الأستاذ الداعية المربي عبد الرزاق ديار بكرلي(3) وكلمات في رثائه

 

 

أوردت في الحلقة الأولى ترجمة موجزة للأستاذ الراحل الحبيب عبد الرزاق ديار بكرلي، وبعض الكلمات والأشعار التي قيلت في رثائه، وتابعت في الحلقة الثانية إيراد بعض ما وقفت عليه من كلمات في فقيدنا الحبيب، ونتابع في هذه الحلقة أيضا إيراد بعض الكلمات التي كتبها أبناؤه وأقرباؤه، والتي تعبر عن مدى صلته بأبنائه وبناته وأصهاره وأحفاده، وتعطي صورة جديدة لشخصيته المتميزة. 

وأقدم شكري لأبنائه الذين تكرموا بإرسال ما كتبوه عن والدهم، ولصهره الحبيب الأخ محمد خير عويلة الذي استنهض أبناءه للتعبير عن مشاعرهم وتسجيل ذكرياتهم، وأرسل لي جميع ما كتبوه عن جدهم الحبيب رحمه الله تعالى:

ونقتصر في هذه  الحلقة على كتابة بعض الأبناء والأقرباء والبقية في الجزء الرابع 

كتب ابنه الأكبر المهندس محمد علاء ديار بكرلي:

إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا بفراقك يا أبي لمحزونون، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن ندعو الله له بالرحمة والمغفرة، وأن يعيننا الله على بره بعد وفاته وأن يرزقنا الصبر والسلوان على فراقه، فمصابنا جلل وفقدنا عظيم، وإنا إن شاء الله لصابرون ومحتسبون.

لقد عانى رحمه الله مع مرض القلب كثيراً وخاصة في السنة الأخيرة إلا أنه كان صابراً محتسباً لا يشتكي ولا يتذمر بالرغم من الألم والضعف، وفي أقصى ظروف مرضه لم تفارق البسمة وجهه البشوش ولم يتوقف عن مزاحنا ومزاح أمي الغالية ليشعرنا بأنه في أحسن حال حتى نكاد ننسى أننا في المستشفى أو في العناية المركزة، كما أنه رحمه الله كان يتفقد حال كل الأبناء والأحفاد الأهل والأحباب في كل أحواله فهذا ما كان يريحه وينسيه مرضه ، ويحثنا دائماً على التواصل مع أقربائنا والسؤال عنهم وتقديم المعونة والدعاء لهم ، وكان دائماً السباق إلى ذلك.

حرص رحمه الله على تعليمنا أنا وإخوتي العلوم الدينية والدنيوية وغرس فينا الخصال الحميدة من التواضع وحب الخير ولين الجانب وإغاثة الملهوف، وكان يحثنا دائماً على عمل الخير، وكان يذكرنا دائماً بأن أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سروراً تدخله على قلب مسلم، فهذا كان منهجه دائماً.

وكأن الله سهل له أموره كلها في حياته مكافأتاً له عن ذلك في دنياه -وإن شاء الله الأجر الأعظم سيكون عند لقائه- فما وقع رحمه الله في مشكلة أو مرض أو مصاب إلا يسّر الله له الأسباب وأهل الخير ليعينونه في حل مشاكله أو علاجه حتى أننا كنا نتعجب كيف تيسرت هذه الأمور له وكان يقول لنا: إن هذا إلا بفضل ربي.

لطالما أحب رحمه الله اللغة العربية وغرس فينا حبها حتى إنه كانت متعته معنا أن يسألنا عن إعراب الجمل واكتشاف الأخطاء النحوية في اللوحات الدعائية (وما أكثرها) وكان يتذوق الشعر بشغف شديد حتى آخر يوم في حياته، حيث إننا منذ عدة أيام كنّا على مقاعد الانتظار أمام عيادة دكتور القلب وسألني: ما هو الخطأ الإملائي في هذه اللوحة؟ بالرغم مما كان فيه من ألم إلا أنه لم يمر على هذا الخطأ اللغوي مرور الكرام.

