شهيد الفجر ( الشيخ أبو سعيد الديبو)

كنت قد بدأت بكتابة سيرة مختصرة للشيخ أبي سعيد كنت أرجو أن أكملها ولكن ظروفاً كثيرة حالت بيني وبين إتمامها ، فرأيت أن أنشر ما جمعته الآن وما كتبته على أن أتابع الكتابة في جوانب أخرى من حياته في أوقات لاحقة، ولعل الأيام القادمة تكشف لنا اليد الغادرة التي اغتالته:

الشيخ أبو سعيد محمد الديبو:

الصورة الأولى للشيخ أبي سعيد في مخيلتي: شيخ مهيب قارب الأربعين من عمره يمسك كتابه بيديه، ويشغل جل وقته في قراءة القرآن والاجتهاد بحفظه ودراسة كتب الفقه والحديث والأصول والتفسير، لحيته البيضاء تملأ وجهه، طلته تفيض بالهيبة والوقار، كلماته تفيض بالإيمان والهداية، ونظراته تنبئ عما في قلبه من حماس وغيرة على الدين، حركاته تنسجم مع حماسه وحرقته، سكناته توحي ببعد النظر وعمق الأثر، إنها الصورة الأولى التي ارتسمت في مخيلتي للشيخ أبو سعيد شهيد الفجر الذي ارتقت روحه الطاهرة إلى بارئها غدراً وهو في طريقه إلى صلاة الفجر ليصلي بالناس إماماً في المسجد الحميدي (الكبير ) في منبج وذلك صباح يوم الخميس في الثامن من شوال 1434هـ الموافق لـ 15/8/2013.

 ما كنت أظن أنني في يوم من الأيام سأكتب عنه، ولا أظن أنني اليوم قادر على أن أترجم له أو أوفيه حقه جزاء ما قدمه من جهد علمي ودعوي، ولكن سأحاول أن أسجل بعض الملامح العامة عن حياته وشخصيته ومواقف مؤثرة في حياته اطلعت عليها بحكم علاقتي القريبة منه، فكثير من الإخوة الذين كانوا يلقوني أثناء حياته يسألونني عن الشيخ وعن أخباره وهم يظنون أنه والدي، وكان بعضهم يقدم لي العزاء بعد وفاته على أنني ابن له، وحقيقة العلاقة بيني وبينه أنه ابن عمي إلا أنني بفقده فقدت أبي بعد أبي، فقدت سنداً قوياً كنت ألتجئ إليه في المواقف الصعبة والحالات الشديدة، فقدت الشيخ المحبب والأخ الشفوق والعالم الجليل والرجل الجريء والصاحب النصوح والداعية المؤثر والعابد الزاهد، فقد كان لوفاته أثر في نفسي لم أستطع أن أصفه أو أعبر عنه، بل عجزت عن رثائه وكلما أردت أن أتكلم عنه في مجلس غلبتني العبرة فألجمتني عن الكلام، فكثير من المواقف والصفات تتراءى أمام عيني، وكثير من الكلمات والمعاني تتداعى أمام مخيلتي، وهي حالة وجدانية نفسية تشكلت من شريط متصل من الذكريات ومجموعة واسعة من المواقف تتزاحم أمام مرآة الفكر والقلب فتعطل حركة اللسان، وقد عبَّر عن تلك الحالة أحمد شوقي عندما سئل عن تأخره في رثاء والده فقال:

  • سألوني لم َلمْ أرثي أبي ورثاء الأب دين أي دين

  • أيها اللوام ما أظلمكم أين لي العقل الذي يسعدُ أينْ

  • يا أبي ما أنت في ذا أول كل نفس للمنايا فرض عين

  • هلكت قبلك ناس وقرى ونعى الناعون خير الثقلين

فأحمد شوقي أمير الشعراء وصاحب البلاغة والبيان يعجز عن رثاء والده ، لأنه لا يجد قلباً يسعفه في تحمل أعباء الرثاء ولا يملك جلدا ًوصبراً على وصف والده ويعجز عن انتقاء الكلمات والعبارات التي توفيه حقه، وهذا هو الحال الذي تملكني ابتداء عندما أخبرت باستشهاده.

