الشيخ محمد الخضر حسين

 

 الشيخ محمد الخضر حسين ([1])
(1293-1377هـ)
العالم السَّلفيُّ بحق:
الأستاذُ المرحومُ الشيخُ الخضرُ أوضحُ العلماءِ السلفيين ظهوراً في هذا العصر، ومن الإسراف أن نقول: إنه آخرُ سلفيّ، لأننا لا ندري مَنْ مِنَ الرجالِ السلفيين لم يَظهروا، ولكنَّ المؤكَّدَ أنه آخرُ سَلَفيٍّ ظهر، وأعلنَ السلفيةَ في وضوحٍ ونور.
المؤمن الجريء الشجاع:
اجتمع لأستاذِنا الخضر صفاتٌ لم تجتمعْ في غيرِه من العلماء، فقد كان مؤمناً جريئاً شجاعاً، يقولُ الحقّ، ولا يخشى فيه لَوْمةَ لائم، يُعذَّبُ ويُضْطَهدُ في سبيلِ الحقّ فلا تَهِـنُ عزيمتُه ولا يَضْعُفُ إيمانُه، ولا يرضى بالاطمئنانِ والسكونِ في ذلّة...
قاوَمَ الفرنسيين في أرضِ تونس، وترك مَنصِباً رفيعاً في ذلك، ولم يَهِنْ ولم يضعُفْ، بعدَ أنْ حُكِمَ عليه بالإعدام، فهاجر من وطنِه مؤْتسِياً بالنَّبيِّ ^ في هجرتِه، وأخذَ يطوفُ في الأقاليمِ مدافعاً عن الإسلام، ومقاوِماً أعداءَ الإسلام في كلِّ أرض، حتى استقرَّ به الـمُقامُ في آخرِ المطاف بمصر، فكان نوراً يضيءُ فيها.
الفقيه العميق واللغوي الدقيق:
وكان معَ شجاعتِه فقيهاً عميقَ الفكرةِ الفقهيّةِ في المذهبِ المالكيّ، يعرفُ دقائقه ومنطقَه واتِّجاهَه، حتى إنه كان يُفتي فيه من غيرِ مراجعة، وتكونُ فتواهُ صحيحةً سليمة. وكان عالماً لُغوياً دقيقاً، تجيءُ على لسانِه شواهدُ النَّحوِ والصَّرفِ والبلاغة، بأسرعَ ما تجيءُ على لسانِ العالمِ فيها.
الكاتب المجادل المناظر:
وكان كاتباً، لقلمهِ أسلوبٌ مستقيمٌ جيِّد، وكان مُجادِلاً ومُناظِراً، لا باللسانِ بل بالقلم، يستطيعُ أنْ يَضَعَ الـحُجّة في مَوْضعِها، وأن يَرُدَّ كيدَ الخصْم في نحرِه.. جَادَل صاحبَ كتـاب «في الشعر الجاهليّ»([2]) فأفحَمَه وألْـجَمَـه، وجـادلَ صاحبَ كتـاب «الإسلام وأصولُ الحكم»([3]) فبيَّن الحقَّ في هذا الأمر.
تولِّيه مشيخة الأزهر:
ثم اخْتبرَهُ اللهُ بالدنيا تجيئُه، فوُلِّـيَ أكبرَ منصبٍ دينيّ، فما فتنتْه الدنيا، فقد نجَحَ حينَ اختبارِه بالنِّقمة واختبارِه بالنِّعمة، فلمّا وجدَ المنصبَ يُريدُ منه ما لا يريدُ تركَهُ موفورَ العِزّةِ موفورَ الكرامة، مُقدَّراً من مخالِفيه وموافِقيه على السَّواء.
لقد فقدَ الإسلامُ في الشيخِ الـخَضِر سَجَايا ومكارمَ لو وُزِّعتْ كلُّ واحدةٍ منها على رجل، لكانَ من أفْضَلِ الناس، فرحمهُ اللهُ رحمةً واسعةً، ورضيَ عنه.
*          *          *

 


([1]) ندوة مجلة «لواء الإسلام» المنعقدة في مساء الثلاثاء 20 شعبان سنة 1377هـ، الموافق 11 مارس 1958م، والمنشورة في العدد الأول، من السنة الثانية عشرة، رمضان: 1377هـ = 1958م.
([2]) هو الدكتور طه بن حُسين بن علي بن سلامة المتوفى سنة 1393هـ الموافق 1973م.
([3]) هو الشيخ علي عبد الرازق.