فضيلة الشيخ محمد موفق المرابع حفظه الله تعالى ورعاه.


 

بلاد الشام بلاد مباركة عُرِف علماؤها بجمعهم بين متانة العلم والعمل به، مع الذوق الصحيح والروح الطاهرة والنفوس المهذبة المتواضعة، فجمعوا بذلك بين الشريعة والحقيقة، وفي هذه البيئة عاش شيخنا الشيخ محمد موفق بن علي المرابع الذي ولد عام (1954م) في دمشق الشام في عش العلماء والأولياء (حي القيمرية القريب من حي العمارة) هذا الحي الذي كان عامراً بأهل العلم والصلاح كالسيد محمد مكي الكتاني، والشيخ محمد سعيد الحمزاوي نقيب الأشراف، والشيخ محمد صالح الحموي، وغيرهم ومن قبلهم الأمير عبد القادر الجزائري.

ولد شيخنا من أبوين صالحين، ودرس الابتدائية والإعدادية في المدارس الحكومية بحي العمارة في دمشق، ثم انقطع عن العلم ثم هيأ الله له رجلاً يحدثنا شيخنا عنه فيقول: «هو من شجعني على طلب العلم وهو سبب رجوعي إلى طريق العلم»، حيث كان يدرسه بعض المواد لينال الشهادة الإعدادية، ثم تعرف الشيخ محمد موفق المرابع على العارف بالله تعالى الشيخ محمد صالح الحموي الذي كان له أثر كبير في حياته، فلازمه وانتفع به وتربى على يديه حتى تخرج به.
وكان شيخه الشيخ محمد صالح الحموي لا يدفع أو يأمر أحداً من طلابه بسلوك طريق العلم أو التفرغ له، بل كان يحض على العلم ويشجع عليه حتى إذا ما غُرِس حب العلم والشغف به في نفوس طلابه واستأذنوه في ذلك بارك لهم خيارهم وزاد من تشجعيهم ورِفْع همتهم والدعاء لهم، وكان الشيخ محمد صالح الحموي يدفع بطلابه ومريديه إلى تلاميذ شيخه الشيخ محمد صالح الفرفور في معهد الفتح الإسلامي؛ لثقته بعلمهم، وكان كثيراً ما يردد: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم».

