الشيخ محمد زكريا البخاري - الولي الصالح
نقدم للإخوة الأعزاء ترجمة موجزة لأحد علماء المدينة المنورة وكبار صالحيها، وبقايا السلف الصالح فيها ، وهو العبد الصالح، الشيخ محمد زكريا البخاري المدني، الذي كانت تربطه صلة وثيقة ومحبة أكيدة بكثير من علماء بلاد الشام ممن يأتي ذكرهم، وقد زار سورية في عام 1370هـ، الموافق 1950م، والتقى في رحلته بكبار علماء سورية، في دمشق وحمص وحماه وحلب، وقد كتب هذه الترجمة أحد تلامذته النجباء الملازمين له المستفيدين من صحبته هو الأخ المحب الصادق الناصح الشيخ:عبد الرحمن حجار وفقه الله ، الذي عُرف بوفائه لشيوخه، وحرصه على خدمتهم، وكان الشيخ يوليه محبة خاصة، وعناية فائقة، وهذه لمحات من سيرة الشيخ رحمه الله تعالى:
 
 
لمحات من سيرة سيدي الشيخ محمد زكريا البخاري المدني
 
 
هو الوليُّ الصالح، والعابد الزاهد، والمرشد المربي فضيلة الشيخ:محمد بن زكريا المرغيلاني البخاري، ثم المدني الحنفي النقشبندي.
 
ولد في مرغيلان من بلاد بخارى سنة 1328 هـ، ووالدته المرأة الصالحة التقية: راضيه بنت حاجي حامد، وكان جده لأمه من الصالحين العابدين، لم ينقطع عن الصوم إلا في الأيام التي يحرم صومها،وقد توفي جده وهو قافل من الحج بالمدينة المنورة، ودفن بالبقيع. وقد بكته ابنته أم شيخنا، فبادر ـ وهو طفل صغير ـ بمخاطبة أمّه مسلياً لها عن فقد أبيها: إن شاء الله أنا سآخذك عند جدي بالمدينة المنورة ـ وقد كان يُعلِّق على ذلك بأن الملائكة السيَّاحين قد أمَّنت على ذلك الدعاء ـ وكما بُشِّر بالرؤية وهو شاب قبل رحيله إلى المدينة المنورة بثلاثة قبور بالبقيع، فكان أحدها: لجدِّه المذكور، والثاني: لوالدته ، والثالث: له.رحمهم الله تعالى أجمعين.
 
ولما قدم الشيخ إلى المدينة أصيب بالحُمَّى الشديدة، فقامت والدته تدعو بأن تكون عوضاً عن ولدها، فيقول الشيخ: فحُمَّت الوالدة ثلاثة أيام، وتوفيت ليلة 15/شعبان عام1375هـ عن سبعين سنة رحمها الله، ودفنت بالبقيع قريباً من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
 
نشأته:
 
بدأ يطلب العلم وهو صغير في بلدته بُخَارى، حيث قرأ العلوم الشرعية من قرآن، وحديث، وفقه، وفرائض، على مشايخ بلده، وكما أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ إسكندر أفندي، في بخارى، ثم لما دخلت الروس إلى بلاده، سجنوا أساتذته، فما كان منه إلا الرحيل سراً، هرباً من الزبانية المجرمين، وهاجر مع والدته، وعبر نهر جيحون سباحة، بعد أن دفع الأجرة من مال قد حصله من عمل يديه، وقد تعرض في تلك الرحلة للموت، مع والدته، ولكن الله سلّم، ووصل إلى المدينة بسلام بعد عناء طويل، ورحلة شاقة.
 
أبرز شيوخه:
 
1ـ الشيخ ابراهيم الختني ـ ت 1389هـ ـ.
 
2ـ السيد علوي عباس المالكي ـ ت 1391 هـ.
 
3ـ الشيخ محمد حسن مشاط ـ ت 1399هـ.
 
4ـ الشيخ حسن الشاعر ـ ت 1400هـ ـ .
 
5ـ الشيخ عمر بري .
 
