الشيخ محمد كامل الحسيني العالم الفقيه الشاعر

ترجمة موجزة لحياة العالم الفقيه الشيخ

محمد كامل بدر الحسيني

1913ـ1992

اسمه ونسبه:

هو الشيخ محمد كامل بدر الدين الحسيني نسباً، البابي مولداً، المنبجي ثم الحلبي مسكناً، الشافعي مذهباً، الأشعري عقيدةً، النقشبندي طريقةً ومنهجا.

والده هو العارف بالله الشيخ الجليل التقي الورع محمد بدر الحسيني البابي، بن السيد عبد الرزاق ابن السيد مصطفى بن السيد عبد الرزاق بن السيد محمد بن السيد علي بن السيد عبد الستار الرفاعي الحسيني بن السيد فاضل بن السيد هاشم بن السيد حاتم بن السيد إلياس بن السيد أحمد بن السيد اسماعيل بن السيد محمود بن السيد محمد السيفكاري بن السيد خليل بن السيد أحمد البطائحي بن السيد الحسين بن السيد حيدر بن السيد أحمد الكبير بن أبي الحسن الرفاعي الحسيني بن السيد محمد ابن السيد يحيى بن السيد حازم بن السيد علي بن السيد الحسين بن السيد المهدي بن السيد محمد بن سيدنا الحسين الأصغر بن سيدنا يحيى بن سيدنا ابراهيم بن سيدنا الإمام موسى الكاظم بن سيدنا الإمام جعفر الصادق بن سيدنا الإمام محمد الباقر بن سيدنا الإمام علي زين العابدين بن سيدنا الإمام السبط الحسين عليه السلام بن الإمام أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ورضي عنه وفاطمة الزهراء عليها السلام ورضي الله تعالى عنها بنت سيد الكائنات الأعظم شمس الوجود سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

ولادته ونشأته ودراسته:

ولد في مدينة الباب عام /1913/ ألف وتسعمائة وثلاثة عشر ميلادية، نشأ في بيت علم وتقوى في رعاية والده الشيخ بدر الذي كان من شيوخ مدينة الباب وأعلامها وصالحيها، وكان له الأثر الكبير في التوجيه والتدريس والإرشاد في المساجد والبيوت، فأخذ ولده الفتى عنه هذا التوجه، وما كاد الشباب يدب فيه حتى توجه بإذن والده إلى مدينة ((حلب)) ليدرس فيها العلم الشرعي، وانتسب هناك إلى الكلية الشرعية ( الخسروية )،كان دؤوباً مجداً في تعلمه جاداً في تحصيله، فأقام في الخسروية يواصل الليل بالنهار ملازماً لشيوخه ومعلميه، حتى تمكن من علوم الآلة، وتألق في علوم الشرع الشريف.

شيوخه وقراءاته:

وكان شيوخه ومعلموه آنئذ هم مشايخ زمانه في العلم ، فقرأ النحو على الشــيخ التقي العلاّمة: (( ابراهيم السلقيني ))، وقرأ كتاب (( الدرر )) في الفقه الحنفي على الشيخ الجليل (( أحمد الزرقا )) وبعض الدروس على ابنه العلامة الشيخ (( مصطفى الزرقا )) الذي كان ينوب عن والده أحياناً، وقرأ الحديث والسيرة على الشيخ المحدث والمؤرخ العلامة ((محمد راغب الطباخ)) ومما قرأه عليه سيرةَ (( ابن هشام )) و (( اتمام الوفاء للخضري )) وأجازه الشيخ ((راغب الطباخ )) بصحيح البخاري، وقرأ على الشيخ العلامة (( أسعد العبجي )) الفقه الشافعي و أصول الفقه الشافعي، وقرأ (( المنار )) في أصول الفقه الحنفي على الشيخ العلامة (( أحمد الكردي ))، وقرأ في علم التصوف كتاب (( الطريقة المحمدية بشرح الشيخ عبد الغني النابلسي )) على الشيخ العارف الولي ((عيسى البيانوني ))، وقرأ في علم التوحيد على الشيخ العلامة (( فيض الله الكردي)) كتاب ((العقائد النسفية )) و(( أسغوجي في المنطق ))، وقرأ على الشيخ الولي العلامة ((محمد نجيب سراج الدين )) (( تفسيَر البيضاوي ))، وقرأ على الشيخ (( أبي الورد )) القرآنَ والتجويد، وقرأ على كلٍّ من الشيخين (( عبد الله المعطي )) و (( نجيب خياطة )) مادة الفرائض.

