السُّهَيل اليماني الطالع ببعض مآثر القاضي العمراني

 

الحمد لله القائل في كتابه العزيز: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) وصلى الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى المخبر بأن ثَلْمَ الأمة موتُ فقهائها وعلمائها، وعلى آله وأصحابه الذين هم ولاة صدرها وسادة فنائها.. وبعد:

فقد بلغنا فجر اليوم الثاني من أيام عشر ذي الحجة المباركة، وفاة أستاذنا وسيدنا، وشيخنا ومولانا، عالم الزمن، وشامة اليمن، علامة القطر اليماني، والمجتهد الرباني، الملقب بالشوكاني الثاني، فضيلة القاضي المسند المفتي المعمر محمد بن إسماعيل العمراني، رحمه الله وألحقه بالصالحين.

فمرت بنا سوانح الذكريات، وعادت بنا ذاكرة الأيام المباركات، حيث كان اليمن سعيداً حميداً، وبوجود القاضي ونظرائه من الأفذاذ تليداً مجيداً، أعاده الله إلى سابق عهده، وطهَّره ممن سامه النحس في أمسه وغده.

ولست أدري ما الذي أجرى على لساني -حين فجعنا خبر سكون القاضي، وتتابعت الصور والأفلام الناقلة لمشهد جنازته في مسجد الزبيري بصنعاء، حيث كانت دروسه تنعقد- أبيات العلامة الأديب أبي الحسن علي بن أحمد ابن سلك الفالي:

لـمَّا تبدلت المنازلُ أَوْجُها ... غير الذين عهدتُ من علمائها

ورأيتُها محفوفةً بسوى الأُلى ..... كانوا ولاةَ صدورها وفنائها

أنشدتُ بيتا سائراً متقدما ... والعينُ قد شَرَقَتْ بجاري مائها

(أما الخيامُ فإنـها كخيامهم ... وأرى نساءَ الحيِّ غير نسائها)

والواقع أن من لزم القاضي عن كثب، وواظب على مجلسه عن قرب، استيقن أنه في العلم والفضل والخير، شعلة نار ليس لها رماد، وسيل يـهدر في كل واد، لا يفتر عن درس ونظر، ولا يؤتى من عِي وحَصَر، قد ملك من العلوم أزمتها، وانقادت إليه المعارف طارفها وتالدها.

وكان من العلوم بحيث يُقضى ... له في كل فن بالجميعِ

لا يمل من الطلبة وأسولتهم، فهو دائم البِشْر، حيثما وقع نفع كالمطر، بل كالمورد العذب كثير الزحام، قل أن تراه وحده ماشيا إلا وحوله من الشيوخ والطلبة من يستفتيه ويسترشده، وهو ينحدر في جواب سؤالاتـهم كالسيل، مع ظرف وطرف، ونكتة بلطف.

وما رأيته غضب إلا في يوم كثر فيه المستفتون، وهو في مجلسه يجيب على أسئلتهم من رأس القلم، يكتب الفتيا ويوقعها باسمه في ظهر ورقة السؤال أو في طُرَّته، والناس يحذفونه بورق الفتاوى.

واتفق أن أعرابيا كان يحذف ورقته فلا تصل من سعة الحلقة، فوضع فيها حجراً صغيراً ورماها، فجاءت في وجه القاضي، فغضب وقال: (لا عاد ترموا الورق إلى حجري)!

ثم التفتَ إليَّ -وكنت عن شماله- فقال: المفتون عندكم ببغداد يلقون كهذا؟ فقلتُ له: سيدنا، قد ذكر القاضي الشوكاني رحمه الله في باب القضاء من (شرح المنتقى) الذي سمعناه بقراءتكم، أن: (من العدل والتثبُّت في الحكم، أن لا يدخل الحاكم جميع من كان ببابه من المتخاصمين إلى مجلس حُكْمه، دُفْعَةً واحدة إذا كانوا جَمْعا كثيراً، ولا سيما إذا كانوا مثل أهل هذه الديار اليمنية، فإنـهم إذا وصلوا إلى مجلس القاضي صرخوا جميعا، فيتشوَّش فَهْمُهُ، ويتغيَّر ذهنُهُ، فيَقِل تدبُّره وتثبُّتُه، بل يجعل ببابه من يرقم الواصلين من الخصوم؛ الأولَ فالأول، ثم يدعوهم إلى مجلس حُكْمه كل خصمين على حدة).