6ـ الشيخ ضياء الدين البخاري.
 
7ـ الشيخ محمد عبد الباقي الأنصاري اللكنوي.
 
8ـ الشيخ أحمد عبد الدايم.
 
9ـ الشيخ أبوالخير الميداني ـ ت 1380هـ ـ.
 
10ـ الشيخ إبراهيم الغلاييني ـ ت 1377 هـ.
 
11ـ الشيخ حامد ميرزا.
 
أصدقاؤه من أهل العلم:
 
1 ـ الشيخ عبد العزيز عيون السود ـ ت 1398 ـ
 
2ـ الشيخ محمد المختار الإندجاني ـ ت 1402 ـ.
 
3ـ الشيخ ملا رمضان البوطي ـ ت 1410 هـ .
 
4 ـ الشيخ محمد الجنيد الكعكي الحمصي ـ ت 1412هـ
 
5 ـ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ـ ت 1417هـ ، وكان الشيخ يقصد زيارته عند قدومه إلى المدينة المنورة، وقد عقد له مجلس العزاء في بيت الشيخ محمد زكريا بعد دفنه بالبقيع رحمهما الله تعالى.
 
6ـالشيخ عبد الله سراج الدين ـ ت 1422 ـ والذي كان له مودة خاصة ومحبة عظيمة بينهما، وكان فضيلة الشيخ عبد الله يهدي إليه كتبه من حلب ، عند أول صدورها، كما كان يبادله بهدايا من المدينة المنورة. . ولما توفي الشيخ عبد الله في حلب عُقد له مجلس كبير في بيت الشيخ وختم للقرآن الكريم، حضره الكثير من محبِّي الشيخ من أهل المدينة والمجاورين.
 
7ـ الشيخ إسماعيل حسن الموصلي رحمه الله تعالى.
 
8ـ الشيخ محمد الحجار ـ ت 1428هـ رحمه الله تعالى.
 
9ـ الشيخ محمود أفندي الاستانبولي النقشبندي. حفظه الله تعالى.
 
10 ـ الشيخ وصفي المسدي الحمصي، حفظه الله تعالى.
 
11ـ الشيخ عبد الغفار الدروبي الحمصي،حفظه الله تعالى.
 
12ـ الشيخ محمد عوض الدمشقي حفظه الله تعالى.
 
13ـ الشيخ عمر ملاحفجي الحلبي حفظه الله تعالى.
 
14ـ الشيخ المحدث محمد أبوالفضل عوامة الحلبي حفظه الله تعالى.
 
15ـ الشيخ حامد غريب الحلبي. حفظه الله تعالى.
 
16ـ الشيخ المحب عادل عزام المدني. حفظه الله تعالى.
 
17ـ الحبيب عمر الجفري. حفظه الله تعالى.
 
18ـ الشيخ السيد إبراهيم خليفة الإحسائي. حفظه الله تعالى.
 
وكثيرون لا يحصيهم العد، بل إنه كان مقصد علماء وصلحاء العالم الإسلامي، وأكثر هؤلاء كانوا ينزلون عنده في بيته عند باب المجيدي، جوار بئر حاء، حيث سكنه حوالي 40 سنة، وكان يضيف فيه المشايخ.
 
ومن ملازميه وأصحابه الذين صحبوه وتشرفوا بخدمته:الشيخ عبد الحفيظ بحلاق الحمصي المدني ت1424هـ، و الشيخ فيصل الدروبي الحمصي،والشيخ حسن راسم التركي مفتي أضنا، < SPAN> والشيخ مهر علي الكردي التركي، والشيخ إسماعيل الزعيم الحموي، والشيخ السيد علي الأحسائي، والشيخ عبد الباسط عبد الحكيم الدمشقي، والشيخ المقرئ المنشد أبو الفرج الصلاحي، والشيخ عبد الأحد قاري، والشيخ سامي أبو عارف الدمشقي، وأبو رضوان الأحمر، والمنشد محمد مدني، والشيخ حسان دباغ الحموي، والأستاذ أنس بني،والأستاذ أمين بشير كرمان، وإنعام الدين الأفغاني، وعبد الرحيم الأفغاني،وعبد الفتاح بن محمد عوض الدمشقي، وأبناء الشيخ عمر ملاحفجي: عبد الله، ومحمد ضياء، وأبناء الشيخ محمد عوامة: محمد، وأحمد، وعبد الله، ومحيي الدين، وكاتب هذه السطور عبد الرحمن حجار، حيث تشرَّفت بخدمته والمبيت عنده، كما شرفني بالمبيت عندي في بيتي بالمدينة المنورة.
 
