العلامة الشيخ محمد أبو زهرة والعلامة الشيخ مصطفى الزرقا

العلامة الفقيه الشيخ محمد أبو زهرة 

 

توفي في 19 ربيع الأول  فقيهان كبيران جليلان يسر الله لي خدمة بعض تراثهما العلمي ، واحببت أن أكتب كلمة مختصرة عنهما .

أما الفقيه الأول فهو العلامة الشيخ محمد أبو زهرة الذي توفي 19 ربيع الأول 1394عن 76 عاما رحمه الله تعالى.

ولادته ونشأته : 

ولد الشيخ محمد أحمد مصطفى أحمد عبد الله أبو زهرة الششتاوي في 29 مارس سنة 1898م في مدينة المحلة الكبرى، إحدى مدن محافظة الغربية.

نشأ الشيخ في أسرة كريمة عُنِيت بولدها، فدفعت به إلى أحد الكتاتيب التي كانت منتشرةً في أنحاء مصر تُعلِّم الأطفال وتُحفِّظهم القرآن الكريم، وقد حفظ الطفل النابهالقُرآنَ الكريم، وأجاد تعلُّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بمدينة طنطا.

وانتقل الشيخ أبو زهرة بعد ثلاث سنوات من الدراسة بالجامع الأحمدي إلى مدرسة القضاء الشرعي سنة 1335هـ - 1916م بعد اجتيازه اختبارًا دقيقًا كان هو أوَّل المتقدِّمين فيه على الرغم من صغر سنه عنهم وقصر المدَّة التي قضاها في الدراسة والتعليم، وكانت المدرسة التي أنشأها محمد عاطف بركات تعدُّ خرِّيجيها لتولِّي مناصب القضاء الشرعي في المحاكم المصرية، ومكث أبو زهرة في المدرسة ثماني سنوات يُواصل حياته الدراسية في جدٍّ واجتهاد حتى تخرَّج فيها سنة 1343هـ - 1924م، حاصلاً على عالميَّة القضاء الشرعي، ثم اتَّجه إلى دار العلوم ليَنال معادلتها سنة 1346هـ ـ1927م، فاجتمع له تخصُّصان قويَّان لا بُدَّ منهما لمن يريدُ التمكُّن من علوم الإسلام.

حياته العملية :

بعد تخرُّجه عمل في ميدان التعليم ودرس العربية في المدارس الثانويَّة، ثم اختير سنة 1352هـ - 1933م للتدريس في كليَّة أصول الدين، وكلف بتدريس مادَّة الخطابة والجدل، فألقى محاضرات ممتازة في أصول الخطابة، وتحدَّث عن الخطباء في الجاهلية والإسلام، ثم كتب مؤلفًا عُدَّ الأول من نوعه في اللغة العربية وهو كتاب ( الخطابة )، حيث لم تفرد الخطابة قبله بكتابٍ مستقل. 

في 2 نوفمبر 1934م نقل مدرسًا للخطابة بكلية الحقوق جامعة القاهرة (فؤاد الأول)، مع بقائه بالانتداب في كلية أصول الدين التي استمر بها إلى يونيو سنة 1942م وارتدى الزي الأزهري.

و في سبتمبر سنة 1935م انتقل إلى تدريس الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة (فؤاد الأول)، متدرجًا في مراتبها من مدرس إلى أستاذ مساعد إلى أستاذ كرسي إلى رئيس قسم الشريعة ووكيلاً لكلية الحقوق جامعة القاهرة، لمدة خمس سنوات، انتهت ببلوغه سن التقاعد سنة 1958م، واستمر في التدريس بكلية الحقوق كأستاذ غير متفرغ وفي غيرها حتى توفاه الله عام 1974م.

وقد تولى التدريس في كلية المعاملات والإدارة بجامعة الأزهر سنة 1963م، وكذلك معهد الخدمة الاجتماعية وغيره من المعاهد.

وإلى جانب هذا كان الشيخ الجليل من مؤسِّسي معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة، وكان يُلقي فيه محاضراته في الشريعة الإسلامية احتسابًا لله دون أجرٍ، وكان هذا المعهد قد أُنشِئ لمن فاتَتْه الدراسة في الكليَّات التي تُعنَى بالدراسات العربية والشرعية، فالتحق به عددٌ كبير من خرِّيجي الجامعات الراغبين في مثل هذه الدراسات.