أقرانه:

كان يحب أقرانه العلماء من معاصريه، وكان يذكرهم بخير، منهم الشيخ ((كامل السرميني )) رحمه الله، ومنهم الشيخ (( بكري رجب )) رحمه الله، ومنهم الشيخ (( محمد بلنكو )) رحمه الله ، ومنهم الشيخ (( عبد الله سراج الدين )) رحمه الله، ومنهم الشيخ (( عبد الرحمن الشاغوري)) الحمصي مولداً الدمشقي مسكناً شيخ الطريقة الشاذلية رحمه الله، ومنهم الشيخ (( عثمان بلال )) رحمه الله، ومنهم الشيخ (( محمد درويش الخطيب )) حفظه الله، ومنهم الشيخ ((عيسى الخطيب)) رحمه الله، ومنهم الشيخ ((سعيد المسعود )) رحمه الله، ومنهم الشيخ ((محمد علي المسعود)) رحمه الله تعالى، ومنهم الشيخ ((أحمد القلاش)) حفظه الله، ومنهم الشيخ ((محمد الحجار)) رحمه الله، ومنهم رفيقاه وحبيباه في حمص: الشيخ ((أحمد الكعكة)) رحمه الله، والشيخ ((عبد العزيز عيون السود)) رحمه الله ، ومنهم ساكنا المدينة المنورة على شمسها أفضل الصلاة والتسليم: الشيخ العلامة((محمد نمر الخطيب)) حفظه الله ، والشيخ ((محمد علي المراد)) رحمه الله ، ومنهم الشيخ الدمشقي ((محمد دلعين)) وغيرهم من أهل العلم والفضل والصلاح كثير، وقد اجتمع في مكة المكرمة بالعلامة ((محمد علوي المالكي ))، وطلب منه السيد المالكي إجازة بعلومه التي تلقاها عن مشايخه فأجازه بذلك إجازة خطية.

تخرجه وزواجه:

تخرج في الكلية الشرعية عام /1936/ ، ورجع إلى بلدة منبج ، حيث تزوج من ابنة العالم المرشد الشيخ عبد القادر اللبني شيخ والده وأستاذه، وعمل في التجارة أول الأمر، وكان يجمع في آن واحد بين عمله في التجارة ونشره للعلم.

أولاده:

توفيت زوجته بعد ست سنين مخلفة له طفلةً واحدةً، فتزوج من ابنة أختها التي أنجبت له ستة من الذكور هم محمد إياد، ومحمد أغيد - الذي استشهد في معارك تشرين 1973 - وأحمد وائل، ومحمد أسعد، ومحمود أبو الهدى، وعبد الله أبو الفضل ، واثنتين من الإناث.

صحبته للمرشد أبي النصر خلف النقشبندي:

كانت له في شبابه صحبة طيبة كريمة للشيخ المربي (( أبي النصر )) الحمصي شيخ الطريقة النقشبندية، بن الشيخ العارف الجليل (( سليم خلف ))، وكان والده يحثه على زيادة مواصلة الشيخ أبي النصر وعليه فقد كان يرافق الشيخ كثيراً إذا خرج من حمص يجوب البلاد الشامية داعياً إلى الله دالاًّ إياهم على ذكر الله، كما يسافر إليه في حمص ليكون في صحبته، وكان الشيخ أبو النصر يحبه حباً شديداً ويقدمه للدرس في مجلسه، ثم أجازه الشيخ (( أبو النصر خلف )) بأوراد الطريقة النقشبندية، وأجاز معه في نفس الوقت السيد (( محمد علي الحميد )) ، وكان الشيخ (( أبو النصر)) يأمره بإلقاء الدرس وفي المجلس الشيخ الولي (( عيسى البيانوني )) حاضر، فكان الشيخ (( كامل )) يعتذر مشيراً إلى شيخه العلامة (( عيسى البيانوني )) أدباً معه واحتراماً له، لكن الشـيخ المربـــي ((أبا النصر )) كان يصيح به: << ترجم ياشيخ كامل >>.