ذكرته له بمعناه، فتبسَّم القاضي واستحضر النص منه، فسكن ما به، وقال لي مداعبا: ما استحضرتَ من (النيل) إلا هذا!

فقلت: رضي الله عنكم، وأمتع أهل اليمن خاصة؛ والمسلمين عامة ببقياكم، فما أقول فيكم إلا ما كتب به أهل بغداد إلى البخاري:

المسلمون بخير ما بقيتَ لهم ... وليس بعدك خيرٌ حين تُفتقَدُ

ثم قلت: لم لا تنعقد لجنة من كبار طلبتكم تنشط لجمع هذه الأوراق التي فيها الفتاوى، فتخرج في مجلدات حافلة يُنتفع بـها؟ فقال رحمه الله: كيف ولي خمسون سنة على هذه الحال؟

فقلت: فضيلة القاضي: قد قال أبو عبيد القاسم بن سلَّام: (وقَّعتُ عن الله خمسين سنة) فتبسَّم.

رحم الله القاضي؛ كان أُمَّة بمفرده، ونسيج وحده، يعرف من العلوم ما لا يدريه كثير من أقرانه، وكان حُفَظة يسرد المذاهب والأدلة للمسائل، ويرجح ويصحح، ويزيف ويعلل، دون عصبية لمذهب أو جمود على رأي، فكان اجتهاده منضبطا بالأصول، وتقليده للمذاهب محكوما بصرائح المعقول.

والواجب على طلبته من الشيوخ المتصدرين للفتيا والتدريس أن يحذو حذو شيخهم، في نبذ التعصب والاطلاع على المذاهب وأدلتها، فهذا ما أكسب القاضي سعة المعرفة وصحة الفتوى والتيسير فيها، وهو رضي الله عنه قد نصحهم بـهذا في آخر كلمة له.

بل كان بعض طلبته إذا نبَّهه على غلط جهر بالرجوع عنه بلا حرج، فأذكر أنه قرأ في درس المغرب من كتاب (نيل الأوطار) على العادة، عبارة المجد ابن تيمية: (باب جواز تنفيل بعض الجيش لبأسه وغنائه أو تحمله مكروها دونـهم) فاستشكل بعض الطلبة قوله: (غنائه) فقال بعضهم: الصواب: (عنائه) بالعين المهملة، من العناء وهو التعب.

فوافقه القاضي وطلب قلما فصحَّح في نسخته، فكُتبت له ورقة، ذُكر فيها أن الصواب: (غنائه) بالغين المعجمة، وأنه من الإغناء أي أنه أغناهم بشجاعته وبسالته عن كثير من المقاتلين، وذكرت الشاهد من الحديث: (ما أغنى عنا أَحَدٌ يوم أُحُد ما أغنى عنا طلحة) فأخذ القاضي القلم وأصلحه كما كان في نسخته، وقال: أسحب كلمتي بقرونـها وأظلافها وحوافرها.

وحضر مجلسه قبيل المغرب بعض الزيدية، فألقى عليه سؤالات في مذهب زيد، كالمختبر له، والقاضي يفطن لمقصده، فجعل يجيبه بتحقيقٍ ونقلٍ بـهره حتى قضى العجب، من فرط اطلاع القاضي على أصول المذهب، وكان بعض غلاتـهم يتوهم أنه شوكاني على الإطلاق لا زيدي، فيظن أنه لا دراية له بالمذهب وكتبه.

