الشيخ نجيب سالم - العالم العامل

نجيب سالم الأريحاوي

 

(1336ـ1917)=(1394_1974)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد :

قال ابو الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات، ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا، ولا درهما، ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " حديث صحيح أخرجه : أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، وغيرهم.

قال الحافظ المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير4/384: " إن الميراث ينتقل إلى الأقرب، وأقرب الأمة في نسبة الدين العلماء، الذين أعرضوا عن الدنيا، وأقبلوا على الآخرة، وكانوا للأمة بدلا من الأنبياء الذين فازوا بالحسنيين العلم والعمل، وحازوا الفضيلتين الكمال والتكميل "0

وممن رزقه الله العلم والعمل، والكمال والتكميل، الشيخ العلامة نجيب سالم الأريحاوي، وتبركا بسير أهل العلم والفضل، نورد ترجمته، التي تفضل، وزودنا بها، ولده شيخنا الشيخ محمد نبيه سالم، ليتم لنا التواصل بالسابقين من العلماء، تأسيا بمحاسن خصالهم،وجميل أفعالهم :

نسبه : 

هو نجيب بن أحمد بن سالم بن محمد بن الحاج أبي بكر البأس، الذي عرف بقوته وحزمه، فسمي بالبأس.

أمه : جميلة حاج موسى التي عاشت فوق التسعين سنة.

ولد عام 1917م في منطقة أريحا التابعة لمحافظة إدلب في حي الجامع الكبير. 

وعائلة آل سالم عرفت بعراقتها بأريحا، ولها فروع في مدينة حماه، والباب، ودمشق، وحلب، واشتهر فيها العالم الفاضل الشيخ بشير بن عبد الرحمن بن الحاج ابي بكر البأس، وكان خطيبا وإماما للجامع الكبير بأريحا.

كما وعرف فيها العالم الجليل الشيخ عبد الرحمن سالم بن محمد مصطفى بن أبي بكر البأس الذي كان مفتي مدينة الجسر( الشغور ) التي تقع بين أريحا واللاذقية.

صفته : 

كان ربعة، مليء البدن، تعلوه سمرة، مع وقار، يعرف بالهدوء، وحسن الخلق، قليل الكلام، كثير الفعال، لا يفتر عن ذكر الله تعالى.

طلبه للعلم :

مات أبوه احمد في حوادث الحرب العالمية الثانية، وكان نجيب رضيعا له من العمر اشهر يسيرة فرباه عمه إحسان، وكان اسكافيا، فكان نجيب يهرب من هذه الصنعة الى الجامع ليسمع فيها دروس الشيخ بشير سالم، ويحضر الكتب الدينية ليقرأ فيها.

ثم سافر الى حلب، وعمل فحصا للدخول في المدرسة الخسروية، فنجح وانتسب إليها، وقد عرف عنه لدى زملائه وأساتذته الجد والمثابرة في الليل والنهار، فكان يحرز المرتبة الأولى بين زملائه. 

وكان من عادة الطلاب حينذاك إنهم يتسابقون في المدرسة أيهم يستيقظ في الليل قبل غيره، لمتابعة قيام الليل، ومدارسة العلم، يجدون نجيبا قد سبقهم الى ذلك في كل ليلة.

أساتذته : 

كان له أساتذة كبار هم خيرة أهل عصرهم منهم :

الشيخ مصطفى باقو الذي كان مدير للمدرسة الخسروية.

ومساعده الشيخ وحيد حمزة.

وبعد وفاة الشيخ مصطفى تولى إدارة المدرسة الشيخ العلامة المحدث المؤرخ محمد راغب الطباخ.

الولي الكبير محمد سعيد الادلبي الذي درس عليه فقه الشافعية. 

العالم النحرير الشيخ عمر مرتيني، درس عليه الفقه الشافعي. 

الشيخ أسعد العبه جي الذي صار فيما بعد مفتي الشافعية بمدينة حلب

الشيخ محمد الناشد الذي كان ضليعا في اللغة العربية وعلوم البلاغة0 

الشيخ محمد الحنيفي مدرس مادة العقيدة الإسلامية.

الشيخ محمد الحكيم مدرس مادة الخطابة والتعبير.

الشيخ أمين الله عيروض مدرس الإملاء والحساب.

الشيخ أحمد الشماع مدرس التفسير. وقد درس على هؤلاء العلماء الأفذاذ أمهات الكتب في كل علم التي تعتبر مرجعا كبيرا.

