الشيخ أحمد بن السيد محمد قباني الحلبي

أحمد قباني

1335 ـ 1437 هـ

1917 ـ 2015 م

 

عالم، حافظ، صوفي، معمر، من أهل التقى والصلاح.

ولد الشيخ المترجم في مدينة حلب، سنة: خمس وثلاثين وثلاثمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة، الموافقة لعام: سبعة عشر وتسعمئة وألف للميلاد( ) في حي من أحياء حلب القديمة، وتلقى تعليمه الأولي في أحد كتاتيب الحي، فأتقن فيه تلاوة القرآن الكريم، وحفظ بعض المتون في العربية والفقه على شيخه في الكتاب، ثم انتسب إلى المدرسة (الخسرويه)، والتقى فيها جلَّ أساتذته وشيوخه، فأخذ عنهم علومه الشرعية والعربية، فدرس التلاوة والتجويد ومبادئ علوم القرآن، على شيخيه الشيخ محمد نور المصري، والشيخ المقرئ محمد التيجي المدني، وأخذ علوم التفسير على شيخيه الشيخ أحمد الشمّاع، والشيخ محمد سعيد الإدلبي، ودرس الفقه وأصوله على شيخيه الشيخ أحمد بن محمد الزرقا، والشيخ أحمد الكردي، أما علوم التوحيد والمنطق وعلوم الكلام، فقد أخذها على شيخيه الشيخ فيض الله الأيوبي، والشيخ محمد الحنيفي، وقرأ علم الفرائض على فرائضي حلب في عصره الشيخ عبد الله المعطي، وأخذ علوم الحديث الشريف ومصطلحه على شيوخه: الشيخ محمد كامل الهبراوي، والشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ حسين الأورفلي، وأخذ علم التربية والأخلاق على شيخه الشيخ عيسى البيانوني، أما علوم العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وآدابها، فقد درسها على علمائها الكبار وقتئذ، أمثال: الشيخ محمد الناشد (الزمخشري الصغير) والشيخ محمد أسعد العبجي، والشيخ أحمد الكردي( )، كما حصَّل الشيخ في المدرسة (الخسروية) على بعض العلوم الكونية كالرياضيات والجغرافيا والتاريخ والعلوم العامة، وكأن الشيخ المترجم لم يتابع دراسته في المدرسة الخسروية حتى يتخرج فيها فقد بحثت عنه في سجلات المدرسة الخسروية بين المتخرجين فيها، فلم اجد اسمه بين المتخرجين، ولعل من لديه علم بذلك يوافيني به.

لم يكتف الشيخ المترجم بما حصل من العلوم في المدرسة الخسروية، بل راح يحضر حلقات شيوخة في المساجد، ليزداد من علومهم، ولعل أشهر شيوخه الذين أخذ عنهم وتفقه بهم: الشيخ محمد نجيب سراج الدين، والشيخ محمد سلقيني، والشيخ سعيد الإدلبي، والشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ عبد الجواد بوادقجي، وقد أخذ عنهم علوم الحديث الشريف والفقه والتفسير والعلوم العربية، وقد أجازه الشيخ محمد نجيب سراج الدين بكل مروياته، كما حصل من الشيخ محمد راغب الطباخ على إجازة عامة، تعدّ من أهم إجازاته وأوسعها، وقد أثبتها شيخه في نهاية كتابه المسمى: (الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية)، ومما جاء فيها (وقد أجزته بجميع ما يجوز لي روايته من مقروء ومسموع، وبما أجزت به، وذلك بالشرط المعتبر عند أهل الحديث والأثر)( ).

وقد صحب الشيخ المترجم كبار علماء عصره في مدينة حلب، أمثال: الشيخ المحدث عبد الله سراج الدين، والشيخ محمد النبهان، والشيخ محمد أديب حسون، والشيخ فؤاد صباهي، والشيخ فؤاد طباخ، وغيرهم من علماء حلب، وكان شيخنا الشيخ عبد الله سراج الدين يوصي طلابه ومريديه بطلب الدعاء منه، كما صحب الشيح أبا النصر خلف الحمصي، وأخذ عنه الطريقة (النقشبندية)، وأذن له شيخه بأورادها وأذكارها.

حفظ الشيخ المترجم القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، وبقى يتدارسه مع إخوانه وطلابه إلى آخر عمره، فترسخ القرآن في ذهنه، لاتغيب عنه آية من آياته أوكلمة من كلماته، وربما نسي الشيخ المترجم اسم أحد طلابه، الذين يلازمونه ويقرؤن القرآن عليه، ويأخذون عنه العلم، ولكن لا تغيب عنه آية من آيات القرآن الكريم، أو كلمة من كلماته،  فإذا سمع أحد طلابه يخطئ في تلاوة آية من كتاب الله، أسرع إلى تنبيهه، وصحح له الخطأ مشيراً إلى موضع الآية في القرآن الكريم.

أمضى الشيخ المترجم حياته في خدمة القرآن الكريم، ونشر العلم، وإفادة الطلاب، فقد ظل أكثر من ستين سنة إماماً في (جامع الإبن)، في محلة (أقيول) فكثر طلابه ولآخذون عنه، من طلبة العلم، ومن عامة الناس، وقد أجاز عدداً من طلابه بما أجيز به من قبل شيوخه، وممن أجازهم الشيخ المترجم الشيخ محمد عدنان غشيم الحلبي، والشيخ يحيى الغوثاني الدمشقي، والشيخ أبو النصر العطار الحلبي، والشيخ عبد الرحمن الحلو البيروتي، وغيرهم.

جميل الطلعة، منور الشيبة، دائم الذكر وتلاوة القرآن الكريم، كريم، متواضع، تعلو محياه الهيبة والجلال، مع تواضع جم،  يقوم للصغير والكبير، مجلسه مجلس العلماء الصالحين، منزه عن اللغو أو الغيبة والنمية، وكلامه كلام الأبرار المتقين، يغلب غليه ذكر الله وتلاوة القرآن الكريم، يعاهد جلساءه على أن يأخذ الناجي منهما بيد أخيه يوم القيامة.

ظل المترجم على سلوكه وأخلاقه هذه، إلى أن وافته المنية في حلب، يوم الأربعاء،الواقع في الرابع عشر من شهر صفر، سنة: سبع وثلاثين وأربعمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة، الموافق للخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني، عام: خمسة عشر وألفين للميلاد، وحزن عليه أهله وطلابه، ودفن في مدينة حلب.