فالتحق الشيخ محمد موفق المرابع بمعهد الفتح الإسلامي عام (1973م) وتخرج به سنة (1979م) وكانت مدة الدراسة في المعهد ست سنوات، قرأ خلالها التفسير والحديث والتوحيد والفقه الحنفي وأصوله والتصوف وعلوم اللغة العربية وغيرها من علوم الآلة على يد العلامة صاحب النهضة الكبيرة الشيخ محمد صالح الفرفور وكبار تلاميذه كالشيخ عبد الرزاق الحلبي، والشيخ محمد أديب الكلاس، والشيخ إبراهيم اليعقوبي، والشيخ سهيل الزبيبي، والشيخ موفق النشوقاتي، والشيخ أحمد رمضان، والشيخ أحمد قتابي الشهير بأبي حامد، والشيخ نور الدين خزنه كاتبي، كما قرأ القرآن كاملاً على الشيخ سهيل الزبيبي.
وكانت آنذاك اتفاقية بين معهد الفتح الإسلامي وبين جامعة الأزهر الشريف، وهي أن خريج معهد الفتح يدرس في السنة الرابعة في جامعة الأزهر مباشرة، غير أن الظروف السياسية آنذاك حالت بين شيخنا ومتابعة دراسته في الأزهر الشريف، غير أن مِن تواضع شيخنا للعلم عاد إلى الأزهر- بعد أن أصبح له مئات التلاميذ الذين درسوا على يديه وتخرجوا به- عام (2000م) ونال شهادة الإجازة منها.
وكل ذلك مع ملازمته لشيخه الولي الصالح محمد صالح الحموي، الذي كان له كبير أثر في حياته ونفسه وروحه، وأجازه إجازة عامة وجعله خليفة له، وكان محط أنظار شيخه، فنال من بركته ودعائه وحاله وقاله ما لم يحظ به أحد من أولاد شيخه، كما زوَّجه ابنته وأرسله أثناء طلبه للعلم في معهد الفتح الإسلامي إلى بلدة الهامة في ريف دمشق، داعياً إلى الله عز وجل بها، فكان محل ثقة شيخه، حيث إن الأرياف والقرى تعيش فقراً وجدباً في العلم، ولا تجد من أبنائها من يقوم بمهمة الدعوة والتعليم فيها إلا القليل، غير أن هذه البلدة بجهود شيخنا أصبحت تصدِّر الأئمة والخطباء والدعاة إلى القرى المجاورة، وكثر فيها حفظة القرآن، وانتشرت فيها مجالس العلم.
وكان الشيخ يوكل إليه إقامة المجلس أثناء غيابه في الحج مع الإمامة والخطابة والتدريس في مسجده ولم يوكل بذلك لغيره
وقبل وفاة شيخه الشيخ محمد صالح الحموي بثلاث سنوات، أوكل إليه الشيخ دروسه العامة فكان يلقي الدروس في حياة شيخه ووجوده في التربية والتزكية والسلوك والدعوة إلى الله سبحانه، وبعد وفاة شيخه قام بخدمة تلاميذ شيخه وتعليمهم وتربيتهم بالطريق الذي كان يسير عليه شيخه الشيخ محمد صالح الحموي، والذي قال فيه يوماً فقيه الشام الشيخ عبد الرزاق الحلبي: «الشيخ صالح وليٌّ».
وكل ذلك دون تفرغ الشيخ محمد موفق المرابع لهذا العمل الإسلامي، حيث إنه عين في أواسط ثمانينات القرن الماضي إدارياً ومدرسا في معهد الفتح الإسلامي وترقى إلى أن أصبح معاون المدير وبقي فيه إلى سنة (2013م) حيث اضطر إلى مغادرة دمشق فأقام في اسطنبول مدرساً ومربياً ومعلماً في مساجدها ومعاهدها وفي منزله أيضاً.
نال شيخنا الإجازة العلمية من العديد من شيوخه وغيرهم من علماء العالم الإسلامي ومسنديه منهم: الشيخ أحمد نصيب المحاميد والشيخ سليم الحمامي- تلميذَي محدث الشام الشيخ بدر الدين الحسني- والشيخ عبد الرزاق الحلبي، والشيخ أديب الكلاس، والشيخ كريم راجح شيخ قراء الشام، والشيخ محمد أمين سراج، والمسند محمد تيسير المخزومي، والشيخ سعد الدين مراد.
مناقبه:
العلماء الربانيون يبتعدون عن الأضواء والشهرة، يدعون إلى الله عز وجل بصمت بحالهم وقالهم، وهذا ما تربى عليه شيخنا الموفق، وهذا الطريق الذي سلكه في دعوته وتعليمه.
عُرِف شيخنا بلطفه وبشاشة وجهه وحُسن خلقه وطيب معشره، وهو صاحب فكاهة دون أن يؤذي أحداً بفكاهته، تراه دائم الحرص على أن لا يقول كلاماً يسيء به إلى أحد حتى الذين يظلمونه ويجورون عليه.
وهو آية في التواضع ينسب الفضل لأهله ولا يرى نفسه على شيء، يستمع للمتحدث سواء أكان كبيراً أم صغيراً، وينسب العلم إلى قائله وإن كان دونه في السن والعلم، يستمع إلى أهل العلم وطلاب العلم جميعهم دون تكبر أو استعلاء، ويرى نفسه أقلهم علماً، لا يفتي في شيء لا يجد فيه نصاً لأهل العلم الأثبات من المحققين، ولا يخرج عما اتفق عليه الفقهاء من المذاهب الأربعة.
استشهد ولده فصبر واحتسب، صاحب شدة في الله لا يخاف به لومة لائم، يلازم السنن ويدعو إليها ويحذر من أصحاب البدع المتتبعين للأقوال الشاذة الذين يخالفون ما عليه سلف الأمة وخلفها.
برع شيخنا في الأحوال الشخصية والمواريث على المذهب الحنفي، وخاصة كتاب شرح السراجية للشريف الجُرجاني الذي درَّسه أكثر من عشرين مرة، لا يرد سائلاً ولا طالب علم طرق بابه.
حفظه الله وأمتع بحياته فهو لايزال موئلاً لطلاب العلم مربياً ومرشداً ودالاً على الله بحاله وقاله.

كتبه تلميذه/ مسلَّم طيبة
خريج كلية الشريعة بجامعة دمشق