كما حرص رحمه الله وغفر له على التخيّر لأخواتي بالأزواج الصالحين ذوي الدين والخلق الحميد والأصل الكريم، فزوّج أختي بتول بأخينا الفاضل محمد خير عويلة ابن الشيخ محمد راجي رحمه الله، وزوّج أختي ميسون بالأخ الكريم عبد الله معراوي ابن الحاج عبد الرحمن حفظه الله وشفاه، ولم يتوفاه الله رحمه الله إلا بعد أن أقرّ عينه بأختي شهد وزوّجها منذ بضعة أشهر بالأخ العزيز إياد سواس، ابن العم الفاضل محمد ناجي سلمه الله. وجميعهم من خيرة الناس خلقاً وديناً وأصلاً، كما أنه تخير لأبنائه الزوجات الصالحات فوفقني الله بزوجتي الغالية بانة كعدان بنت العم الفاضل الكريم عبد القادر حفظه الله وأطال في عمره، ووفق الله أخي مروان بزواجه من الأخت الفاضلة أنفال معراوي بنت الحاج الفاضل عبد الرحمن سلمه الله، وكان غاية مراده أن يفرح بزواج أخي أسامه إلا أن الله لم يقدر له ذلك، ولكن كرم الله عليه أن أفرح قلبه رحمه الله بتخرج أخي من كلية الطب وكانت فرحته يومها لا توصف.

أحبَّ -رحمه الله تعالى- السعودية والسعوديين وأحبوه، حيث إنه تيسر له الهجرة إلى عدة دول خلال مراحل عمره إلا أنه اختار أن يبقى في هذه البلاد الكريمة حباً بها وبشعبها الخيِّر الذي أحبه وآخاه، إلا أن حبه لحلب لم يفارق فؤاده أبداً، وكانت غاية أمنياته أن يعود لها عزيزاً كريماً، وكأن الله لم يكتب له ذلك ليكتبه من المهاجرين في سبيله، ويختم له ذلك مسيرة حياته، حتى إنني سألته ذات يوم: أنك عشت في حلب قرابة العشرين عاماً وعشت هنا قرابة الأربعين عاماً ألم تُنسكَ هذه الأعوام عن تلك؟ فأجابني رحمه الله: ولا حتى يوم واحد.

وكان يتمنى أن يدفن في حلب لو نزل إليها عزيزاً كريماً ووافته المنية فيها أما دون ذلك فكان يتمنى أن يدفن على أرض هذه الديار الكريمة، وكان له ذلك.

المقال يطول فحديثي عن الغالي لا تكفيه بضعة سطور ولا عدة كتب، ولكن المقام لا يسمح.

ولا يسعني أن أقول إلا: طبت حياً، وطبت ميتاً يا أبي، رحمك الله رحمة واسعة وغفر لك، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وجمعنا بكم في الفردوس الأعلى، إنه على كل شيء قدير، وإنا لله وإنا إليه راجعون. 

ونسأل المولى عز وجل أن نبقى على عهدنا معكم، وأن يؤلف بين قلوبنا ونحفظ ترابطنا الأُسَري الذي طالما حرصت على غرسه فينا.

نشكر كل الأخوة والأهل والأحباب الذين شاركونا بعزاء الوالد الغالي رحمه الله بحضورهم الكريم، وبمشاعرهم الصادقة، وكلماتهم الدافئة اللطيفة النابعة من القلب. ونسأل الله لهم الأجر الكامل، وأن يرحم أمواتهم، ويغفر لهم إنه على ذلك قدير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مع ابنه علاء في زيارة له في مكتبه وكتب له: لقد سعدت كثيراً بهذه الزيارة، وفرحت كثيراً، أسعدك الله يا علاء، ووفقك، ويرضى عليك ربي، وعلى أهلك، وعلى أهل بيتك، وعلى جميع أحبابك، يا غالي.

وعلق مروان بن عبد الرزاق ديار بكرلي على كلمة أخيه الكبير محمد علاء: 

أخي الكبير وسيدي، كتبت فأدمعت المقل وحركت المشاعر والشجون، قصصت ما جرى وما كان، وحكيت الحكاية من أولها لمنتهاها بصدق مشاعر وإحسان..

بيّنت يا أخي أن ما خسرناه لم يكن لنا مجرد أب، هو والله قدوة، ومعلم، بل هو تاج لبسناه على رؤوسنا، وفخر نحمله بين جنباتنا... 

