الشهيد حسام بن ابراهيم يعقوب

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وبعد:

 

لا ينتهي سيل الشهداء، ولن تتوقف مسيرة الجهاد، وستظل دماء الشهداء الأطهار تروي أرض الشام كلها حتى تتحرر من دنس الأرجاس ويعلو فيها الحق بإذن الله.

 

ومن أولئك الأطهار الذين بذلوا دماءهم في سبيل الحق: الشهيد البطل حسام يعقوب- تقبله الله- أول ضابط متمرد ومنشق عن جيش بشار الأسد

 

قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وقال سبحانه: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)

 

الولادة والنشأة:

 

ولد أبو إبراهيم حسام يعقوب في بلدة محجة في ريف مدينة درعا مهد الثورة السورية المباركة عام 1972م، في أسرة فقيرة كريمة ملتزمة متدينة بالفطرة، وشب وترعرع حسام في بلدته ودرس الثانوية العامة الفرع العلمي، ونالها بامتياز، وكان من رواد المساجد، وتفقه في أمور دينه وتلقى علم الفقه الشافعي في دمشق.

 

الانتساب للجيش:

 

بعد أن أنهى حسام دراسته الثانوية بتفوق لم يكن شأنه شأن المتفوقين في الدراسة السعي لدراسة الطب أو الهندسة، بل انتسب للكلية الحربية واختار اختصاصاً في غاية الخطورة والحساسية وهو الصواريخ البعيدة المدة (سكود)، وتدرج في الرتب العسكرية والمناصب وتسلم قيادة السرية الأولى من الكتيبة الأولى إطلاق في اللواء (155) الذي عرفه كل أبناء سورية فيما بعد فقد أمطر هذا اللواء المدن والأرياف السورية بصواريخه المدمرة بعد أضلت طريقها الى تل أبيب!!.

 

سلوكه الخلقي والعسكري:

 

كان يهتم بعمله بجد وإخلاص، وكان محبوباً بين زملائه ويعامل عناصره والعساكر الذين هم تحت إمرته معاملة الأخ، وعرف أبو ابراهيم أثناء خدمته العسكرية بالتزامه الديني ومظهره الإسلامي الواضح المتمثل بالمحافظة على الصلاة والصيام ومكارم الأخلاق والنزاهة، وكراهة الغش والكذب والفساد مما سبَّب له ذلك الالتزام أكثر من استدعاء للأفرع الأمنية لأن ذلك يغيظهم كما قال الله تعالى عن هؤلاء المجرمين في موقفهم من المصلحين الطاهرين : (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).

 

تنظيم الجبهة الإسلامية الثورية للتحرير:

 

شارك الرائد حسام مع عدد من الضباط وصف الضباط الشباب في تأسيس تنظيم عسكري انقلابي إسلامي اسمه (الجبهة الإسلامية الثورية للتحرير)، وكان يهدف هذا التنظيم إلى تفجير ثورة إسلامية مسلحة في سورية ضد النظام الفاشي والحكم العلوي المعادي للإسلام ولأهل السنة والجماعة، لكن قدّر الله عز وجل أن ينكشف أمر هذا التنظيم بعد أكثر من سنتين من ولادته قبيل البدء بعملية استشهادية بما يتوافر لديه ولدى رفاقه بالتنظيم لديه من سلاح استراتيجي وخطير وحسَّاس، وكانت هذه الخطة (ب) بينما كانت الخطة (أ) إشعال ثورة شعبية مسلحة على غرار ما يحصل الآن تماماً، وكل هذه التفاصيل واردة وموجودة في ذمَّة الوثيقة التأسيسيَّة الخاصَّة بالتنظيم.

 

وقد أربك هذا التنظيم النظام حينها حتى أن المجرم بشار الأسد قد سئل في إحدى المقابلات الصحفية عن هذه القضية التي سجن بسببها بطلنا حسام: هل صحيح أن هناك محاولة انقلاب؟! فكانت إجابة بشار: لا بل كانت محاولة لضرب الاستقرار، ولم يستطع هذا النظام بكل قبضته الحديدية الأمنية التكتيم الإعلامي على هذه الخطوة الغاية في الجسارة والجرأة أمام نظام كهذا في ذلك الوقت!.