وبعد صدور قانون تطوير الأزهر اختير الشيخ أبو زهرة عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية سنة 1382هـ - 1962م، وهو المجمع الذي أُنشِئ بديلاً عن هيئة كبار العلماء ، كما كان الشيخ مقررًا للجنة بحوث القرآن ولجنة المتابعة ولجنة السنة المطهرة، وشيخًا في لجان التقنين للمذهبين الحنفي والشافعي.

كان أيضًا عضوًا بمجلس جامعة الأزهر، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومعهد البحوث الجنائية والاجتماعية، والمجلس الأعلى للفنون والآداب، ومجلس محافظة القاهرة.

 

من كلام الشيخ أبو زهرة رحمه الله عن نفسه:  اختلطت حياتى بالحلو والمر وكنت فى صدر شبابى أرى مر الحياة حلوا، ولما أخذت فى طلب العلم وأنا فى سن المراهقة دخلت المعهد الأحمدي فى طنطا وكنت أفكر لماذا يوجد الملوك؟ وبأى حق يستبد الملوك بالناس؛ ولما دخلت مدرسة القضاء الشرعى وكان ناظرها العالم الجليل ذا الأخلاق ( عاطف باشا بركات ) وكان شديد التمسك برأيه ما دام لم يعلم أنه باطل ومن هذا المنبع استقيت ما تغذت به نفسى وأرضى نزعتى.

لقد ابتدأت فقيراً فى أسرة بين الفقر والغنى ولكن لم ينل الفقر من إحساسي بنفسى واعتزازى بدينى ولما دخلت موظفاً فى الحكومة أعمل مدرساً كنت أقدر بين تلاميذى وأولياء أمورهم وعزفت عن الدروس الخصوصية.

لقد كان أقصى ما أتمناه أنى عندما أحال على المعاش يكون معاش كالمرتب الذى عينت به وهو خمسة عشر جنيهاً، ولكن الله يسر لى فقد أحلت على المعاش وأنا آخذ أربعة وتسعين جنيهاً، ويسر لى الله من كتب كتبتها وإنى أقول نصيحتى لأبنائى كونوا مع الحق دائماً أخلصوا لله دائماً ولا تمالقوا فى حق ولا تكونوا على ضعيف أبداً).-

 

أشهر مؤلفاته :

قدم الشيخ للمكتبة الإسلامية مؤلفات قيمة تزيد عن الأربعين ، كتب الله لها القبول و الانتشار إلى يومنا هذا .ومنها:

1- الخطابة. 

2- تاريخ الجدل.

3- تاريخ الديانات القديمة.

4- محاضرات في النصرانية.

5- محاضرات في الوقف.

6- محاضرات في عقد الزواج وآثاره.

7- أصول الفقه.

8- أحكام التركات والمواريث.

9- الجريمة في الفقه الإسلامي.

10- العقوبة في الفقه الإسلامي.

11- الميراث عند الجعفرية.

12- أصول الفقه الجعفري.

13- الأحوال الشخصية.

14- الإمام زيد: حياته وعصره، آراؤه وفقهه.

15- الإمام الصادق: حياته وعصره، آراؤه وفقهه.

16- الإمام أبو حنيفة: حياته وعصره، آراؤه وفقهه.

17- الإمام مالك: حياته وعصره، آراؤه وفقهه.

18- الإمام الشافعي: حياته وعصره، آراؤه وفقهه.

19- الإمام أحمد بن حنبل: حياته وعصره، آراؤه وفقهه.

20- الإمام ابن حزم الأندلسي: حياته وعصره، آراؤه وفقهه.

21- الإمام ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه.

22- تاريخ المذاهب الإسلامية جزءان في مجلد واحد.

23- المعجزة الكبرى: القرآن.

24- خاتم النبيين: ثلاثة أجزاء في مجلدين.

25- الملكية ونظرية العقد.

26- شرح قانون الوصية.

27- تفسير " لواء الإسلام" الذي طبع باسم (زهرة التفاسير)، حتى الآية 73 من سورة النمل .

28- فتاوى محمد أبوزهرة. جمع وترتيب وتحقيق وتقديم: مجْد مكي.وسيصدر -بعون الله- في خمس مجلدات.

