الشيخ محمد السلقيني - العالم الزاهد
الشيخ الفقيه الورع بقية السلف الصالح محمد إبراهيم سلقيني:
بقلم: المشرف على الموقع

لمحة عن نشأته وحياته :
هو العلامة الفقيه الشيخ محمد بن علامة حلب الإمام الفقيه الورع الشيخ إبراهيم ابن سعيد خطيب المشهور بسلقيني، نسبة إلى بلدة «سلقين» التي تزوج منها والده الشيخ إبراهيم سلقيني بزوجته الثانية في بدايات فترة التدوين في السجل المدني.
ولد الشيخ في مدينة حلب عام 1912 ميلادية. ونشأ من أصل والدين كريمَيْن، فوالده العلامة الفقيه البكاء الشيخ إبراهيم سلقيني، الذي كان إماماً في الفقه الحنفي في مدينة حلب، وقد عاش أكثر من مئة عاماً وهو صاحب مدرسة فقهية كبيرة خرجت كوكبة من علماء حلب، ووالدته امرأة صالحة كانت صوامة قوامة.
قرأ الشيخ العلوم الشرعية في المدرسة الخسروية ودرس على والده العلامة الشيخ إبراهيم، فأخذ عنه الفقه واللغة العربية، ومن المؤلفات التي أخذها عنه قراءة "نور الإيضاح" في الفقه الحنفي، و"حاشية ابن عابدين"، وكان مجلس والده عامراً بالعلماء والفقهاء الذين قصدوه للعلم والبركة، فكان ولده المترجم له في هذا الجو العلمي الذي يحرك الهمم يأخذ عن والده هذه الدرر التي قلّ أن تجتمع في كتاب واحد.
وقرأ الفقه أيضاً على العلامة الفقيه الشيخ أحمد الزرقا إذ قرأ عليه شرح" مجلة الأحكام العدلية"، ودرس التاريخ والسيرة على الشيخ محمد راغب الطباخ، والتفسير على الشيخ أحمد الشماع، والتوحيد على الشيخ محمد الحنيفي، ودرس مادة الأخلاق درساً وتلقياً وصحبة وتطبيقاً على الشيخ عيسى البيانوني -رحمهم الله جميعا-.
وقد التقى بالشيخ أبي النصر خلف -رحمه الله- وصحبه إلى القرى ليأخذ من شذا علمه وخلقه، وقد أذن له بالوعظ والإرشاد.
ومن العلماء الذين تأثر بهم ممن كانوا خارج مدينة حلب محدث الديار الشامية العلامة الشيخ بدر الدين الحسني -رحمه الله- حيث حضر بعض دروسه في مدينة دمشق.
تولى التدريس في عمر مبكر، حيث كان عمره ثمانية عشر عاماً، وكثيراً ما كان يُوكِّله والده في التدريس

صفاته وأخلاقه:
كان رحمه الله طويلاً نحيف الجسم، جميل الطلعة، مهيباً متواضعاً في مشيته، لا تملُّ العين من رؤيته والأذن من سماع كلامه، وكان محباً لطلابه بعيداً عن التكلف، معروفاً بأدبه الجم في الحديث والجلوس والتدريس.
اكتسب الشيخ من والده صفات ومزايا أعطته مكانة في قلوب محبيه، ومن هذه الصفات: الورع الشديد والخوف من الله، وكان ذلك واضحاً من خلال حديثه وكلامه، فكان الجليس يلحظ مخافة الله في قلب الشيخ، وقد عرف تلامذته هذه الصفة على شيخهم، فكان يدرس الفقه، ولكن مع الفقه كان يطعم درسه بقصص وحكايات الصالحين في تقوى الله ومخافته، مما يعطي الدرس جواً روحانياً، وأثراً في القلوب، فيطرد الملل والسآمة من قلوبهم، ويكون حافزاً لهم في التحصيل والجد والاجتهاد.