ففي اليوم الذي استشهد فيه الشيخ أخبرت عن طريق الهاتف بعد أذان الفجر بقليل بأنَّ هناك يداً غادرة اغتالت الشيخ فبادرت مسرعاً إلى المشفى الوطني في منبج وأنا أتحسس مواضع أعضائي لعلني أعيش حلماً أو لعل الخبر الذي وصلني ضرب من التهويل، وكانت الصدمة الأولى عندما وصلت لمدخل المشفى وأحد الشباب الذين أعرفهم يخرج فقلتُ له مؤملاً : هل أصيب الشيخ بأذى، فقال أي أذى تتكلم عنه لقد قتل، فلم أرد أن أصدق ذلك فأسرعت إلى الغرفة التي وضع فيها فرأيته مسجى على السرير والدم يسيل من جبهته على لحيته ليصبغ الشيب الأبيض بلون الدم الأحمر، فاقتربت منه فرأيت الوقار الذي عهدته فيه ووجهه يتهلل وكأنه يريد أن يتكلم حتى قلت في نفسي إنه ما زال على قيد الحياة وها هو بابتسامته المعهودة يتلقانا ويوشك أن يتكلم، ولكن أمنيات النفس لم تصدق أمام واقع مقدر وأجل انتهى وسنة ماضية، فالفارس قد ترجل ولم ولن يستطيع أحد من البشر أن يقدم أو يؤخر في أجله ولو استطاع الكلام لقال لقاتليه والله لم تنالوا مني ما تحبون، ولكن عجلتم لي بلقاء من أحب ، ففزت بتحقيق مرادي وخبتم وخاب مرادكم، أخذتم مني الدنيا التي تحرصون عليها وبلغتموني الآخرة التي كنت أحرص عليها.

فحمل الشيخ من المشفى إلى منزله الذي خرج منه- منذ ساعة تقريباً ليصلي بالناس- من أجل أن يودع منزله وأهله وليُصلى عليه ويلقى ربه وخالقه، ثم حمل إلى مسجد الشيخ عقيل فصلى عليه الشيخ عبد الرحمن بكور إماماً في جموع الناس من أهل المدينة ومن أقربائه وتلاميذه وأصحابه ومحبيه ثم دفن في مقبرة الشيخ عقيل بالقرب من والديه ومن توفي من إخوته وأعمامه وأقربائه، فكانت وفاته خاتمة لصفحة مشرقة من المجاهدات في العبادة والعلم ومراعاة حقوق الله تعالى وحقوق الناس والإصلاح بين الناس والإجابة عن فتاويهم وحل مشكلاتهم، والعمل الدعوي الدؤوب من خلال خطبه ودروسه ومواعظه، وخاتمة لسيرة رجل يحب الله ورسوله أكثر من نفسه ويؤثر الدين على كل شيء،  ولقاء الله أحب إليه من الدنيا وما فيها ، ويحرص على الشريعة أكثر من حرصه على أبنائه وسائر أعماله، وقد تركت وفاته أثراً عميقاً في نفوس كل من عرفه، وكان العزاء به عزاء لكل طالب علم ولكل أهل المدينة وقد أثنوا عليه خيراً ، وفاضت العيون بالدمع حزناً على فراقه والألسن بالثناء عليه وذكر مآثره .

  • حياته:

ولد الشيخ أبو سعيد في مدينة منبج  سنة 1951م واسمه محمد ديبو، والده ديبو بن إبراهيم ووالدته صبحية علوش ، عاش في ربوع منبج في أسرة تعمل في الزراعة ، فوالده ديبو كان صاحب بستان كبير فيه أنواع كثيرة من الأشجار المثمرة والزروع، فنشأ الشيخ في تلك البيئة وتعلم في مدارس منبج حتى أنهى المرحلة الإعدادية ثم ترك الدراسة لفترة طويلة، وفي عام 1970 توظف في سد الطبقة سائقاً على باكر، وتزوج زوجته الأولى وهي ابنة عمه ثم التحق بالخدمة العسكرية عام 1972م ليمضي خمس سنوات من عمره، وكان ممن خاض حرب تشرين عام 1973، وبعد انتهاء الخدمة العسكرية عاد إلى وظيفته وتم تحويله إلى منطقة مسكنة في مشاريع الري وكان معروفاً بين زملائه بالجدية والصبر، وكان فترة شبابه مسرفاً على نفسه بعض الشيء ومقصراً في واجباته الدينية دون أي يتعرض بالإيذاء أو الإساءة لغيره، كما عرف في شبابه بالشهامة والرجولة وطيب الصحبة، وهي الصفات نفسها التي لازمته بعد التزامه وطلبه للعلم الشرعي وتفرغه للدعوة والهداية.