رحمك الله يا أبتي، علمتنا مكارم الأخلاق، علمتنا أن نعمل بإخلاص، وأن نسامح بصدق، وأن نصبر على مآلات الحياة بصمت، وأن الابتسامة هي ثلاثة أرباع الحل، وأن الزمن هو جزء من العلاج... 

لم نرتوِ بعد من بحر حنانك، ولم ننهل ما يكفي من واسع معرفتك واطلاعك.. ولكنك ربيت بإذن الله رجالاً على العهد ماضون.. 

أبتي، أسأل الله تعالى أن يجزيك عنا خير ما جزيت به والداً عن أولاده.. رحمك الله، وأسكنك جنات الفردوس، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، يا بابا...

إنا لله وإنا إليه راجعون.

وعلقت ميسون عبد الرزاق دياربكرلي على كلمة أخيها الكبير محمد علاء: 

ما أجمل ما كتبت

وما أصدق ما قلت

يا رب لك الحمد أن رزقتنا بأبٍ كأبي

ويا رب ارحمه وتجاوز عنه، واجمعنا به في جناتك جنات النعيم.

يا رب احفظ والدتي الغالية، ومدها بالصحة والعافية، واجبر كسرها وكسرنا.

واحفظ إخوتي من كل سوء وزد أُلفة قلوبنا واجعلها في طاعتك.

وكتب أصغر أبنائه الدكتور أسامة عبد الرزاق ديار بكرلي هذه الكلمات المعبرة: 

أبي الحبيب:

والله إن القلم ليعجز عن التعبير عما في داخلي من حزن وأسى.

أبي:

لقد كتب كثيرون عنك يا غالي وما زالوا.. وكلما قرأت مقالاً حمدت الله على أنني ابنك. 

وفي نفس الوقت ازددت ألماً على فراقك، يقشعر جسدي، يهتز شيء بداخلي وأشعر بالألم والحزن "أفتقدك يا أبي" 

طيفك حاضر في خاطري في كل مكان من حولي.

أصلي في مسجد الحيِّ الذي طالما عهدت وجودك فيه.. عهدت حضورك.. عهدت انتظارك بعد الصلاة حتى نصعد سوياً في المصعد لتحادثني وتحادث من يصعد معنا بحديثك الطيب ولطفك مع الصغير والكبير حتى وصفك أحد الجيران الأعزاء (بكبير العمارة).

أبي:

يا صاحب القلب الكبير، يا صاحب الوجه النضر، يا تاج الزمان، ياصدر الحنان 

أنت الحبيب الغالي، وأنت الأب المثالي، وأنت الأمير.. لو كان للحب وساما فأنت بالوسام جدير.. 

أبي الحبيب:

كم شجعتني على المثابرة وطلب العلم النافع والحمد لله الذي منّ عليّ بأن حضرت تخرجي من كلية الطب.. ولا أنسى دموع الفرح التي ذرفتها عند سماع خبر التخرج.. وأسأل الله أن يوفقني لمتابعة التخصص لأحقق ماكنت تتمناه يا أبي.

رحمك الله يا غالي، وجعل مثواك في عليين، وتقبلك في الصالحين 

وإن شاء الله سنسير على خطاك أنا وإخوتي.. ولن ننسى ما تعلمناه منك يا أبي 

سائلين الله التوفيق والعون

أسامة بن عبد الرزاق دياربكرلي 2018/1/30

الصورة : الدكتور أسامة مع والده الحبيب 

وكتبت ابنته الكبرى بتول زوجة الأخ محمد خير عويلة هذه الكلمات:

أبي الحبيب الغالي ونور عيني 

رحلت عني في وقت حاجتي لك وأنا أعلم أن حاجتي لك لا تنتهي يا حنون والله إني أشعر أن ظهري قد كٔسر بفراقك وقلبي وعقلي لا يحتمل هذا الخبر. 

حبيبي: في مرة خطفت قلبك عندما ضعت في الحرم المكي وأنا في السنتين من عمري، وحين بحثت عني بخوف ورعب يا حبيبي وأعتذر منك سامحني وجدتني بين الحمام والطيور تطير وتحط من حولي عندما رأيتنا قلتُ لك بفرحة: (كوكوكو)، أعتذر منك يا روحي أني أتعبتك وأخفتك وأزعجتك، لكن يشهد الله أني أحبك وربي يؤجرك فينا.

