيرانه فضلا عن عدم إيذائهم، وخلال فترة جوارنا توفي والدي وبعد فترة توفي أخي الكبير – رحمهما الله – وفي كلا الوفاتين كان يحضر للتعزية ولكنه لم يكن يحضر حضورا عاديا وإنما كان يحضر ومعه القهوة والتمر والماء المنقى المعلب ويقدمها بيده للمعزين.

وكان كريما متواضعا فكان إذا طبخوا في بيتهم طعاما من الأكلات الشعبية الفلسطينية يهدي لنا منه ويحضره لبيتنا بنفسه لأن ابنتيه صغيرتان لا تقويان على حمل الأطعمة المطهية الحارة وزوجته مشغولة بالأطفال وهو في خدمة أهله والإحسان لجيرانه.

وكان كل يوم صباحا يصطحب ابنتي مارية مع ابنته أسيل ليوصلهما للروضة وكانت زوجتي تعيد الصغيرتين ظهرا من الروضة ولما علمت ابنتي الصغيرة مارية باستشهاده جلست تبكي عليه بحرقة قلب، فقلت: سبحان الله إن كان هذا حزن الأطفال عليه فكيف بحزن الكبار وقد ملك حبه قلوب الصغار والكبار.

لقد كان يقوم بحق جيرانه وإخوته وأصدقائه وأحبابه فرغم مشاغله الكثيرة إلا أنه تغلب عليها ولم يجعلها تمنعه من القيام بالحقوق والواجبات تجاه خواصه فكان حاضرا في كل أفراحهم وأحزانهم يؤنسهم في غربتهم ويستأنس بهم.

وأما زوجته فهي على خطاه من أهل الله؛ أهل القرآن الكريم وأهل العلم، فهي حافظة لكتاب الله تعالى ناشرة للعلم والفضائل، قائمة في حق جيرانها، ومما نذكره عنها أنه عندما أتمت ابنتنا فاطمة حفظ القرآن الكريم بقراءة عاصم وعرفت بأن حفل الختم سيكون في وقت سفرها المعد مسبقا مع زوجها خارج كوالالمبور طلبت من زوجتي تأجيل الحفل مبدية رغبتها الشديدة بحضوره، ومع عودتهم من السفر وقيام الحفل أجرت مقابلة مع ابنتنا فاطمة حول حفظها للقرآن الكريم وشاركت بالحفل بكل سرور مسلطة الضوء على كفاءات وميزات ابنتنا فاطمة وكأنها ابنتها.

والصور المرفقة مع الشهيد فادي التقطت يوم السبت 3 آذار/ مارس 2018 في حفل تخرجي من الدكتوراه ووداعي للسفر من ماليزيا إلى تركيا، وقد ذكر لي أنه سيزورني في تركيا خلال الفترة القادمة، إلا أن يد الغدر والعدوان من الموساد اغتالته في غربته، حيث استشهد بطلق ناري من قبل مجهولين كانا يترصدانه على دراجة نارية أمام البناية التي كان يسكن فيه، أثناء ذهابه لصلاة الفجر قبيل سفره لتركيا بساعات يوم السبت 21 نيسان/ أبريل 2018م.

وفي الختام 

جارنا الشهيد فادي لقد كنا نعتز بجوارك حيا 

وها نحن اليوم نعتز بجوارك بعد انتقالك للرفيق الأعلى 

فنعرف بأنفسنا بأننا كنا جيران الشهيد فادي

جارنا الشهيد فادي لقد توفي كثير من الشباب ممن هم أصغر سنا منك

فتوفي بعضهم بحادث سيارة وبعضه غرقا وبعضهم مرضا وبعضهم فجأة

وقد اختار الله أن يختم حياتك ويختصك بالشهادة بطريقك لصلاة الفجر 

واختار الله لك الشهادة على يد الغدر والعدوان من الموساد في غربتك 

وما لك ذنب إلا أنك من أهل العلم والمعرفة 

فجمع الله لك خصال الشهادة كلها

جارنا الشهيد فادي تقبل الله شهادتك وجعل مثواك الفردوس الأعلى 

وأجزل المثوبة فيك وجبر المصاب بك فالمصاب فيك كبير 

ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنا في مصابنا واخلف لنا خيرا.