منزله وحاله:
 
تدخل منزله فتجد عالماً آخر من الأنس والسكينة، ثم لا بدَّ لك من أن تنال من طعامه الطيب المبارك، الذي لا يشبهه أي طعام لذة وبركة.
 
 
 
كان رحمه الله تعالى ينام بعد العشاء ولا يستقبل أحداً بعده ولا يسهر، عملاً بالسنة، ثم يستيقظ بعد منتصف الليل، حيث يصلي اثنتي عشرة ركعة، ويستمر بالذكر والدعاء إلى قبيل الأذان الأول، حيث يذهب بالعربة للحرم، وفي الطريق لابد أن يقف ويسلم على أهل البقيع ويستغفر لهم، و يصلي الفجر، ويذكر الله تعالى إلى الإشراق، ويصلي الضحى، مع المواظبة على ركعتي الاستخارة يومياً.
 
ثم إن لم يكن صائماً يدعو من حضر للفطور عنده، حيث تجد الطعام البسيط المبارك الذي لا كلفة فيه.
 
ويوم السبت يذهب للصلاة في مسجد قباء، عملاً بالحديث النبوي:" من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كانت له كأجر عمرة".
 
ويوم الأربعاء يجتمع عنده المشايخ للفطور بعد صلاة الضحى، في منزله أو في أحد بساتين المدينة المنورة، ويحضر هذا الاجتماع ثلة من فضلاء علماء بلاد الشام، من أبرزهم: الشيخ أحمد قلاش، والشيخ محمد الحجار، والشيخ محمد علي المراد، والشيخ محمد عوض، والشيخ ممدوح جنيد، والشيخ محمد عوامة، كما كان يزور في هذا اليوم شهداء أحد.
 
ولقد كان يداوم على صوم الاثنين والخميس والأيام البيض. ويختم القرآن الكريم كل أسبوع مع قراءة أوراده من دلائل الخيرات وأوراد فتحية، وغيرها، مع المحافظة على صلاة التسابيح يومياً، وذلك إلى آخر حياته رحمه الله تعالى.
 
وما خرج من المدينة المنورة قط إلا لحج الفريضة، و زار الشام وعلماءها حوالي عام 1370هـ .
 
و كان محباً لأهل بدر أيضاً، ويزورهم بين الحين والآخر.
 
الختم الإسبوعي والمولد النبوي:
 
وعنده الختم الأسبوعي للقرآن الكريم بعد صلاة الجمعة، وهو مستمر من قديم في منزله عند باب المجيدي جوار بئر حاء، ثم في بستان الشيخ حسين أبو العلا رحمه الله، وكان يحضر هذا الختم مئات من أهل المدينة والوافدين إليها من شتى بقاع العالم الإسلامي،كما كان يعمل المولد النبوي في كل عام بعد إشراق يوم الجمعة في شهر ربيع الأول،وهو مجلس طيب مبارك، يحضره أهل المدينة، وزوَّارها وكثير من علمائها الأفاضل من ضيوف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يكرمهم بالفطور الجماعي، وهدية المولد ـ وهي عبارة عن سجادة للصلاة وبعض الحلوى ـ.
 