وكانت هيئة الشيخ ومظهره تذكر بالله تعالى. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي جلسائنا خيرٌ يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: « من ذكركم بالله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله".
كان الشيخ معرضاً عن الدنيا وشهواتها مقتدياً بالسلف الصالح في الزهد والذكر، وليس زهده زهد حرمان، ولكن زهد من أعرض عن الدنيا ومتعها فخرجت الرغبة من قلبه، فلم يتعلق بها.

أعماله :
تولى الشيخ أعمالاً متعددة منها :
تولى الخطابة في جامع الطواشي، وكانت خطبته رقيقة مذِّكرة بالله تعالى، وسرعان ما يؤثِّر في قلوب المستمعين.
وتولى التدريس في الثانوية الشرعية، في حلب، للفقه الحنفي، وكانت دروسه في حاشية ابن عابدين، وقد خرجت على يديه كوكبة من كبار علماء حلب.
وكان له درس في جامع الروضة يومي الأحد والاثنين، وقد استمرَّ هذا الدرس عقوداً زمنية لم يتركه إلا في آخر حياته بسبب وضعه الصحي.
وكانت له دروس في السجن، وقد كتب الله له القبول في قلوب السجناء، فتاب على يديه كثير من أصحاب الجرائم، وكان الشيخ سبباً في هدايتهم

تلامذته وآثاره :
يعد الشيخ مرجعاً لمدينة حلب في الفقه الحنفي، فكان بيته مدرسة تعج بطلاب العلم الشرعي، وكانت جهوده متوجهة نحو التدريس والتفقيه والوعظ والإرشاد أكثر من التدوين والتأليف، وقد تتلمذ على يديه مئات من طلاب العلم الشرعي الذين كانوا رسل خير وهداية لأقوامهم، ومن أبرز الذين درسوا عليه في الثانوية الشرعية :
1-العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله حيث درس عليه الفقه وصحبه، وتأثر به.

2ـ العلامة الفقيه الأصولي الشيخ فوزي فيض الله، المدرس في كلية الشريعة بدمشق والكويت.
3ـ ولده الدكتور الشيخ إبراهيم سلقيني عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق سابقاً وأستاذ الفقه والأصول في كلية الدراسات العربية والإسلامية بدبي،ومفتي حلب حالياً، وهو أكبر أولاده، وهو خلفٌ لأبيه من بعده.
4ـ نجله الآخر الدكتور عبد الله سلقيني الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا والمدرس بجامع أبي حنيفة بحلب.
5ـ العلامة الدكتور محمود ميرة أستاذ الحديث في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً.
6ـ الشيخ الدكتور عدنان كامل السرميني ،المدرس بمدارس الفلاح بجدة سابقاً، والمربي للأجيال.
7ـ الشيخ الدكتور محمد أبو الفتح البيانوني رئيس قسم الفقه والأصول في كلية الشريعة في جامعة الكويت.سابقاً.
8ـ الدكتور أحمد حجي الكردي الأستاذ في كلية الشريعة جامعة دمشق، وخبير الموسوعة الفقهية في وزارة الأوقاف في دولة الكويت.
9ـ العلامة الشيخ المحدث المحقق محمد عوامة، حفظه الله تعالى وكان وثيق الصلة بالشيخ، يزوره في بيته عند قدومه للحج أو العمرة.
وهناك علماء كثيرون غير هؤلاء تأثروا بصحبة الشيخ قراءة وتدريساًً من أبرزهم - العلامة الشيخ أحمد عز الدين البيانوني رحمه الله.
هذه نبذة يسيرة من آثاره العلمية في محبيه وطلابه وتلامذته، الذين صحبوه ورشحوا من علومه.

وفاته
وقد كتب الله للشيخ العمر المديد فعاش أكثر من تسعين عاماً أمضاها في خدمة الأمة الإسلامية، ولم يزل يستفيد منه أهل مدينته في حل مشكلاتهم العلمية والدينية حتى وافاه الأجل في مدينة حلب، وانتقل إلى جوار ربه في يوم الأربعاء 2/2/1422هـ، الموافق 25/4/2001 م. وشيع في يوم الجمعة4/2/1422، الموافق27/4/2001م، في جامع عبد الله بن عباس وألقيت الكلمات في رثائه.
رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جنانه.