كان في شبابه قد زار المحدث الجليل الشيخ العلامة ((بدر الدين الحسني)) بصحبة شيخه أبي النصر، وتناول بصحبتهما طعام الفطور في منـزل الشيخ المحدث الحسني رحمه الله، وزار الشيخ العارف الكبير ((محمد الهاشمي))، وكان يتحدث بحب وإكبار عن الشيخ الولي ((الملا رمضان البوطي )) رحمه الله، ولكم زاره متبركاً ومنتفعاً، وكان له مع الشيخ ((السباعي)) رحمه الله أكثر من لقاء.

حجه:

سافر إلى الحج عام /1942 / أول مرة، ثم سافر مرات ومرات من بعد ذلك.

أعماله ووظائفه:

لم يجد الشيخ نفسه في العمل التجاري، بل كانت همّته تتطلع للتفرغ في نشر العلم الشرعي والدعوة إلى الله، وكان والده الشيخ محمد بدر يدعو له بذلك.

عين مأموراً للأوقاف في بلدة الباب عام /1949/ فسكن فيها مدة سنة. ثم نقل إلى بلدة ((أعزاز)) ليكون فيها أيضاً مأموراً للأوقاف، وكان نقله من بلدة الباب بسبب صداماته مع بعض الذين كانوا يتجاوزون فيهاحقوقَ الأوقاف، وكان يريد إعادة الحق إلى نصابه غير مكترث بكيد المبطلين أياً كانوا وكيفما كانوا، ثم عاد إلى مدينة الباب عام /1954/، وعين مدرساً دينياً بعد نقله من ملاك الأوقاف إلى ملاك الفتوى، ثم نقل ثانية وفي نفس العام /1954/ إلى مدينة ((أعزاز))، عاد بعد ذلك إلى مدينة منبج بعد اجتياره مسابقة لوظيفة مدرس ديني تقدم إليها الكثير في الوزارة في دمشق، وكان اختباراً في العلوم الشرعية صعب المنال حتى أن أحدهم علّق بعد الفراغ من الكتابة بقوله: هل الوظيفة لإفتاء البلاد .. و أمضى الشيخ أكثر حياته مدرساً دينيا في منبج، وإماماً وخطيباً في مسجد الشيخ الولي ( عقيل المنبجي ) رحمه الله ورضي عنه.

كان مرموقاً بين سكان البلدة ومهيبا، وكانت له فيها مواقف اجتماعية وسياسية كبيرة، إذ شارك في دفع الفرنسيين عن البلاد، وحارب بشدة بالغة موجة الإلحاد التي حملها إلى البلدة بعض الغرباء .

قبيل انتقاله إلى حلب شارك في تأسيس المدرسة الشرعية في منبج ( دار الأرقم )،وكان يدرس فيها أيضاً.

انتقل في أواخر السبعينات إلى مدينة (( حلب )) ليكون مدرس محافظة فيها، وبقي ما يزيد على عشر سنين ينشر فيها العلم الشرعي .

ثم حبب إليه في السنوات الأخيرة من عمره السفر إلى البلاد الحجازية رائحاً وغادياً بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأقام مدةً من الزمن مجاوراً رياض المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في المدينة المنورة.

أخلاقه وصفاته:

كان عُمَريّاً في الحق لا يخاف في الله لومة لائم، شجاعاً عند الملمات والمهمات.

وكان كثير الرؤيا المنامية للنبي صلى الله عليه وسلم، كثير الحضور معه، بكَّاءً شديد الخشية لله تعالى.