قصصي والله لا تنتهي ولا أنساها أبدا وكم أحكي لأولادي عنها.

حبيبي: كنت تحب أن تراني في سلك التعليم حاصلة على الشهادات العليا، وقد سعيتُ دائما لذلك جعلها الله في ميزان حسناتك لكن أعدك سيكون ذلك في أحفادك بإذن الله

فقد كنت تقول: أُخذت كلمة جد من التجديد لمسيرة الجد في الأحفاد إن شاء الله. 

أسأل الله أن يجعلنا ويجعلهم خير خلف لخير سلف. سنرفع رأسك أمام الخلائق في الدنيا والآخرة وستكون فخورا بنا إن شاء الله.

ذكرياتك وكلامات وسكناتك وضحكاتك لا يمكن أن أنساها.

والله لقد تركت فراغا كبيرا جدا لي ولعائلتي ربي يجبر قلبنا ومصابنا يا رب.

كنت تذكرني دوما أن شرط صلاح الولد: الدعاء لوالديه. أعدك أني لن أنساك لحظة من دعائي يا غالي يا حبيبي.

حبيبي: من سيستقبلني أنا وزوجي محمد خير عويلة وأبنائي بصدره الرحب وعينيه الجملتين التي كثيرا ما دمعت عند الفراق، وابتسامتك التي لا تفارق قسمات وجهك الجميل، وخيراتك وتجهيزاتك لنا ممَّا لذَّ وطاب من مأكل ومشرب وحلويات وطبخات أعدتها لنا أمي الحنونة جزاكم الله خيرالجزاء.

حبيبي: أنت لم تنسني في تركيا. في العيد أرسلت قبل العيد بفترة، العيدية لي ولأولادي؛ لنفرح فرّحك الله ورزقك من نعيم الجنة 

دخل علينا الشتاء تذكرتنا وحملت همَّنا أرسلت لنا مبالغ من المال لكسوة الشتاء، جزاك الله خيرا يا حياتي وغيرها كثير.. كثير.. كثير..

خمسة وعشرون سنة من زواجي لم أشعر يوما أني قد انفصلت عنك. كنت وما زلت بنتك الطفلة المدللة تحمل همِّي وتفرح لفرحي وتألم لألمي لم تقطع مصروفك عني رغم حاجتك لذلك. 

جمعنا الله بك وبأمي الحبيبة حفظها الله حول حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

ابنتك التي تحبك بعمق:

بتول عبد الرزاق دياربكرلي

وكتبت ابنته الصغرى شهد خريجة الأدب الإنجليزي وزوجة الأستاذ إياد سواس هذه الكلمات:

أبي الغالي والحنون.. سلام عليك يا أبي.. 

سلام الله عليك يا والدي بقدر ما أحببتنا.. 

سلام الله عليك يا والدي بقدر ما رحمتنا.. 

سلام الله عليك يا والدي بقدر ما سترتنا.. 

سلام الله عليك يا والدي بقدر ما أحببناك..

سلام الله عليك يا والدي بقدر ما افتقدناك.. 

سلام الله عليك يا والدي بقدر ما بكيناك.. 

إليك أبي أرسل دعائي ...

وأبكي عندما أتذكر أنك رحلت

أنا واخوتي نشتاق إليك كثيرا 

لم نعترض يوما رحيلك ...لكن هي حاجتنا لوجودك... 

رحلت وودعنا وجهك الطاهر يا أبي للأبد ....

كنت نعم الأب الحنون الكريم.. 

ذكراك الطاهرة موجودة معنا.. 

والله يا غالي لو كان البكاء سيرجعك.. لبكيت دهرا حتى أسترجعك.. 

نم يا والدي قرير العين.. مطمئن النفس.. بلا حد.. ولا انتهاء.. 

فإلى جنات الخلد يا حبيبي يا معلمي ...يا قدوتي.. 