وكان القاضي يخالف الشوكاني في مسائل من الأصول والفروع، كقوله في القياس ومسائل من الإجماع، ومسائل من باب الزكاة والحج، ثم سأله عن قول الإمام المنصور بالله عليه السلام في المسبوق في صلاة الكسوفين: (يداخله حال القيام) فتأمل القاضي ولم يظهر له وجه مراده منه.

فقال له من بجواره: لعله يقصد أنه يفتتح التكبير والقراءة، ويأتي بما سُبق به من الأفعال، حتى يدركه في الركن الذي هو فيه الآن.

فنظر للزيدي وقال: قد أجابك.

وما كان أفرحه بالفائدة، لا يستنكفها ولا يأنفها وإن جاءت من أصغر طلابه، فإنه كان جموعا لأخلاق الرجال ومحاسن العلماء، ذُكر في الدرس بحضرته بيتين حكاهما ابن حزم في ثلب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان -وكان القاضي يعظم الأئمة المجتهدين- والبيتان هما:

إن كنتِ كاذبة الذي حدَّثتني ... فعليكِ إثمُ أبي حنيفةَ أو زُفَرْ

الواثبين على القياس تمرُّداً ...... والراغبين عن التمسُّك بالأثرْ

فكُتبت له ورقة ذُكر فيها أن البيتين عليهما نقض لابن قُطْلوبُغا، وهما:

كذبَ الذي نسبَ المآثمَ للذي...قاس المسائلَ بالكتاب وبالأثرْ

إن الكتابَ وسنةَ المختار قد ... دلَّا عليه فدعْ مقالةَ مِنْ فَجَرْ

وكان من عادة القاضي أن يقرأ أوراق الأسئلة، ثم يدفعها بعد الجواب لمن يجمعها، فأخذ هذه الورقة وقال: فائدة عزيزة، لا ينبغي التخلُّف عن حفظها، ودسَّها في جيب جُبَّته!

ولم يكن سيدنا القاضي رضي الله عنه ممن يلقي العلم على طلبته جزافا بلا تربية وتأديب، بل كان يغرس فيهم أصول الآداب كغرس أصول النخل، كان كالوالد لهم أو قل إن شئت كالأب الروحي.

وقد كنت في حلقة الإفتاء مع صديق من فضلاء تلاميذه، فقرأ القاضي بنفسه سؤالا في ورقة -وكان عن إشكال في البلاغة- فابتدرنا الجواب أنا والفاضل، وغرَّنا تبسُّط القاضي مع تلاميذه، فنظر إلينا كالمؤنب، ثم قال: تعرفان ما الاستخدام؟

فلم نعرفه، فقال له الفاضل: وصلت الرسالة يا سيدنا، ثم ساق القاضي حكاية القاضي أبي يوسف مع الإمام الأعظم في ابتدراه الجواب بحضرة أستاذه، وقوله له: تزبَّبتَ قبل أن تُحصرم.

ومن محاسن شمائله استنهاض همم الطلبة لحفظ تراث بلدانـهم، وقد حضر عنده بعض طلبة حضرموت، فسألهم عن بعض نوادر العلامة عبد الرحمن السقاف، فلم يعرفوه، فكان القاضي يقول: مثل هذا العلامة يُجهل، ينبغي أن تُرد شهادة من لا يعرف فضلاء بلاده!

وهذا نظير ما حكاه ياقوت في (البلدان) عن الأصمعي قال: تقدم رجل من بني دارم، إلى القاضي سوَّار بن عبد الله، ليقيم عنده شهادة، فصادفه يتمثل بقول الأسود بن يعفر:

ولقد علمتُ لو اَنَّ علمي نافعي...أن السبيلَ سبيلُ ذي الأعوادِ

إِنَّ الـمَنيَّةَ والحُتُوفَ كلاهُما ........ تُوفي المخَارِمَ ترميانِ فؤادي

ماذا أُؤَمِّلُ بعد آل مُحرِّقٍ ............ تركوا منازلَهم وبعد إيادِ

أهلِ الخَوَرْنَقِ والسَّديرِ وبارِقٍ...والقصرِ ذي الشُّرَفَاتِ من سِنْدَادِ

نزلوا بأنقرةٍ يَسِيلُ عليهمُ ... ماءُ الفراتِ يجيءُ من أَطْوادِ

جرتِ الرياحُ على مكانِ ديارهمْ ... فكأنما كانوا على مِيعَادِ

ولقد غَنُوا فيها بأنعمِ عيشةٍ ... في ظل مُلْكٍ ثابتِ الأوتادِ

فإذا النعيمُ وكلُّ ما يُلْهَى به ... يوما يصير إلى بِلىً ونَفَادِ

ثم أقبل على الدارمي فقال له: أتروي هذا الشعر؟

قال: لا، قال: أفتعرف قائله؟ قال: لا، قال: هو رجل من قومك له هذه النباهة، يقول مثل هذه الحِكَم، لا ترويها ولا تعرف قائلها! يا مزاحم، أثبت شهادته عندك، فاني متوقف فيها حتى أسأل عنه، فإني أظنه ضعيفا.

قال ياقوت: وقد ذكر بعض العلماء أن أنقرة التي في شعر الأسود، هي أنقرة التي ببلاد الروم، نزلتها إياد لما نفاهم كسرى عن بلاده.

قلت: سبحان الله، ما أشبه الليلة بالبارحة! قد استدار الزمان على بعض بلادنا، كهيئته على إياد، فنزل بأنقرة وإسطنبول وعامة البلاد التركية، أهلُ العراق والشام واليمن وغيرهم من العرب، بعدما حل ببلادهم من الندوب والنكوب، وقد كانوا قبل ذلك ينعمون في رغد ودعد، فلله الأمر.

هذا؛ مع كون القاضي إذا سئل -تارات كثيرة- يلقي المسألة قبل جوابه عليها، على طلبته يختبرهم، وتارة كان يشاورهم، ثم يكتب الجواب بعد المشاورة وإطباق أكثر تلاميذه على الجواب، ويقول: (كان أبو حنيفة يشاور أصحابه، ويثبت الجواب في الديوان بعد استفراغ البحث والنظر معهم فيها).

ومع فضله في العلم؛ كان سبَّاقا للخير وإغاثة الملهوف، ولا سيما من الغرباء، وقد طلب مني صديق عراقي علق في ميناء الحُدَيْدَة، وأدركته فاقة أعيته في انتجاعها كافة الحيل، فرغب إليَّ في أن أكلم فضيلة القاضي فيكتب لبعض مَنْ له الأمر في إخراجه من ورطته، فكلمته قبيل درس المغرب، فأخذ القلم وكتب له رسالة إلى بعض مَنْ توسط في استنقاذه وأخرجه مما هو فيه، وكتب أيضا لبعض تجار المدينة في شراء ثمن تذاكر السفر له ولعائلته.

وكان لنا صديق من العراق، قد أبعدته دولة الإمارات إلى صنعاء، واستأجر داراً واسعة رَحْبة في حي شُميلة، لكنه احتاج إلى استكتابـها في دار العدل، وتمنَّع عليه الموظفون بـها بسبب إشكال يستدعي حضور صاحب الدار وهو يمتنع عن الحضور.

فكلَّمتُ فضيلة القاضي في شأنه، فكتب لي ورقة إلى قاض من بيت زبارة، وذهبتُ إليه في وزارة العدل، فقرأ الورقة وقال لي: هل كتبها العمراني بنفسه؟ فقلت له: بلى، قال: ماذا تقرؤون عنده الآن، ألا زلتم مع الشوكاني؟

قلت له: فرغنا من (النيل) وشرع في كتاب (الهدي النبوي) لابن القيم.

فقضى لي الحاجة، وقال لي: قل للعمراني: أما آن لك أن تُقرئ كتب أهل البيت عليهم السلام؟ فقلت له: يا سيدي هو ذا يقرئ (التجريد) للمؤيد بالله و(أمالي أبي طالب) و(مسند الإمام زيد) وغيرها، فسكت.

