الشيخ عبد القادر السقاف

العلامة الشيخ عبد القادر بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي بن عمر بن سقاف بن محمد بن عمر بن طه السقاف .


ولد بمدينة سيؤن في شهر جمادى الآخر سنة 1331هـ، ونشأ في حجر أبويه الصالحين نشأة صالحة.


فوالده الحبيب أحمد بن عبد الرحمن سيد شريف وداعية إلى الله، عالم عامل بشهادة كبار الأئمة والأولياء.


وأمه السيدة الشريفة علوية بنت الحبيب أحمد بن محمد الجفري.
فانفتحت عيناه على بيئة صالحة للرقي والقرب من الله، بين رؤيته لوالده في الصلاة والصيام والعلم والعمل والمجالس، وبين والدته التقية النقية الأم المربية، وهي تتلو أورادها بالليل والنهار. فكان لهذه التأثيرات الإيمانية نقش في قلب الحبيب عبد القادر الناشئء.
بدأ طلبه للعلم في معلامة الحبيب طه بن عمر بسيؤن عند الشيخ طه بن عبد الله باحميد. وفيها تعلم القراءة والكتابة بالإضافة إلى تلقيه عن والده رحمه الله، ثم بقي تحت رعاية والده ومجالسته إلى أن التحق بمدرسة النهضة العلمية، وكانت تلك الآونة بإدارة الأديب الناهض الشيخ علي بن أحمد باكثير. وتلقى في هذه المدرسة علوم الحديث والتفسير واللغة العربية بآلاتها المتعددة والفقه الإسلامي والسيرة والتاريخ وشيء من علم الحساب والفلك وغيرها. كما فتح بالمدرسة قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم، فحفظ فيه القرآن الكريم.


وعلى الرغم من علو شأن هذه المدرسة إلا أن والده كان يتابعه ويسأله دوماً عما يتلقاه ويوجهه وينبهه، كما كان يحرص أيضاً على قراءته عنده بكثرة بالإضافة إلى تلقيه بالمدرسة.


ومرت على هذه الحال أيام بدروس وقراءات مكثفة حتى أن مدار اليوم والليلة قد يشهد ختماً لكتاب يقرؤه على والده. كما قرأ في تلك الفترة القراءات السبع على الشيخ عبد الله بارجاء، كما صار مدرساً بمدرسة النهضة. وبرز في التصدر والتدريس بمسجد طه بن عمر بسيؤن بأمر والده.


ومن شيوخه الذين أجازوه: الحبيب عمر بن حامد بن عمر السقاف، والحبيب عمر بن عبدالقادر بن أحمد السقاف، والحبيب عبدالله بن عيدروس العيدروس، والحبيب عبدالله بن علوي الحبشي، وابنه الحبيب حسين، والحبيب عبد البارئ بن شيخ العيدروس، والحبيب محمد بن هادي السقاف، والحبيب عبدالله بن عمر بن حامد السقاف، والحبيب حسن بن اسماعيل بن الشيخ ابي بكر بن سالم، والحبيب حامد بن علوي البار، وغيرهم.


وبقي ـ رحمه الله تعالى ـ متصدِّراً مجالس العلم والتدريس في مواقع شتَّى خلال إقامته بحضرموت خاصةً بعد وفاة والده الحبيب أحمد بن عبدالرحمن سنة 1357هـ، وكان عمر الحبيب عبدالقادر آنذاك 21 عاماً، فكبرت دائرة المسؤلية على عاتقه المحمّل بأعباء الدعوة ونشر العلم الشريف، والنظر في أمر المحتاجين والفقراء ومواساتهم والقيام بمهمات أهل بيته وأرحامه.


ومرت سنون على هذه الحال إلى أن حلَّت التغيُّرات السياسية في جنوب اليمن، وشنَّ الشيوعيون حملة شديدة على رجال الدعوة والدين، خصوصاً أولي التأثير والنفوذ. فكان الشيخ عبد القادر تحت الإقامة الجبرية بسيؤن كغيره من رجال الدين. وأُجبِرَ أن يسجل اسمه صباحاً ومساء في مقر الشرطة. فصبر ـ رحمه الله تعالى ـ وأخذ يدبر للخروج من قبضة الشيوعيين. إلى أن سخَّر له المولى أحد المسؤولين لمساعدته فاستخرج له تصريحًا بالخروج إلى عدن في ربيع الثاني من سنة 1393هـ، وبقي هناك شهراً من الزمان إلى أن تسهلت له فرصة للخروج من البلاد إلى سنغافورة، حيث استقبل بالبهجة والحفاوة، ومكث فيها أياماً حافلةً بالمجالس والمذاكرات، وفي شهر جمادى الأولى توجه إلى اندونيسيا وصارت هناك احتفالات بهيجة ومجالس عديدة في عدد من الأماكن كقرسي وجاكرتا والصولو وسوربايا وفاسروان.


ومن أندونيسيا توجه الحبيب إلى أرض الحجاز، وكانت بداية الاستقرار هناك، ولم يكن حديث عهد بالحجاز، فقد كان ـ رحمه الله تعالى ـ  قد حج قبلها ست مرات، وقبل إكمال أسباب السكن والإقامة هناك، خرج في رحلة دعوية طويلة إلى لبنان ومنها إلى الشام فمصر ثم نيروبي ثم إلى كينيا وجزر القمر وتنزانيا ثم رجع إلى كينيا ومنها عاد في رمضان 1394هـ إلى الحجاز مستقراً بجدة، وهناك اتَّسعت دائرة الطلب حوله، فكان يتصدر كل يوم جلسة الدرس بمنزله الميمون بحي النزلة الشرقية الذي تحصل فيه قراءة للعديد من كتب الحديث والتصوف والسير كما تدار فيه مناقشات ومباحثات في غرائب المسائل وعويص اللغة والبيان والبديع والأدب والحكم الشعرية والنثرية. كما يتصدر عدداً من المجالس العلمية الأخرى التي تقام في مدينة جدة على مدار الأسبوع يتنقل من مكان إلى مكان، ومن مجلس إلى مجلس.


كما كان يحي القلوب في المناسبات العامة والموالد الشريفة داعياً إلى الله بالموعظة الحسنة، مستشهداً بالقرآن والحديث وحكايات القوم، ومصوراً واقع الأمة الأليم ومداوياً لما وقعت به في البعد عن كثير من الآداب والأخلاق، سواءً كانت المناسبة في جدة أو مكة المكرمة أو طيبة الطيبة أو في الطائف أو غيرها من المدن التي تستضيفه، وفي شهر رمضان المبارك تكتحل العيون وتشنف الآذان كل يوم في "الروحة" التي تعقد في فناء بيته حفظه الله ويأتي اليها الجماعات بأعداد كبيرة للأخذ والاستفادة.


استمر يخرج إلى الناس في الروحة الأسبوعية المباركة عصر كل خميس، على الرغم من كبر سنه والمشقة التي يكابدها لذلك
توفي ـ رحمه الله تعالى ـ فجر الأحد 19/ربيع الثاني/1431 ، وصلِّي عليه في داره في جدة ، ثم صلِّي عليه في المسجد الحرام بمكة المكرمة في مقبرة المعلاة ،


ـ رحمه الله تعالى ـ رحمة واسعة وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.