رحـــمــــك الله يا أبي.. أدعو لك في كل ساعة وفي كل لحظة لن أوفيك بعض حقك.. اللهم املأ قبــره بالرضا والنور والفسحة والسرور وارض عنه يا رب.. واجعل قبره روضة من رياض الجنة.. اللهم اجمعنا معه في جنات الخلد.. يا الله يا سميع الدعاء

#شهد_عبد الرزاق

رسالة الأستاذ عبد الرزاق إلى ابنته شهد بمناسبة زواجها من الأخ إياد سواس: 

شهودتي حبيبتي وريحانة بيتي وقلبي:

أودِّعك اليوم وأنت تفارقين البيت الذي ألفته وعشت فيه وأنت تتقلبين بين أحضان العطف والحنان، وسعادة الراحة والمحبة والاطمئنان، وانتقلت إلى القلب (الإيادي) الذي آمل أن يكون لك الذراع الدافئ الذي تركنين إليه، والقلب الذي سيكون لك أكثر محبةً، وأشد حناناً، وأبلغ اطمئناناً، وتمضيان معاً في رحاب الحياة، وتبنيان معاً عشَّ الحياة الزوجية بنعيمها وبهائها ورونقها، آملاً أن يعجَّ بيتكما بالبنين والبنات والذرية الصالحة، وأن يكونوا في رعاية أبوين كريمين عطوفين هما شهدٌ وإيادٌ سلمهما الله من كل سوء أو مكروه، وستكون منكما بإذن الله عائلة تستظل بنور الله وتوفيقه وبركته.

حبيبتي شهد، واللهِ إن لحظة فراقك لهذا البيت الذي منحك أبعاد الحياة والعلم والتربية، وانتقالك إلى حياتك الحالمة الجميلة، هي لديَّ لحظة ممزوجة بعاطفتين إنسانيتين عجيبتين: ففيما أجد نفسي متألماً لفراقك ولصوتك وحسّك، وذهابك وإيابك، وغفوتك واستيقاظك، وطفولتك وشبابك، ولتلبية ندائي كلما احتجت إليك، أجدني في ذات الوقت فرحاً لبلوغك العمر والأهلية لأن تكوني زوجة عطوفة حنونة، وأماً صالحة، وربة بيت كريم، وتحققين السعادة التي كنت تتطلعين إليها، وتصبو إليها كل فتاة مثلك وهي في عمر الزهور. 

حقيقةً هما خافقان يتصارعان في قلبي، إنهما ألم الفراق من ناحية، وفرحة الأمل بالمستقبل البهيج من ناحية، ولا أجد نفسي إلا مودِّعا حبيبة قلبي ومهجتي وروحي بدمعة في عيني وفرحة في قلبي، ولا أجد من مفرٍّ إلا أن استسلم لهذا القدر الذي كتبه الله على كل أنثى وذكَر، فيتكون باجتماعهما أسرة جديدة تسهم في إضفاء لون جديد من ألوان الحياة السعيدة، وعزائي أنك لستِ أول بنت تغادر بيت أهلها ولا أول أب يفارق ابنته، وليست أمك أول أم تفارق حبيبة قلبها، ولا أملك إلا أن أدعو الله لكما (شهد وإياد) من شغاف قلبي ومن أعماق مشاعر الأبوَّة الحانية الصادقة، أن يبارك لكما، ويجمع بينكما على المحبة والخير والتقوى، وأن يوفقكما ربي إلى ما يحب ويرضى، متمنياً لكما من المولى الكريم السعادة والمحبة والرضى والرضوان، ومن المؤكد يا حبيبتي أن كلّ الذي ذكرته لكِ ليس سوى جزءٍ يسيرٍ من المشاعر والأمنيات التي تعتمل في كيان أمك، وفي صدرها، وفي حشاشة قلبها،

وفي الختام ليس إلا أن أذكِّرك بقول الله تبارك وتعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وصلى الله على سيدنا وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

22 / 8/ 2017

وكتب صهره الكريم محمد خير عويلة زوج ابنته الكبرى بتول: 

رحم الله عمي الغالي والد زوجتي وأسكنه فسيح جناته.. 

حزني عليه لا يقل عن حزني حين فقدت والدي فإني كنت أرى فيه روح والدي وهمته وعزمه حتى آخر أيامه رحمه الله.