 

اعتقاله:

 

كشف أمر هذا التنظيم مع مطلع عام 2007 بسبب حديثه مع أحد عناصره عن كيفيَّة تشكيل وإعادة الخلافة الإسلامية ويكون ذلك عن طريق استبعاد النظام العلوي المعادي، فقد قال هذا الكلام في وقت لا يجرؤ أن يتكلم فيه المرء مع نفسه في مثل هذه المواضيع، وألقي القبض على البطل حسام موجوداً من قلب كتيبته ، وسيق إلى فرع المنطقة بدمشق التابع لشعبة المخابرات العسكرية، وقد عانى  فيه معاناة صعبة؛ إذ لاقى أصنافا من التعذيب والذل والإهانة، وهو الضابط ذو الرتبة الرفيعة ولم يعتد على الإهانة من قبل.

 

في سجن صيد نايا:

 

بعد انتهاء التحقيق تم تحويله إلى سجن صيدنايا، وقد عرض أثناء إقامته في سجن صيدنايا على محكمة أمن الدولة، وحُكم عليه بالسجن ثمانية سنوات بتهمة الانتماء إلى جمعية سرية تهدف إلى قلب نظام الحكم في سورية وفق المادة (306)، وهذا الحكم حكم خفيف بالنسبة لعمله وَفْق موازين الطواغيت غير أنه كان يملك ذكاءً وقاداً وصبراً وجلداً فلم يعترف على نفسه أو على أحد.

 

وكان من فضل الله عليه أن المحكمة لم تنص على إيقاف راتبه إذ جرت العادة أن كل موظف يلقى القبض عليه ويحكم عليه من قبل محكمة أمن الدولة  تحجر عليه مدنياً وتحرمه من كافة الحقوق المدنية ويقطع عنه راتبه ومعاشه، وبفضل الله بقي راتبه يصل لزوجته وأولاده طوال فترة سجنه، يستعينون به على قضاء حوائجهم، ولله الحمد والمنة.

 

نشاطه وتلقيه العلوم في السجن:

 

أكرمه الله عز وجل أثناء إقامته في السجن بحفظ كتاب الله عز وجل، وجلس إلى طلاب العلم وتعلم منهم، وحضر دروسهم وأهم من استفاد منهم: الشيخ ماهر علوش الحمصي، والشيخ بهاء الدين الجغل وغيرهما.

 

وكان يحافظ على لياقته البدنية ضمن السجن، ويعدُّ هذا من ضمن الإعداد في سبيل الله عز وجل، وهذا ما ساعده كثيراً للالتحاق ميداناً بالجهاد فور خروجه دون الحاجة إلى دورة رفع مستوى أو لياقة بدنية.

 

وكان هو من ضمن اللجنة العسكرية في استعصاء سجن صيدنايا عام 2008 من أجل الدفاع عن السجناء وخشية مباغتة الجيش للسجناء العُزّل.

 

أخلاقه وصفاته:

 

كان خلقه القرآن، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وكان قليلاً من الليل ما يهجع، كثير السكوت يملأ وقته بحفظ القرآن الكريم وطلب العلم الشرعي، ويخدم إخوانه ويحاول إخوانه إعفاءه من الخدمة العامة في المهجع تكريماً له ولرتبته ولمكانته العسكرية، وقد كان يأبى إلا أن يشاركهم.

 

عرف بدماثة خلقه وتواضعه وهدوءه  يحب المرح ضمن الضوابط، ويعامل كل فرد بحسب عمره، وصبر وتحمل واستوعب بعض إخوانه من أصحاب الأخلاق والأفكار الضيقة.

 

وكان ينظر للعمل الإسلامي أنه يحتاج لتوحيد الصف والاعتماد على الخبرات عند المجاهدين وعند الضباط ضمن الجيش، وأنه ينبغي استثمارهم في العمل الإسلامي، وقد تبيَّن له من قبل الاعتقال من خلال تعامله مع اعدد من لضباط أنه يوجد منهم من يحب خدمة الدين، ورأى أن مثل هؤلاء يجب استثمارهم والاستفادة منهم وعدم السماح للتنظيمات العلمانية السيطرة عليهم ؛ لأنهم قليلو التجربة والاطلاع على عمل الجماعات الإسلامية العالمية, وبالمقابل عندهم عداء للنظام، وقد ذكر أنه يوجد في صفوف الضباط من يمقت الأنظمة والقوانين الوضعية، وعندهم طموح لتحكيم الشريعة الإسلامية.

