قبسات من سيرة الوالد محمد زين العابدين جذبة رحمه الله تعالى

 

ارتفع شأن الصحابة رضي الله عنهم ، لأنهم طبقوا الإسلام على أنفسهم سلوكاً وعملاً ومنهجاً ، بقي ذكرهم خالداً ، لأنهم أدوّا الأمانة بمالهم ودمائهم وبسنوات أعمارهم .

 

 أراد الوالد - رحمة الله –أن يهتدي بهدي رسول الله وسعى إلى ذلك ، حتى يفوز بمحبة الله ورسوله ، وكان ينظر إلى أصحاب رسول الله نظرة المقتدي بالنور المشع إلى القلب .

- علماء الدين هم الهداة في هذا العصر، هم القدوة في مجتمعهم، ويستطيع المرء أن يعطي أمثلة لا حصر لها عن علماء كانوا منارات هدى في بحر الحياة المتموج ، واستطاعوا بفضل من الله وتوفيقه أن ينشروا أشرعة الهداية في أرض الله :{ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى .. والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيراً مرداً }. [ مريم: 76]

- وقد وضّح الله أثر العلماء في مجتمعهم ، فهم أكثر خشية لله ، معرفتهم بآيات الله و معجزاته ومخلوقاته ، تجعلهم أكثر قرباً من الله { إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28 ] ، وقرن الله شهادته بوحدانيته وقيامه بالعدل بشهادة الملائكة وأيضاً بشهادة أولي العلم: { شهد الله أنه لا إله ألا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [آل عمران ].

 وقد سأل الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك أحد العارفين بالله يا أبا حازم .. مالنا نكره الموت ؟ فقال له : لأنكم خربتم آخرتكم ، وعمرتم دنياكم ، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب .

- وقفت على حافة الحياة ، أتطلع إلى الوديان التي تتراءى أمامي ، فيرتدّ يصري من شدة ظلمتها ، الظلام يثير في النفس الحذر والخوف والأمل ، ألتفتُ من حولي فهدأت نفسي حين رأت شمعات ضياء مزروعة في الأفق ، أوقدها علماء من حلب ، أحبهُم وأقدرهم ولهم فضل كبير في الدعوة والإرشاد لأبناء مدينتهم ، حط قلبي رحاله عند شمعة والدي - رحمه الله – أستنير بنورها ، وأستضيئ بأشعتها .

- ألتقي في طرق الحياة مع تلاميذ لوالدي ، وقد أصبحوا رجالاً ، لهم دورٌ في مجتمعهم يترحمون على والدي ويذكرونه بكلام طيب ، أسمع منهم ذكريات تفوح عطراً ، وألتقي مع رجال جلسوا في المساجد يستمعون لدروس الوالد في سنوات طويلة ، وأسمع ألسنتهم تنطلق بالدعاء إلى الله أن يرحم شيخهم .

- كل عمل حتى يثمر لابد له من الإخلاص. والدعوة إلى الله لابد لها من الإخلاص مع الله ، حتى يؤثر العالم مع مريديه يجب أن يشعرهم بإخلاصه بعمله ويأخذ بأيديهم حتى يقتربوا من طاعة الله: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا }[مريم :96 ] .

كان الوالد – رحمه الله – يحضّر دروسه ، وكل درس يلقيه يرجع إلى كتب كثيرة حتى يلمَّ بجزئيات الموضوع ، وقد يكون هذا الدرس قد درسه مئات المرات، ويشعر الوالد أن التقيد بزمن الدرس هو من الإخلاص .

- خلال عمله الديني كان يحضر إلى المسجد مبكرًا، يجلس أمام المحراب أو أمام المنبر يوم الجمعة يسعى لإرشاد المصلين إلى الحضور المبكر إلى المسجد ، ويسعى لتوضيح صورة الإمام أو الخطيب وأنه قائد، فيجب أن يكون في المقدمة ،والقائد في المسجد خاشع متعبد ذاكر ربه.{وربك يعلم ماتكن صدورهم وما يعلنون} [القصص: 59 ].

- كان الوالد يردّد مقالة شيوخه أن العالم يؤثِّر بتلاميذه ومريديه بحاله لا بمقاله، فالناس يتأثرون بسلوك العالم ،وأروع صور العالم عزوفه عن الدنيا، والبعد عن الأضواء، والسعي إلى أصحاب الجاه والمال .

 

هذه الصور كان يحرص عليها الوالد { يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم} [ الشعراء: 88-89].

 

عالم الدين ،رجل رباني ، يحمل في قلبه قنديل هداية إخوانه المسلمين .

- كان الوالد – رحمه الله – يسعى في سلوكه وتطبيقه للإسلام إلى منهج الوسطية ، كان يردد: خير الأمور أوسطها .

 

كان بعيدا عن الغلو والتطرف في فهمه للإسلام ، وكان يجيب من يستفتيه بأيسر الأحكام ويردد قول رسول الله: ( يسروا ولا تعسروا ، بشروا ولا تنفروا )، ويذكر لتلاميذه دائماً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) . وكان يبغض الاستهانة بأمور الدين، والتحلل من شرع الله، والسير وراء هوى النفس .

- كانت علاقته مع تلامذته ومريديه علاقة أبوية فبها الحب والمودة ، يسأل عن أعمالهم وعن أسرهم ، ويتابع أخبارهم، ويستفسر عنها ، ويبدي لهم الملاحظة والاهتمام ، ويشجع طلابه على متابعة التحصيل العلمي وملازمة القراءة .

- ساعات طويلة في يومه يقرأ القرآن الكريم والحديث النبوي، ويردد أوراده وأذكاره ، كان دعاؤه لربه بصوت خافت حزين فأدب مناجاة الله يكون بلسان قلبي: {ادعوا ربكم تضرعاً وخُفية} . [الأعراف :157 ].

- كانت علاقته مع علماء بلده ، علاقه طيبه فيها المحبة والمودة، وكان على صلة مثمرة بهم، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً .

 

 وقد قال شوقي :                                                                                               

وإذا أراد الله إشقاء القرى                   جعل الهداة بها دعاة شقاق

- هذه الصور طفت على سطح الذاكرة ، وأنا أرقب سفينة الحياة ، وقد تحرك بها علماء دين ومصلحون ، وأرى حشوداً من الناس ، تتلهف لمعرفة دينها .

- رحم الله العلماء والعاملين المخلصين، وأسكنهم فسيح جّناته إنه على ما يشاء قدير .