الدفاع عن الإسلام لآخر نفس ( حسن الختام ) : 

عقد الشيخ محمد أبو زهرة في أواخر عام 1973م وأوائل عام 1974م العديد من الندوات والاجتماعات بجامعة القاهرة والإسكندرية، وفي جمعية الشبان المسلمين لمحاربة التعدي على الشريعة الإسلامية، وكانت له صولات وجولات في مجمع البحوث الإسلامية والأزهر بخصوص تحديد النسل وتقييد تعدد الزوجات والطلاق في مشروع قانون الأحوال الشخصية لوزراة الشؤون الاجتماعية، وقرر إقامة مؤتمر شعبي لمناقشة هذا الأمر في سرادق كبير في شارع العزيز بالله أمام منزله بضاحية الزيتون، أقامه رحمه الله على نفقته الخاصة، وقام فضيلته بمعاينة المكان وإنشاء السرادق مبكرًا في صباح يوم الجمعة 19 ربيع الأول 1394 هـ الموافق 12/4/1974م، ثم عاد إلى حجرة المكتب بالدور العلوي وشرع في إكمال تفسير سورة النمل حتى أذان الظهر، وأثناء نزول فضيلته حاملاً القلم والمصحف مفتوحًا على آخر ما وصل إليه في التفسير وأيضًا الورق الذي به ما كتب في التفسير تعثر – رحمة الله عليه – وسقط ساجدًا على المصحف وعلى أوراق التفسير، ثم فاضت روحه الكريمة إلى بارئها أثناء المغرب. 

وهكذا شاءت إرادة الله العظيم أن يكون هذا السرادق الذي أشرف على إقامته لمؤتمر شعبي هو سرادق العزاء له.

 

العلامة الفقيه الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى .

في 19 ربيع الأول 1420 هـ أيضا  توفي العلامة الفقيه الشيخ مصطفى الزرقا

 عن 98 عاما رحمه الله تعالى.

ولادته ونشاته:

ولد الشيخ مصطفى الزرقا بمدينة حلب في سورية عام 1322هـ الموافق 1904م في بيت علم وصلاح. فوالده هو الفقيه الشيخ أحمد الزرقا مؤلّف "شرح القواعد الفقهية"، وجدّه العلاّمة الكبير الشيخ محمد الزرقا ، وكلاهما من كبار علماء مذهب السادة الحنفية، في حلب الشهباء.ومن شيوخه:الشيخ: محمد الحنيفي المتوفى بجدة سنة 1342العلامة المؤرخ المحدث الشيخ: محمد راغب الطباخ المتوفى 1370وهما من أعظم شيوخه تأثيرا فيه. 

نهل الشيخ من معين العلوم الشرعية، وخاصّة والده الشيخ أحمد الزرقا، الذي كان يتمتّع بوعي نادر، دفعه إلى إدخال ابنه في مدرسة الفرير الفرنسية، وهو دون العاشرة، حيث تلقّى فيها مبادئ اللغة الفرنسية، وأطلّ من خلالها على الثقافة العصرية، ورغم أنّ والده لا تغيب عنه أخطار مثل هذه المدارس التبشيرية، ولكنّه كان يشعر بالتطوّر السريع الذي تخلّف عنه المسلمون، ويثق بقدرته على تحصين ابنه من تلك الأخطار، بل كأنّه كان يعدّ ولده لتبوّأ مكان القيادة ، والقيادة الصالحة هي التي تتميّز بالأصالة الشرعية مع الإحاطة بالثقافة العصرية .

وحصل على الشهادتين الشرعية والعصرية، في وقت عزّ فيه الحصول على الشهادات ، وأتم الشيخ دراسته فحصل على الشهادة الثانوية وكان الأول على سوريا في تلك السنة، وتمكن من الالتحاق بكليتي الآداب والحقوق فدرس فيهما ، وحصل على شهادة البكالوريس سنة 1933 ، وكان أول دفعته 

 

تولّى الشيخ مصطفى منذ شبابه التدريس مكان والده في الجامع الأموي بحلب، وفي جامع الخير، وفي المدرسة الشعبانية، والمدرسة الخسروية. واشتغل في المحاماة في حلب عشر سنين، ثم انتقل إلى دمشق للتدريس في جامعتها، في كلية الحقوق ، فدرَّس فيها القانون المدني والشريعة الإسلامية منذ سنة 1944م حتّى أحيل إلى التقاعد سنة 1966م. كما كان يدرّس في كلية الآداب وفي كلية الشريعة.

وأثناء عمله في جامعة دمشق، تولّى رئاسة لجنة موسوعة الفقه الإسلامي في كلية الشريعة. ثم اختارته وزارة الأوقاف في الكويت خبيراً للموسوعة الفقهية فيها سنة 1966م. ثم عاد إلى التدريس في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية سنة 1976م. 