وأثناء عمله في مسكنة بدأ يوفر من راتبه فاشترى محلاً تجارياً على طريق جرابلس واشترك مع أخيه أحمد في افتتاحه لبيع الأدوات الصحية، وبعد أن رزقه الله بثمانية أبناء اجتباه الله تعالى واختار له طريقاً آخر وهو طريق العلم والدعوة، فبدأ يجالس أهل الدعوة والتبليغ من أهل المدينة كالشيخ حسين البزيعي رحمه الله والحاج أحمد نجار ، وغيرهم من شيوخ الدعوة الذين يفدون إلى منبج ، فتأثر بمنهجهم وإخلاصهم في الدعوة إلى دين الله تعالى فلازمهم وخرج معهم وسار على منهجهم في الدعوة إلى دين الله تعالى وظهر أثر ذلك في أبنائه وإخوته وأقربائه وأهل بلدته، وظهر نشاطه وحرصه وغيرته على الدين فألقى صديقه المحبب والمقرب الأستاذ صبحي المغربي في أذنه كلمة كان لها أعظم الأثر في حياته، قال له: لماذا لا تدرس الثانوية وتدخل الجامعة وتحصل العلوم الشرعية فيجمع الله لك الدعوة والعلم ؟ فبادر لذلك وأخذ الشهادة الثانوية وهو موظف في مسكنة ثم تفرغ للدراسة والعلم والدعوة وسخر لذلك نفسه وماله منذ عام 1984 إلى آخر نفس في حياته.

فبعد حصوله على الشهادة الثانوية التحق بكلية الشريعة في دمشق وتخرج منها سنة 1989م ومن ثم درس دبلوم التأهيل التربوي في حلب سنة 1991م  ثم تابع دراسة الماجستير في كلية الأوزاعي في لبنان  وحصل على شهادة الماجستير سنة ، 1998م تفرغ للتعليم والتدريس والخطابة، ولم يسافر الشيخ خارج بلده إلا حاجاً أو معتمراً أو داعياً أو طالباً للعلم أو لتحصيل مصلحة شرعية، فقد حج خمس مرات واعتمر ثلاث مرات وسافر إلى لبنان لمتابعة طلب العلم في كلية الأوزاعي وسافر إلى الأردن داعياً إلى الله تعالى وفي آخر حياته سافر إلى تركيا لزيارة المرضى والمصابين من الثوار.

كما تزوج الشيخ زوجة ثانية ، وقد رزقه الله تعالى من زوجته الأولى 13 ولداً،  ومن الثانية 3 أبناء، ومجموع أبنائه هو  9 أبناء ذكور  و7 بنات أكثرهم من طلاب العلم الشرعي وله اثنان من أبنائه من حفظة كتاب الله تعالى وهم أحمد ومقداد، وكان حريصاً على الاجتماع بهم ومدارسة القرآن والأحكام الشرعية .

 

وفاته آية من آيات الله ومن أعظم براهين الإيمان بالقدر:

في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يجمع خلق أحدكم...فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد" فالشيخ رحمه الله تعالى من أهل الهمم العالية ومنذ سنوات عديدة لا يترك رياضة المشي فهو يقطع المسافة بين المسجد الكبير والمدرسة الشرعية وهي تقدر بـ 5كم مشياً على الأقدام وهي رياضة يومية وعادة معروفة عنه فلا يرضى أن يركب أي سيارة أو غيرها وله في ذلك غايتان الأولى أنه يراجع حفظه للقرآن الكريم والثانية أنه يحافظ على صحته، فلم يعرف عن الشيخ أنه لزم فراشه بسبب المرض ولم يعرف عنه أنه شعر بالضعف الجسدي رغم كبر سنه، فهمته أكبر من همة الشباب فلو نظرنا بمقاييسنا الدنيوية وحساباتنا المادية وتحليلاتنا الطبية والنفسية وغيرها لقلنا سيكون الشيخ من المعمرين فصحته صحة الشباب ولكن قدر الله تعالى، فوفاته أكبر برهان على أن الله تعالى يتوفى الأنفس حين موتها وأن الله يقدر الآجال وأن الله يختار من يشاء من عباده ويقبضه إليه.