ومن توازنه وسعته وحبه لانتشار الخير كيفما تيسر أنه - ومع كونه يخدم الطريقة النقشبندية وينشر أورادها ويتبنى منهاجها - حين زاره في بلدة منبج الشيخ العارف ((عبد الرحمن الشاغوري)) شيخ الطريقة الشاذلية، وقد أخذ عنه الطريقةَ الشاذلية حينها في منبج جمع كبير، قام الشيخ ((كامل بدر)) بمؤازرته، وخدمة إخوانه، وتعليمهم كثيراً من العلوم، كالفقه والتوحيد، مع تثبيتهم على طريقتهم الشاذلية، مبتعداً عن كل شكل من أشكال التعصب المذموم، بل وكان يقف معهم في الحضرة الشاذلية مع كبر سنه وضعفه مدة من الزمن ليظهر الموافقة، ثم يستأذن بسبب ضعفه في الجلوس، ومن المعلوم أنه ممن يتبنى أسلوب الذكر الخفي، ولكنه من السعة بمكان يجعله يقوم بما قام به، وأكثر من ذلك أنه أيد أولاده في محبتهم للشيخ الشاغوري وفي انتسابهم إليه، وسلوكهم في طريقته، وهذا مما يندر بين الشيوخ ولايكاد يسمع إلا عن كبار الأفاضل.

ومن مزاياه: أنه كان يشجع الدعاة - لاسيما الشباب منهم - ويثني عليهم، ويشعرهم بالثقة، ويدفعهم إلى مزيد الجد، ولم يكن يثبط من همة متوجهٍ إلى خيرٍ أبداً.

كانت روحه روحاً شبابية في شبابه وكهولته وشيخوخته، فقد شارك في التسلح أيام استنهضت الهمم للانخراط في صفوف الجيش الشعبي، وتدرب على الرماية، وكان ربما ركب دراجة عادية لأحد أصحابه ودار بها في الطرقات باسماً، فلا يمنعه ما هو فيه من المنزلة والقدر عن أن يفعل ذلك، وكان غاية في التواضع، ولكم سُمع يقول: ( يا أولادي.. حب الظهور يقصم الظهور )، وكان يروي عن شيخه ((إبراهيم السلقيني)) رحمه الله قوله وهو يبكي: ( يا أولادي إن في جهنم طواحين تطحن رؤوس كثير من العلماء ).

قرأ عليه العديد من طلاب العلم في مدينة منبج العلوم الشرعية وحضّر بعضهم رسائل الماجستير في النحو باشرافه وتصويبه، وكانت له في حلب المجالس الخاصة لطلاب العلم في الفقه الحنفي وغيره.

كان مضيافاً، محباً للضيف، لاسيما إذا كان من أهل التقوى والصلاح، ولم تكن داره تخلو من الضيوف إلاّ نادرا. 

باختصار نقول: قد كان الشيخ رحمه الله رجلاً في مواقف الرجولة، إنساناً حيث تتبارى الخلائق في الإنسانية، عالماً ثابت القدم في علمه حين يقف الناس على بسط العلم والمعرفة، ورعاً تقياً خاشعاً مستقيماً دمثاً ملاطفاً صاحب قلب ووجدان، شجاعاً أبياً في الحق ضيغماً، فهو بحق شخصية متميزة فريدة يحق للتاريخ أن يكتب سطورها بفخر واعتزاز.

شعره:

كان شاعراً مُجيداً له باع طويل في الشعر وفنونه، وكان بوصيرياً في شعر المديح النبوي، نابغةً في شعر المناجاة، مع إجادته وإكثاره للشعر الوطني والجهادي، فلم تكن مناسبة من المناسبات الوطنية تمر إلا ويكون السابق فيها خطيباً وشاعراً.

كتب القصائد مستنهضاً همم المسلمين عام الاحتلال الصهيوني لفلسطين /1948/، وعام النكسة وكتب الشعر المؤثر في أحداث أيلول الأسود في الأردن، كما كان له من شعر المراثي الشيء الكثير، وممن نعاهم ورثاهم أستاذه الشيخ (( أبو النصر ))، والده الشيخ ((محمد بدر ))، ورفيقه الشيخ (( محمد الحامد ))، وابن شيخه وحبيبه الشيخ ((عبد الباسط أبو النصر))، ورفيقه وقريبه ((الشيخ جمعة أبو زلام ))، وغيرهم من العلماء والفضلاء، وكان لاستشهاد ولده أغيد في حرب رمضان وتشرين وقع كبير في نفسه فكتب فيه ونعاه.