- عُرف عنه رحمه الله حرصه الشديد على الدعوة إلى الله فممَّا روى لي أنه في شبابه كان يتأخر ليلا في العودة إلى منزله ويتأخر إخوته أيضاً فتلوم والدته تأخر إخوته ولا تلومه، وحين يسألونها تجيب أنها تعرف أنه يذهب في الدعوة إلى الله وجهاد الكلمة والله يحفظه ويسلمه.

- كان رحمه الله له أسلوب قصصي أدبي مميز يروي القصة بهدوء وروية فيمنح السامع المتعة والاندماج.

- كان له مع والدي محمد عويلة ذكريات جميلة حين يزورنا في مكة، يصعد إلى بيت والدي ويقضيان وقتا من ذكريات الشباب والصداقات القديمة وقصة زواجه والقصص التي عاشوها في حلب وخارجها.

- عندما خطبت زوجتي بتول كان لقائي الأول مع خالها هشام جودة رحمه الله في جدة فأعجب خالها بي ولم تزل هي مترددة، ثم طلب مني والدها السفر إلى الرياض لمقابلتي فحكى لي لاحقاً أنه دخل إليها بعد لقائنا فقال لها: إن كنت تريدين رأيي فأنا أحببت هذا الشاب وقبلته. 

- كان رحمه الله هو ووالدي والجيل المكافح يفتحون بيوتهم لجميع السوريين المغتربين عرفوهم أم لم يعرفوهم، يأمنون مأكلهم ومسكنهم حتى تتيسر أمورهم.

- كان حبهم للدعوة ونشر الإسلام يفوق حظوظ نفسهم عُرفوا بإغاثة الملهوف وإصلاح ذات البين والتعاون على البر والتقوى (جعلهم قدوة لنا ولمن حولهم، وأحبهم الله فزرع محبتهم في قلوب الناس. 

تقبلهم الله من عباده الصالحين.

- كان رحمه الله لا يفتأ يذكر سوريا وذكرياته فيها ويحلم بالعودة لها محررة مستقلة والوفاة على أرضها، حتى أنه سئل: لقد أمضيت خارج سوريا أكثر مما أمضيت داخلها أفلم تنسك الأيام ذكرياتك وماضيك؟ فأجاب: ولا يوم واحد!

عمي الغالي رحمك الله..

عشت عزيز النفس طيبا 

ومتَّ عزيز النفس طيبا 

وتبعث عزيز النفس طيبا

( إن شاء الله )

اللهمَّ اجعل ما قدَّمته للإسلام والمسلمين حُجَّه لك يوم القيامة.

زوج بنتك بتول: محمد خير محمد عويلة

وكتب صهر الفقيد الأستاذ عبد الله بن عبد الرحمن معراوي هذه الكلمات:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: ((وَبَشِّرِ الصَابِرِينَ الذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَا لِلهِ وَإِنَا إِلَيهِ رَاجِعُون *َ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صِلَوَاتٌ مِنْ رَبِهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئكَ هُمُ المُهْتَدُونَ)) صدق الله العظيم.

رحم الله العم الفاضل عبد الرزاق دياربكرلي الداعية المعطاء، رحم الله ضحكةً لاتُنسى، وبسمةً لا تغيب عن البال، رحم الله وجهاً كان يشعُ طيبةً وفرحاً وأملاً وبشاشةً مهما صعُبت عليه الظروف، فقد كان رحمه الله مثالاً للرضا والتسليم في كافة مراحل حياته رغم معاناته الغربة والمرض. 

والله لقد خسرنا هامةً كبيرةً في عائلتنا ومجتمعنا وعالمنا الإسلامي. فقد تعلمنا منه الكثير من الأمور التربوية والدعوية المميزة، واقتبسنا منه الهِمة العالية وحب العلم وحسن الضيافة وبشاشة الوجه. 

كان رحمه الله مناضلاً غيوراً لقضايا الإسلام والأمة والدعوة عموماً، فقد أفنى حياته يعمل لأجلها. وإني أسأل الله العلي القدير أن يتقبلها منه ويجعلها في ميزان حسناته.

تعجز الكلمات عن التعبير عن حياة هذا الرجل المعطاء، فقد كان مميزاً جداً عمن لقيتهم في حياتي، وإنني تشرفتُ بأن أكون فرداً من أفراد أسرته الكريمة، وأسأل الله عز وجل أن يتغمد روحه بالرحمة والمغفرة والعتق من النار.