وكان يعظم ليلة النصف من شعبان، ويصلي فيها مائة ركعة، يقرا في كل ركعة عشرمرات( سورة الإخلاص)، ثم يقرأ سورة (يس) ثلاث مرات، على نيات مختلفة منها:طول العمر، وتوسيع الرزق، وحسن الختام، بجوار خير الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
 
وقد دخل أحد الفضلاء لمجلسه وصلى مع الشيخ، وكانت له سجادة لينة، فقال في نفسه: عندما أخرج أسأل الخادم: من أين اشترى هذه الشيخ؟، فلما خرج إذا بالخادم يخرج له السجادة، وقد أمر الشيخ له بها.
 
ومن أقواله رحمه الله تعالى تواضعاً:
 
نحن لسنا طلاب الكرامة نحن طلاب الرضا.
 
هذا زمان السكوت، ولزوم البيوت، والقناعة بالقوت، وذكر الحي الذي لا يموت.
 
وكان يجيز من استجازه بما أجازه به، شيخه السيد علوي المالكي المكي، بالأذكار بعد التسبيحات المأثورة بعد الصلاة، وذلك بقول:"لا إله إلا الله" ثلاث مرات، من عمق الفؤاد، سيدنا محمد رسول الله في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله. ثم يقول ثلاث مرات بالمد: الله، الله، الله ، ثم الصلوات الإبراهيمية الشريفة.
 
مكانته:
 
اجتمعت قلوب الأمة على محبتة، فتجد في مجلسه التركي والشامي والمدني والبخاري والأندنوسي والهندي، فكان بيته محط الرحال ومقصد المحبين، وكان يفرح برؤيتهم، ويقول: مرحباً قدومكم حسنات، والسر في ذلك هو بره الشديد بوالدته رحمها الله، وما فطر عليه من كرم وبشاشة ورحابة صدر، وسعة خلق، وقد كتب على بابه: بابي مفتوح ما دمت حياً إن مت منكم أطلب خيراً ـ أي الدعاء والاستغفار ـ
 
يا أهل الدثور ما لكم وللقصور،غداً تزورون القبور.
 
قبورنا قصورنا ،نبني قبورنا ،لأنها مَضْجعنا إلى يوم حشرنا.
 
دعوته ونصحه:
 
لا بد لمن يجالسه بأن يأمره ببعض الأوراد والأذكار النبويَّة، وينصح دائماً بعد الطعام بقوله: أذيبوا طعامكم بذكر الله ـ حيث يقرأ عليه في كتاب الأدب المفرد، ثم في كتاب الشمائل للترمذي، ثم في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ عبد الله سراج الدين، وهذا دأبه دائماً في كل مجلس يحضر فيه الطعام، وكان يعمر وقته بالذكر والعلم،كما كان شديد الاهتمام وعظيم التقدير لطلاب العلم ودائم النصح والتوجيه لمحبيه وزائريه، ولا يأتيه زائر إلا وينصحه ويوجهه ويحرص على التذكير بالسنن النبوية، ويهدي من حضر إليه بعض الهدايا من طيب، وسواك، وعمامة، ويحذر من التشبه بالكفار، ويكره الكفار أشد الكراهية، وينفر من التشبه بهم أشد التنفير، ويحب سماع المنشدين، ويتأثر بمديح المادحين للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويكرمهم، ويقرِّب إلى مجلسه الأطفال، ويتحفهم بالحلوى ويدعو لهم، ويضع سترة الرأس، ويمسح على رؤوسهم، ويدعو لهم، وهكذا هو دور الصلاح والصالحين المطلوب للأمة الإسلامية، وهم هبة الله لعباده في الأرض الذين اصطفاهم ليكونوا حجة عليهم.
 
وفاته:
 
توفي رحمه الله تعالى بعدما أجريت له عدَّة عمليات جراحية عانى منها الكثير. وكانت وفاته في مستشفى المطبَّقاني في المدينة المنورة، صباح يوم الأحد 1/ربيع الأول/1426هـ عن مائة عام.وقد غسله بوصية منه فضيلة الشيخ ممدوح محمد الجنيد الحمصي، في رباط الختنيين، وصلي عليه بالحرم النبوي الشريف بعد صلاة الظهر، ودفن في بقيع الغرقد. وقد رُؤَيت له منامات صالحة ومبشِّرات كثيرة.