فلما حضرت الدرس قبيل المغرب -على العادة- سألني القاضي عما جرى، فذكرت له ما قال، فتبسَّم وقال: من طرائف الأخبار في العصبية بلا ثَبْت، أن القاضي زيد الديلمي -من فقهاء الزيدية- كان يقرأ البخاريَّ على أصحابه في مجلسه، فوشى به بعض الغلاة إلى الأمير أنه يُقرئ البخاريَّ الناصبيَّ!

فانحدر الأميرُ مع بعض حرسه، وهجموا على مجلسه لقتله، فلما دخلوا المسجد بسيوفهم وحرابـهم، علمَ القاضي زيد بدخيلتهم، فأمر أصحابَه أن يكشفوا عن باب مناقب عليٍّ من (الصحيح) وقرأ القاضي قولَ البخاري: (باب مناقب عليّ وفاطمة عليهما السلام) فلما سمع الأمير ذلك استيقن كذب الخبر، وقال: هذا البخاري يقول (عليهما السلام) ويذكر مناقب الآل والعِتْرة الطاهرة! فسَلِمَ القاضي.

وذكر أيضا أنه طلب من الإمام أحمد، نسخة كتاب الرد على الشوكاني لابن حريوة السماوي، وهو الذي نقض فيه كتاب (السيل الجرار) ولم يتمه، وصل إلى أثناء صلاة الخوف، فهم الإمام أن يدفع نسخته للقاضي، فقال له قاسم العزي: هذا شوكاني المذهب لعله يريد الرد على ابن حريوة فلا تعره نسخته، فلم يعره إياها!

بل لقد حضرت مرة مجلس القاضي متأخراً، فرأيتُ بين يديه رجلا قد خلا به، والقاضي يكتب له ورقة، وظاهر الرجل ينبئ بأنه غريب ليس من أهل اليمن، فلما رآني بعض إخواني من الطلبة اليمانيين داخلا بادرني وقال: هذا الرجل الذي بين يدي القاضي عراقي من الكرخ!

فقلت له: وما شأنه؟

قال: بينه وبين يمني مشكلة تتعلق بشراء سيارة، وقد ظلمه اليمني، فذكر له بعض اليمانيين أن يستعين بالقاضي، ولما علم القاضي بأنه من بغداد، قال له: وجب حقك علينا من وجهين، الأول: لغُربتك، والثاني: إكراما لولدنا بلال، فإنه بغدادي مثلك!

ولم تكن في القاضي كودنة القضاة، بل كان رَحْب الصدر، مفرط الاطلاع على مذاهب الناس وأقاويلهم ومعارف الإسلام وعلوم الناس، ليس له نـهمة في غير العلم، ولا له إلى غير الدليل التفات، فلا جرم يجد من يحضر مجلسه من المعارف ما لا يجده عند غيره.

ولهذا كان يحضر مجلسه الزيدية والسلفية والمتصوفة والأشعرية وغيرهم، فضلا عن طلبة الشافعية والمالكية والحنفية، وكان للجميع كالوالد، لا يسمح بطعن حاقد، ولا بنَبْز حاسد، مع كونه يجاهر بمخالفة بعض أصول الجميع، ويتعقبها بالنقد والرد، فلم يكن القاضي يرتضي من القال والقيل، ما ليس للدليل إليه من سبيل.

حضرته في مجلس الفتيا وسأله إنسان عن مسألة فأجابه بدليلها من السنة، فاعترضه السائل بأن الحديث مضعَّف، فرد القاضي بأن الألباني صحَّحه، فقال المعترض: الألباني لا يوثق بعلمه، فقال القاضي:

سعى في عَيْب عزَّةَ لي نساءٌ ... جعل الـمَلِيكُ خُدُدَهنَّ نعالَها

لو أن عزَّةَ خاصمتْ سمشَ الضُّحى...في الحُسْن عند موفَّقٍ لقضى لها

هذا مع كونه يخالف الألباني وعامة السلفيين في مسائل أصولية وفروعية، ويرد عليهم كما يخالف الزيدية، ويرد على ما لا يراه ملائما للدليل من أقاويلهم، بحسب ما يفضي إليه النظر عنده.