رحابة صدره وسماحته:

عرف عن الشيخ رحمه الله تعالى سعة صدره وسماحة نفسه، ولكن له غضبة شديدة في الحق، ما كان يحمل حقداً أو ضغينة على أحد من خلق الله تعالى، ولو بدر منه أي غضب أو شدة سرعان ما يراجع نفسه ويعتذر ، ومن المواقف التي شهدتها أنا كنا نحيي ليلة القدر في المسجد الكبير منذ ثلاث سنوات وجلسنا مع مجموعة من الإخوة رواد المسجد نتناقش في بعض المواضيع الشرعية فعلى صوت الشيخ واحتد في نقاشه مع أحد رواد المسجد وقسا عليه في الكلام فتعجبت من شدته في ذلك الموقف ولكم تمنيت أن لا يكون كلامه بهذه الشدة، وما هي إلا دقائق قليلة فإذا به يأتي لهذا الشخص ويستسمحه ويقول له نحن في ليلة القدر والرحمات تنزل فهل يمكن أن تنزل الرحمة بين المتخاصمين والله لا أغضبك وسأقوم إليك أقبل رأسك، وقام إليه وتصافحا وكان موقفاً مؤثراً دل على سلامة صدره ونقاء سريرته .

جرأته في قول الحق:

من أبرز ما يميز شخصية الشيخ أنه جريء في قول الحق لا تأخذه في الله لومة لائم ، لا يشعر بالحرج لو أنَّ جميع الناس خالفوه إذا كان يعتقد أنه على حق ولا يبالي لرضى الناس وغضبهم فأهم شيء عنده هو رضا الله تعالى، وكان ذلك يظهر مع أهله وأقربائه ، وفي دروسه وخطبه، وما جلس مجلساً إلا وكان حريصاً على تذكير الجالسين بالله تعالى والالتزام بالأحكام الشرعية ومراعاة حدود الله تعالى ولا يرضى أن تنتهك حرمات الله تعالى أو أن يساء إلى الدين ومن المواقف التي وقعت له أنه ركب في سيارة أجرة وهو في طريقه إلى جرابلس فتطاول أحد رجال الأمن وسبَّ الإله فانتفض الشيخ واشتد عليه وبدأ يعنفه بالكلام وقال له كيف تجرؤ على سبّ الله أتظن أنَّ الله ليس له من يدافع عنه، فكان موقفاً فيه انتصار للدين في وقت لا يجرؤ أحد على توجيه كلمة واحدة لعنصر من عناصر الأمن، وكان كل من يسمع سب الدين أو شتم الإله يمر دون أن ينطق بكلمة أو يوجه أي لوم أو عتب، ويكتفي بالإنكار بقلبه، فسطوة الأمن وجبروتهم تبعث على الرعب والخوف في القلوب إلا من رزقه الله قوة اليقين والثقة بالله تعالى.

وعندما توفي والده ترك ميراثاً كبيراً فلم يرض الشيخ إلا أن يوزع الميراث بين الإخوة والأخوات وفق الشرع فأشرف على ذلك وأعطى كل أخت من أخواته حقها كاملاً ، ولم يلتفت إلى الانتقادات أو العادات التي كانت شائعة من حرمان البنات،  وبعد أن انتهى من توزيع الميراث افتتح دروسه في مسجد علي بن أبي طالب في شرح وتفسير سورة النساء وآيات الميراث، وكان يرى أن الكلام في توزيع الميراث لا يستطيع أن يتقنه إلا من طبق ذلك بشكل حقيقي.

وكنت أجد في حياة الشيخ تطبيقاً عملياً وتصديقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:  " مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ" فكم من موقف انتصر فيه لله تعالى فسخط منه بعض الناس ثم رضوا عنه لما رأوا فيه من إخلاص وحرص، فكان لا ينتصر لنفسه بل لله تعالى.

عباداته:

كان الشيخ رحمه الله تعالى محافظاً على العبادات وله أوراد يومية من القرآن وصلاة النافلة والأذكار، ولم يعرف أنه تأخر عن صلاة الجماعة إلا في حالة السفر، وكان له حظ من قيام الليل والتهجد في كل ليلة، ولشدة حبه لطريق الدعوة كان يخرج في سبيل الله كل عام أربعين يوماً وفي كل شهر ثلاثة أيام ، وبعد ذلك كتب رسالته في الماجستير عن التبشير عند المسلمين وغيرهم من الطوائف وخصص جزءاً كبيرا من رسالته لموضوع الدعوة عند المسلمين.