الرياض 14/5/1439

30/1/2018

وكتبت حفيدته الأولى حبيبة بنت محمد خير عويلة، زوجة الأخ الفاضل الشيخ عمر البيانوني: 

جدي العزيز: 

سردي لبعض ذكرياتي معك لا تعني أنها كلها.. فما بقي في القلب ولا تسعفه الذاكرة أكثر بكثير.. 

كنا ننتظر زيارته لنا من عيد لآخر حتى نطلعه على ما كتبنا فكان يقرأها بتمعن وتركيز رغم بساطتها وعفويتها ويصحح لنا الأخطاء الإملائية واللغوية ثم يشجعنا ويعدنا بطباعة القصص لنا وتغليفها على حسابه.

كان يطلب منَّا كتابة كلمات تحتوي على الهمزات حتى يصححها لنا ويدربنا عليها.

لكن نقطة التحول في حياتي الأدبية كانت في عمر السابعة عشر حين كتبت أول خاطرة للثورة السورية عام ٢٠١١ وكانت بعنوان (عنقودي الضائع) فقرأها وتأثر بها، وقال لي: أنت تملكين ملَكة الكتابة، يجب أن تطوريها فتكتبي دائما وتعرضي عليَّ.. 

من وقتها والله فتح لي أبواباً لا أعلمها فأحببت الأدب وقرأت فيه وفي الشعر، وكان يقرأ ما أكتبه باستمرار ويصحح لي.

صدقاً كنت أعتبر مراجعته لما كتبت كالختم الأخضر لا أعرضها على أحد من بعده.

بعد زواجي انشغلت عن الكتابة فلامني ونبهني ألا تنسيني الحياة هوايتي وطموحي.

فرح جداً حين تخصصت قسم اللغة العربية ولم يعلم أنه كان مشجعي الأول بحبه وإيمانه بها وبأهميتها.

آخر مكالمة لي معه كانت من شهر ففاجأني أنه يتابع ما أقوم بنشره على مواقع التواصل في الفيس بوك أو التويتر رغم مرضه وانشغاله، وقال: لقد تطور أسلوبك جداً فأصبحت لا أصدق أنك أنت من كتب، وأحسبك ناقلة للمواضيع.. 

حتى تصحيحه لكتاباتي كان بأرق وألطف أسلوب:

آخر رسالة صحح لي فيها مقالاً كتب في تاريخ ١٨/٧/٢٠١٧

" حفيدتي الغالية، مقالك تربوي وبديع حقاً، وإن تصويب بعض عباراتك لا أقصد منه تتبع الأخطاء التي قد ترد في كتاباتك الجميلة حقاً، ولكنني أريد لك الكمال، ولاسيما كونك متخصصة في اللغة العربية، أليس كذلك يا حبيبة الحبوبة؟

جدك الذي لا ينساك

أبو علاء"

فشكرته بشدة وذكرت له أن له الفضل فيما أكتبه اليوم وغداً وإلى أن يشاء الله. فكان جوابه رحمه الله:

"شكراً على عباراتك الرقيقة، فسيروا إلى الأمام إلى الأمام ونحن من ورائكم، وعندما تصبحين كاتبة مرموقة يشار إليها بالبنان أرفع رأسي وأقول لهم: هذه حفيدتي ذات الإبداع والبيان، وليس ذلك ببعيد عنك بل هو أقرب إليك من حبل الوريد."

رحمك الله يا جدي بقدر ما أثرت فينا يا صاحب البسمة الحنون والدمعة الرقراقة، رحمك الله يا من كنت تقبِّل جبيننا حباً وعطفاً واحتواءً..

رحمك الله يا من حملت على عاتقك هم الدعوة والإنجاز فما رأيتك في حياتي جالساً دون هدف أو عمل. 

جمعنا الله بك في جنات النعيم.