وقد أوذي من الفريقين، فطالما وقع فيه أتباع الشيخ مقبل وثلبوه بالباطل، وعانده غلاة الزيدية وشغبوا عليه، حتى لقد كنا مرة في مسجد الزبيري بعد العصر في درس كتاب (الناسخ والمنسوخ) للحازمي، فاجتمع جماعة من متعصبي الزيدية، وجعلوا يجهرون بقراءة سورة (يس) وشوشوا الدرس، فنهض القاضي ونـهضنا وانفض المجلس يومئذ.

ولقد أراده غير واحد للطعن في مخالفيه فتمنَّع وأبى، وكان في ذلك يستحضر ما يناسب المقام من الشواهد والنوادر والطرائف كما مر، وفي مجلس من مجالسه الزاخرة بالفوائد، أراده بعض غلاة المقبليين على انتزاع قدح منه في حق بعض العلماء من الزيدية، ففطن لهم وقال:

روي أن رجلا ببغداد تعشَّق جارية فتبعها، يريد البوح لها بوَجْده، فقال لها: رحم الله علي بن الجهم! فقالت هي وقد فطنت لمراده: رحم الله أبا العلاء المعري! ففهم وانصرف.

ثم سألهم: ما مراده ومقصدها؟ فلم يعرفوا، فقال القاضي: يريد هو قول علي ابن الجهم:

عيونُ المها بين الرصافة والجسر...جلبنَ الهوى من حيث أدري ولا أدري

وتريد هي قول أبي العلاء:

أيا دارها بالخَيْف إن مزارَهُ ... قريبٌ ولكنْ دون ذلك أهوالُ

كان القاضي رحمه الله مجلسه يعدل جامعة، ففيه تسمع نوادر الأخبار والفتاوى والسنن وقواعد الأصول وتواريخ الرجال وأخبار العلماء والناس وأنسابـهم وأيام العرب ونكت الأدب والعربية، لقد كان أحوذيا برأسه، عيبه الوحيد أنه باليمن، وهي بلاد يخمل بـها ذكر العلماء كما نبَّه عليه العلامة عاكش!

مع أن علماء صنعاء كما يقول الحافظ العلامة عابد السندي: (طفتُ أكثر البلدان، فلم أرَ مثل علماء صنعاء في التحقيق للعلوم، والاشتغال بالحديث، والتحري في العبادة والمعاملة بما صحَّ به النص)

وأما أنا فلا أشبه شيخنا القاضي العمراني إلا بالقاضي العلامة المعافى بن زكريا النهرواني الجريري، وبالقاضي العلامة هشام بن أحمد الوقَّشي، وبالقاضي العلامة الحسن بن عبد الله السيرافي، والقاضي العلامة أبي جعفر البحَّاثي الشافعي، ونظرائهم من القضاة الذين استجمعوا العلوم والمعارف والآداب والظرف، وقل أن تجتمع في القضاة!

وليس على الله بمُسْتَنكر ... أن يجمع العالم في واحدِ

وإنما كان مخالفوه -ولا سيما من بعض عقلاء أتباع الوادعي- يحضرون مجالسه، لما يجدونه عنده من العلوم التي يزهد فيها شيخهم، وقد حل بمصر يوما بعض أتباع الوادعي ممن كان يعظِّم القاضي، فاتصل بي مراراً فلم أرد لانشغالي، فقال ملاطفا: رُدَّ علينا؛ فما أنت بتلميذ للألباني أو ابن باز أو ابن عثيمين، أنت فقط تلميذ العمراني!

فقلت له: قد كان القاضي أجمع للعلوم والمعارف منهم، فإنه أفقه من الألباني وأعلم منه بالمذاهب والأصول والتفسير والعربية، وأعلم منه ومن الشيخين بالتواريخ والأدب والأخبار والأنساب، وما هو بدونـهما في الفقه، فانقطع.