وكان عضواً في لجنة الخبراء لوضع مشروع قانون مدني موحّد مستمدّ من الفقه الإسلامي للبلاد العربية سنة 1981م. 

كما كان عضواً في المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في مكّة المكرّمة منذ إنشائه عام 1978م، وخبيراً في مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدّة. وشارك في تطوير برامج كلية الشريعة في جامعة دمشق، وكليتي الشريعة وأصول الدين في الأزهر، والجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة، وكلية الشريعة بمكّة المكرّمة.

وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1404هـ تقديراً لإسهاماته المميّزة في مجال الدراسات الفقهية، وخاصّة كتابه: "المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي " .

أهم مؤلفاته:

السلسلة الفقهية في 4 مجلدات ، وقد جمعت 3 كتب من أنفس الكتب وأحسنها ، وكان عنوانها:

" الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد"، منها :

أ- المدخل الفقهي العام .

ب- المدخل الى نظرية الالتزام العامة .

ج- العقود المسمَّاة في الفقه الاسلامي "عقد البيع" .

-شرح القانون السوري في 3 مجلدات ، وقد اشتمل على الكثير من المقارنات بين الفقه الاسلامي والقانون الوضعي ، وأوضح مزايا الشريعة على القانون .

-ا لاستصلاح .

- نظام التأمين .

-الفقه الاسلامي ومدارسه .

- ديوان شعري باسم قوس قزح .

- فتاوى الشيخ الزرقا جمعته ورتبته وصدر في حياته، وقدم له العلامة الدكتور يوسف القَرَضاوي.

وسيصدر له بعنايتي قريبا بعون الله تعالى : 

الفتاوى ، الجزء الثاني .

مقالات مصطفى الزرقاز في مجلدين. 

محاضرات مصطفى الزرقا في مجلد. 

بحوث فقهية معاصرة.

قالوا عنه :

سئل الدكتور مصطفى السباعي في جلسة خاصة عن سبب اختلاف العالمين [الشيخ محمد أبو زهرة والشيخ مصطفى الزرقاٍ] ورأيه فيما قالا -وكانا تباحثا في موضوع التأمين وحضرها الكثير من العلماء وطلبة العلم- ؟ فقال الدكتور السباعي: "الأستاذ أبو زهرة مكتبة فقهية ، والزرقاء ملكة فقهية" 

كتب الدكتور منير العجلاني عنه فقال : " لم ينسج الزرقا على منهاج من سبقوه من شراح مجلة الأحكام الشرعية ، والتي كانت تمثل القانون المدني العثمانـي القديم ، الذين جعلوا الفقه ( فتاوى ) و(قضايا ) و ( جزئيات ) وإنما حاول أن يدرس المجلة كما يدرس الأساتذة الفرنسيون في كلية الحقوق بباريس مادة القانون المدني ، فجمع من أحكام القرآن الكريم والحديث النبوي الشـريف وآراء الفقهاء ، من مختلف المذاهب ، ما يؤلف نظريات عامة تشبه النظريات الأوربية الحديثة ، وقد وفق في محاولته توفيقاً كبيراً . فمن قرأ كتابه خرج منه بفائدتين : النظريات الفقهية الجديدة ، وله فضل إخراجها ، وآراء الفقهاء التي لخصت للقارئ ، فأغنته عن قراءة عشرات من كتب الفقه".

قال الأستاذ عبد القادر عودة ـ يرحمه الله ـ عن كتابه "المدخل الفقهي العام" : اعتصم الفقه الإسلامي من طالبيه في المتون ، وتحصن في الشروح ، واستعصى على طلابه في اللغة المغلقة والأسلوب العقيم . وكان كل من له إلمام بالفقه الإسلامي ، وكل من عانى من قراءة كتبه ، يود أن توطأ للناس هذه الكتب حتى يتيسر لهم قراءتها ، وتسهل عليهم دراستها ، وحتى يستطيعوا أن يوازنوا بين الفقه الحديث وبين الفقه الإسلامي العتيد ؛ ذلك الفقه الغني بموضوعاته ونظرياته واصطلاحاته ، المتميز بدقته وقوته ، ليكون لهم من هذه الموازنة ما يزيد ثقافتهم ، ويوسع آفاقهم ، ويفتح أعينهم ، ويوجههم إلى الطريق المستقيم" . 

وساصدر بعون الله بعد إصدار فتاوى الشيخ محمد أبو زهرة والمجلد الثاني من فتاوى شيخنا الزرقا 

كتاب : " المنتقى من فتاوى محمد أبوزهرة ومصطفى الزرقا"