 

الإفراج عنه:

 

ومع اندلاع الثورة السورية المباركة تمَّ تحويل السجناء إلى محافظاتهم، وقد تمَّ تحويله مع سجناء محافظة درعا إلى السجن المركزي في مدينة السويداء ؛ لأن سجن درعا لم يكن مؤمَّناً  حينئذ لأمثال هؤلاء السجناء ، واستطاع في سجن السويداء إيقاف الحكم النافذ بحقه بعد أن أمضى أكثر من ثلاثة أرباع حكمه، وأطلق سراحه وتنشَّق نسيم الحرية في الشهر الرابع من عام 2013م.

 

التحاقه بركب الثورة:

 

بعد أن أطلق سراحه لم يقبل على الدنيا وشهواتها، فقد تسامت نفسه عن الشهوات وتعالت على الحظوظ، وباع نفسه لله ووهب حياته لعزَّة الإسلام ونصرة المسلمين وحفظ أعراضهم ودمائهم، فالتحق بركب المجاهدين مع إخوانه في جبهة النصرة ليدافع عن شعب تركته الشعوب والأنظمة في الدول الإسلامية فريسة سهلة لنظام فاشي نازي دموي له من الأعمال التي تصمُّ الآذان بشاعة وشناعة، فقد قتل الأنفس البريئة، وبقر البطون، وسمل العيون، وقطع الآذان، وجدع الأنوف، وهتك الأعراض.

 

أعماله العسكرية:

 

ومع انخراطه في العمل العسكري تمَّ تسليمه على الفور منصباً قيادياً عسكرياً رفيعاً، ومع ذلك فقد كان سبّاقاً للعمليات العسكريَّة الميدانية، ويتميَّز بأسبقيته في الانغماس في العدو، وقد كان له دور في تطوير العمل العسكري ولا سيما في سلاح الهاون و (م د) والمدفعية.

 

رؤيا مبشرة:

 

كانت عنده شقيقة مريضة بالسرطان وكان يألم لحالها كثيراً، وقد رأت في منامها قبل خروجه من السجن  بشهر أنها سبقته إلى الجنة فما لبثت أن توفيت بعدما رأت بقليل, فلما علم بموتها بكى بكاءً كثيراً، واستبشر بهذه الرؤيا خيراً لعلها  تكون رؤيا حق, وأن تكون من أمارات حسن الخاتمة بإذن الله.

 

كرامة الاستشهاد:

 

لم يعش بعد خروجه من السجن سوى بضعة أشهر حتى قتل رحمه الله، وكان سبب مقتله أنه بلغه أن أحد الحواجز الأسدية اعتقل ثلاث أخوات، فهبَّ المجاهدون في جبهة النصرة لنجدتهنَّ، وجهزوا عملية استشهادية في يوم الثلاثاء 25ذو القعدة 1434هـ، الموافق 1-10-2013م ، وقد تقدم هو والأخ أبو خليل الناصر من بلدة إنخل في ريف درعا الذي قضى معه أيضاً -تقبله الله- ليمشطوا الطريق أمام الاستشهادي، فأصابته يد الغدر بقذيفة قسمت ظهره نصفين, واصطفاه الله عز وجل لما كان يرنو ويحب، وقد ملأ حب الشهادة جوانحه، وكان يتمناها من أعماق قلبه بصدق, حتى أنه قبل سجنه كان يصلي كل يوم ركعتين بعد العشاء يسأل الله عز وجل فيها أن يرزقه الشهادة في سبيله إلى أن رزقها ورحل عن دنايا الطين تاركاً وراءه زوجة وثلاثة أولاد، هم: إبراهيم وإيمان وازدهار، أسأل الله سبحانه أن يتولاهم برعايته.

 

وقد فقدت ساحة  الجهاد في درعا باستشهاده مجاهداً عظيماً كان يُرّجى لجلائل الأعمال، ولئن مات حسام فإن هناك ألف ألف حسام على طريق الكرامة مازالوا يواصلون الدرب معاهدين الله سبحانه على السير عليه حتى النهاية.  فما أروعك أيها الشعب الأبي لقد عرفت الطريق طريق الشهادة، فأصبحت تحرص على الموت في سبيل الله كما يحرص غيركم على الحياة، وأصبحت الشهادة عرساً تزغرد فيه الأمهات! إنه لشرف ما بعده شرف وفخار ما بعده فخار أن يسجِّل التاريخ هذه الحوادث، وهذه السير بحروف من نور لتكون نبراساً للأجيال ومشاعل هداية للأمة من بعده.