ومنهم : الفقيه الحنفي الشيخ مصطفى الزرقا الذي قرأ عليه حاشية ابن عابدين، وكان يتأمل فيه الذكاء والنجاح، ويعده بأن يشركه معه موسوعة فقهية.

ومنهم : الشيخ الفاضل العالم أحمد الكردي الحنفي أمين الفتوى في حلب، ثم مفتيها.

وفي أثناء طبه للعلم سلك على يد العارف بالله الشهير أبي النصر الحمصي المشهور، صاحب الطريقة النقشبندية.

ثم سلك على يد العارف بالله المحقق الشيخ محمد النبهان، ولازم حضور مجلسه مستفيدا من فيوضاته، ومقتبسا من تحقيقاته الى آخر عمره. 

وتعرَّف في شبابه على شيخ الأزهر اللوذعي الشيخ محمد الخضر حسين عندما زار حلب واجتمع بعلمائها.

وساقته العناية الإلهية لمعرفة فيلسوف الإسلام في زمانه البحر في تحقيقاته فضيلة الشيخ محمد أبي الخير زين العابدين الذي كان يذهب للاصطياف كل عام في أريحا، فيجتمع بالشيخ نجيب الليالي الطويلة، والأيام المديدة إلى أن توفي الشيخ أبو الخير قبل الشيخ نجيب بأشهر. 

تردد الشيخ نجيب على دمشق كثيرا للاجتماع بعلمائها، وكان قد التقى فيها بمشاهير أفذاذها كالشيخ العارف محمد الهاشمي، والشيخ إبراهيم الغلاييني. 

نشره للعلم :

بعد تخرجه من المدرسة الشرعية ( الخسروية ) رجع إلى بلدته، وصار يعطي فيها دروسا في التفسير والفقه واللغة العربية.

ثم أسس بعد ذلك في أريحا جمعية النهضة الإسلامية، وهي جمعية خيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين مما أسعف الكثيرين منهم بالمساعدة الجيدة. 

ثم افتتح مدرسة شرعية لتدريس العلم لأهالي أريحا وقراها الكثيرة التي تعرف بجبال الزاوية.

ونتيجة لتدريسه في المدرسة والجوامع بأريحا كجامع التكية والجامع الكبير، فقد خرج طلاب علم كثيرين برز منهم عدد في العلم، وكان لجميعهم الأثر الطيب لأنفسهم وأهليهم والناس اجمع.

ويلاحظ : انه في شبابه بعد تحصيله للعلم، مع هذه الدروس، كان يعيش من كسب يده، فقد كان عنده متجر يعمل فيه عطارا. 

عقيدته : 

وقد وجد في دفتره الخاص بقلمه :

عقيدتي : شهادة أن لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والاتباع لكل ما عليه رسول الله r، وسلف الأمة، من المبادئ الحقة، والعقائد السليمة، ومحبة الأولياء، والعزم على فعل كل خير، وترك كل شر، والإخلاص لله تعالى في الحركات والسكنات، وأداء الحقوق والواجبات لله تعالى، والعبادة والاستغفار من الذنوب والآثام. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى اله وصحبه وسلم. نجيب سالم 

وفاته :

توفي مساء الخميس ليلة الجمعة في 28/3/1974م، وصلي عليه ضحوة يوم الجمعة في الجامع الكبير بأريحا، وشُيِّعت جنازته بحشد يرى أوله، ولا يرى آخره، على طول الطريق من الجامع الكبير إلى مقبرة أريحا الكبيرة، التي تقع شمالي البلد من جهة الشرق، وقبره مشهور، يلاحظ عليه اثر النور والبهاء، وذلك لا يزال على السنة الجميع بالطيب والدعاء له. 

وقد شاهده كثيرون من أحبابه انه عند حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألوه: ألم تدفن بأريحا ؟ فما الذي جاء بك ؟ فقال: أنا من حين وضعي في القبر صارت روحي  عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ورآه بعضهم بأنه مسئول عن دفن الموتى بالبقيع، ورآه البعض يخطب الجمعة في جوامع أريحا، إلى ما هنالك من مرائي هي عاجل بشرى المؤمن. 

رحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا به في مستقر رحمته

تمَّت والحمد لله رب العالمين

 

وكتبه : 

عبد الله بن جاسم بن كردي الجنابي الشافعي

نزيل حلب الشهباء حرسها الله تعالى