وقد أعد ثلاثة أبيات لتكتب على ضريحه هو بعد وفاته وأوصى ولده محمود أبا الهدى بإكمال بيت رابع ليكون فيه التأريخ، ولطالما أرخ بشعره المناسبات، والأبيات الثلاثة هي:

رحلت عن الدنيا ومالي بضاعــــة سوى عشق طه وانتسابي لعترتـــه

وجئتك يا مولاي مستشـفعــا بـه لغفران أوزاري وحشري بزمرتـه

فأسعد رجائي وارض عني ورضــني ببشــــرى فأغدو كاملاً بشفاعته

والبيت الرابع الذي كتبه ولده امتثالاً:

وصن ختم تاريخي ( إلهي بحبــــه فقد فاز عبد صنتــــه بمحبته ) 

وكانت له في مناسبات الأفراح قصائد التهنئة الكثيرة.

وفاته:

توفي رحمه الله تعالى سنة / 1992/ في الثامن من شهر آب ودفن في مقبرة الصالحين.

* * *

مرثية الشيخ محمد كامل بدر الحسيني رحمه الله بقلم ابنه: الدكتور عبد الله أبو الفضل الحسيني..
ما للفؤادِ تَلوّى فيهِ نَجواهُ= أسيرَةً واللظى تُذكي حناياهُ..
دمعٌ ووجدٌ وغُصّاتٌ مبرّحةٌ = ومُدْنَفٌ تَلِفَتْ منهُ سُوَيداهُ..
ما بالُهُ كاملُ البدرِ الذي ملأتْ= دُنيايَ أنوارُهُ قدْ عزَّ مَرْآه..
هو الحبيبُ فلا دارٌ مُؤانسةٌ= من بعدهِ.. لا ولا دَوْحٌ فأهواهُ..
هذي المرابعُ إني لستُ أعرِفُها= في غيبة البدرِ كلُّ الكونِِ أشباهُ..
يا والداهُ أيبقى الروضُ منتظراً = منْ راحَتَيْكَ مراميهِ وسُقياهُ..
رَعيتَهُ مُخلصاً للحقِّ مُلْتَمِساً= رِضْوانهُ يتجلّى فيك تقْواهُ..
وسرتَ للهِ في الداعينَ مُقتدياً =بمنْ غدا ومُرادُ اللهِ مَسْعاهُ..
جاهدْتَ في الله في علمٍ وفي عمل= تُصارعُ الجَهلَ في دهرٍ توَلاهُ..
أوّاهُ كم يألم العِلمُ الشريفُ على = فقدِ الرجالِ وكم تشكو فتاواهُ..
رباهُ هيئ له جيلاً يقوم به= بالفقهِ والوعيِ والتبليغِ يرعاهُ..
تمضي أباهُ قرير العينِ مغتبطاً= إلى المَليكِ الذي أوْلاكَ نَعماهُ..
أتيت ربّكَ في نفسٍ مُطَهّرةٍ= بحُبِّ منْ أسعَفَتْ بالبرِّ يُمناهُ..
أبو البتولِ قَضَيْتَ العمْرَ عاشقهُ ال = مَدّاحَ والقلبُ ممزوجٌ بذكراهُ..
للهِ كم ليلةٍ كنتَ الأثيرَ بها= معَ الحبيبِ تَمَلّى في مُحيّاهُ..
وكُنْتَ ضيفاً لهُ والجودُ منهمرٌٌ= تَنالُ في وَصْلِهِ أسمى عطاياهُ..
وكم شهِدتَ على بابِ السلامِ من ال= جَنابِ فيضاً وكم أصفاكَ معناهُ..
بُشراكَ عندَ لقا المختارِ جدّكَ في= دار الخُلودِ ألا فاسعَدْ بلُقياهُ..
رباهُ هذا رجاءٌ فيكَ.. يغمُرُنا= بحُسنِ ظنٍّ وإيمانٍ بَثثناهُ..
فاجعلهُ في روضةٍ غنّاءَ طافِحةٍ= بالنورِ والاُنسِ مسروراً بأخراهُ..
وأعطِه يا إلهي ما يُؤمّلهُ=وحُفَّ بالروحِ والريحان مَثواهُ..
أماهُ إنْ غابَ من وفّيتِ صُحبَتَهُ= صِدْقاً وبِرّاً وما زايَلْتِ مَغْناهُ..
فما سواكِ عَزاءٌ نستَعينُ بهِ=ونَسألُ الله أنْ يُبقيكِ أمّاهُ..
في الطريق إلى حلب 9/8/1992