 وقد كان حريصاً على الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان في كل عام  وقد حافظ على ذلك لما يقارب ثلاثين سنة، وفي اليوم التي استشهد به قام قبل صلاة الفجر بساعتين تقريباً وبدأ يصلي ويدعو ويقرأ القرآن وقبل أن يؤذن المؤذن خرج من بيته متوضئاً يسير في ذمة الله تعالى يذكر الله ويحمل في جيبه الأول كتاب الله تعالى رفيقه في طريقه، وفي الجيب الآخر بعض النقود لتوزيعها على المحتاجين وهي أمانات يوكل بإيصالها إلى مستحقيها ، ومع قول الله أكبر لصلاة الفجر أفرغت رصاصة في جبهته التي لم تسجد إلا لله فسال دمه الطاهر على قارعة الطريق، وهو الطريق الذي شهد مروره لسنوات عديدة من بيته إلى المسجد ومن المسجد إلى بيته، وفي أحد دروسه كان يتكلم عن العمل الصالح فقال: لو قيل لي اقترب أجلك وستموت غداً فكيف سيكون عملك؟ قال: لن أزيد ركعة واحدة لأنني لا أجد ما أزيده على عملي.

وكان لا يحب السهر رغبة منه في أن ينام باكراً ليستيقظ على صلاة قيام الليل ومن ثم صلاة الفجر.

موقفه من الثورة:

من يعرف الشيخ يعلم أنه كان ثائراً ضد النظام طوال حياته وقد أثر ذلك عليه فلم يقبل في التدريس وكان الأمن يتابع كل نشاطاته ويخشى من تأثيره على الناس، فلم يعرف عنه المداهنة بل كان يجاهر برأيه، وعندما انطلقت الثورة في سوريا كان من المناصرين لها والمدافعين عن الشباب وقد ظهر ذلك في خطبه ودروسه وفي مجالسه الخاصة والعامة وعندما كان الشباب المتظاهر يمر من أمامه كان يلوح لهم بيديه مشجعاً ومؤيداً وعندما تظاهروا أمام منزله خرج إليهم ودعا لهم، وعندما طلبنا منه أن يكون لأهل العلم موقف واضح وأن يراهم الشباب بينهم بادر وخرج معنا يرفع صوفه بالتكبير ويهتف للحرية وعندما سمع بعض الشعارات التي تتضمن السب والشتم واللعن، قال : نزهوا ألسنتكم عن ذلك ولتكن ثورتكم نظيفة في كل شيء.

وقد وقع لغط كبير بين الإخوة بسبب بعده عن الثوار وانعزاله في المسجد في أيامه الأخيرة، فالشيخ يرى أن الثورة ثورة حق وكرامة وأن الشعب السوري تأخر حتى قام بها وسبب ذلك المعاناة الطويلة التي لقيها الشعب السوري ومحاولة إدخال الرعب واليأس لقلبه حتى انتفض جيل جديد لم يعش تلك الفترة ولم ير بعينيه ما لقيه أهله في الثمانينيات من القرن الماضي فكانت انتفاضته ملؤها الحماس وليس هناك ما يعكر ذلك الحماس أو يحبط همة الشباب من ذكريات أليمة لم يعوها أو يعيشوا تفصيلاتها فلذاك انطلقت الثورة بهمة الشباب لا بعجز الشيوخ ، بحماس اليوم لا بيأس الأمس ، وعندما بدأت الثورة تؤتي أكلها استغل بعض الناس ذلك فانخرطوا في صفوف الثوار ورفعوا شعارات لا تجاوز حناجرهم وتشبهوا برجال وليسوا مثلهم فبدأت تكثر الأخطاء فإذا بعدو الثورة يرفع رايتها وأراذل الناس يتسترون بشعارات الثوار، وقطاع الطريق يحملون السلاح ويقفون في الصف الأول مع الثوار مما سبب لبساً عند الناس، فكان الشيخ ينظر إلى تلك المواقف بألم وبدأ يجهر بقوله إن النصر لا يأتي على أيدي قطاع الطرق ولا يمكن للنصر أن يتحقق إلا من خلال أناس مؤمنين يحملون الطهر ويدافعون عن الحق.