حبيبة محمد خير عويلة

٣١/١/٢٠١٨

وكتبت حفيدته الثانية زهراء بنت محمد خير عويلة، ابنة بنته الكبرى بتول:

هل سيمضي يوم من دون أن تدعي لي في صلاتك يا جدي؟ هل سأصبح انا التي لن يمرّ يوم عليّ دون أن ادعي لك لأنك توفيت؟ كنتَ متحمساً ومتلهفاً جداً لأجلي كنتَ تنتظر مني أن أجتاز امتحان اللغة وأبدأ دراستي في قسمي بفارغ الصبر.. كنت تسأل أمي عني في كل اتصال.. وكنت تدعو لي كل ليلة وأنا كنت أشعر بذلك جيداً.. نجحتُ يا جدي في الامتحان بأعجوبة، بأعجوبة دعواتك لي.. فكيف لي أن استمرّ بعد أن انطفئ النور الذي كان يُضيء دربي؟ اتذْكُر عندما تحدثتُ معك قبل امتحاني بيوم؟ كلماتك التي قلتها لي مازالت تأتي على مسامعي كلما يئست، قلتَ لي: "شوفي يا بنتي أنت اجتهدت وتعبت والباقي على الله اكل ما يقدره بعد ذلك فيه الخير منه، فلا تخافي وشدي همتك وارفعي لنا رأسنا".. سأرفع رأسكم يا جدي بإذن الله، سأفتخر دوماً بقولي انا حفيدة عبد الرزاق دياربكرلي، سأهب كُل نجاحاتي لك وعندما أتخرّج سوف أتطوّع واجعل كل عمل خيري أعمله صدقة على روحك الطاهرة..

جدي، أنا الآن أكتب هذا النص ولا أعلم عن كمية الاخطاء الإملائية التي فيه. ولا أعلم من سيقوم بتنقيحه وتصحيحه من بعدك.. ولا أعلم من سيعطي رأيه عمّا أكتب بكل صدق وحب غيرك.. 

أتذكُر كلما اجتمعنا على سفرة الطعام كنت تروي لنا قصصك اللطيفة الطريفة باللغة العربية وتنهيها بحوارٍ حول إعراب كلمةٍ ما؟ أتذكُر كلما جئنا لزيارتكم كنتَ تستيقظ فجراً باكراً قبلنا جميعاً وتشتري "فول وتميس" وتقوم بتحضيره بنفسك بنكهتك الخاصة خصيصاً لنا؟ مازالت نكهته في فمي لا تزول ولا أعتقد أن أجد يوماً ما من يطهوها مثلك.. أتذكُر أنك كلما أكلنا سوياً طعام يحتوي على الدجاج كنت تستخرج من بين أضلع الدجاجة قطعة صغيرة مميزة لا أعلم ما ميزتها بقدر علمي بأنك كنت تستخرجها خصيصاً لنا لتفرحنا وتقول: "حزروا لمين هي؟" فنتسابق نحن على طلبها ليحظى واحد منّا بتلك القطعة من الدجاج ليأكلها من يديك الطيبتين.. لا أعلم كيف سيجرؤ قلبي على تناول تلك القطعة كلما رأيتها بعد الآن.. جدي الحنون، أتذكُر أنك وعدتني وأنا صغيرة بطباعة قصصي ونشرها؟ كنت وما زلت أحلم بذلك الحلم، ولا أعتقد أنه سيحققه لي أحدٌ بعدك.. ربما لستُ بارعةً باللغة العربية والنحو والصرف، ولكنني أملك ذلك الحس الأدبي الذي توارثته منك..

جدي الغالي، سأكتب لك وسأرفع رأسك وسأدعو لك ولكنك لا تراني ولا تسمعني وأعلم أنك لن تقرأ كلماتي هذه.. ولكنني أرجو من الله أن تشعر بدعواتي تصل إليك رغم آلاف الكيلومترات التي بيننا. نحن هنا وحيدون ولسنا وسط زحام العزاء الذي يحصل في منزلك. ولكننا أقمنا عزاءً لك هنا.. على أقل تقدير أقمتُ انا لك عزاءً في قلبي وعلى سجادتي.. رحمك الله وأحسن إليك وجعل مثواك الجنة.

حفيدتك: زهراء محمد خير عويلة.. 22/1/2018

وحفيدته زهراء تدرس في جامعة أولوداغ في بورصة، في تخصص علم الوراثة والبيولوجيا الجزيئية 

وهي من مواليد 1997.

الحلقة السابقة هـــنا