ومن منهج القاضي تعظيم الرجال، ولا سيما من يتعانى صناعة العلم من الفضلاء، وفي مثله يقول القائل:

وما عبَّر الإنسانُ عن فضل نفسه...بمثل اعتقاد الفضل في كل فاضلِ

وإن أخسَّ النقص أن ينفي الفتى...قذى العين عنه بانتقاص الأفاضلِ

وقد حضر مجلسه مرة الشيخ أبو الحسن السليماني، والقاضي لم يره من قبل، فجلس السليماني بين يديه، وسلم عليه، ثم انصرف.

فقال القاضي –وكانت له فراسة- من هذا، كأنه من أهل الفضل؟!

فقيل له: هذا أبو الحسن صاحب مأرب، فقال: سامحكم الله، هلا أعلمتموني حتى ألبس العمامة!

وفي حَجة من حجات القاضي اجتمع بالشيخ ابن باز رحمه الله، وجرى ذكر القات، فقال الشيخ: لا يحل تعاطي القات، فطالبه القاضي بالدليل، فأورد حديث النهي عن كل مسكر ومُفَتِّر، فاعترضه القاضي بأنه شاذ لا يصح، فقال الشيخ: صحَّحه الألباني، فقال القاضي: في حفظي أنه شذَّذه!

فأمروا من يكشف عنه في كتب الألباني، فظهر صواب ما قاله القاضي، فتبسَّم الشيخ، ثم اتفق أن القاضي حج العام القابل، فورد على الشيخ في جمع حافل، والشيخ يسلم عليهم ويستقبلهم على عادته في المبالغة بإكرام ضيوفه والاحتفال بـهم، فلما صافحه القاضي، قال له الشيخ: العمراني؟

قال القاضي: فعرفني بمس يدي قبل أن أتكلم!

وكان القاضي يذكر العلماء بالفضل -حتى من يتكلم فيه- وقد سمعته مراراً يثني على معرفة الوادعي بعلل الحديث، ويذكر بالفضل من يجري في مجلسه ذكرُهم من العلماء، ويذكر من أخبارهم ما يحفظه، ويرغب بمشاهدة صور من لم يلقه منهم.

وقد قال لي يوما: أشتهي أن أرى الحافظ السيد بدر الدين الحسني الدمشقي، فقلتُ له: سيدنا، أنا أحضر لكم صورته، فذهبت إلى مكتبة جامعة الإيمان -وكان أمينها الأستاذ عادل صديقا لي، وكذا من يعمل بـها من أولاد سماحة الشيخ المسند قاسم البحر- فاستعرت منهم (أعلام الزركلي) وجئته بصورته، فتأملها وترحَّم عليه وقال: كان يلبس الجوخ مثلنا!

ولم تكن الطبعة المصورة من (الأعلام) عند القاضي، فإنه إنما طالع منه طبعته العتيقة.

وقد ذكر لنا القاضي فضل العلامة عبد الكريم زيدان رحمه الله، وذكر أنه جمعه معه الباص الذي ينقلهما إلى جامعة الإيمان، فقلت له: هل تذاكرتما؟

فقال: لا، لأنه طويل الصمت، يذكرك صمته بأبي حنيفة.

وكان القاضي يحب الكلام في العلم ونوادره، وهذا كما أن مجلسا جمع ابن دقيق العيد وابن تيمية، فذكر ابنُ دقيق العيد ابنَ تيمية بالفضل، فقيل له: هل تناظرتما؟ فقال: لا، لأنه يحب الكلام، وأحب أنا الصمت.

على أنـهما قد تباحثا أحيانا، فذكر لي فضيلة الشيخ الدكتور عادل الحرازي حياه الله وبياه، أنه كان يكون معهما في الباص، فيستقبل القاضي الحديث مع العلامة زيدان، ويعرض عليه مشكلات فقهية، فكان العلامة زيدان يجيب أحسن جواب ويحقق النقل من الكتب الكبار كـ(مغني الموفق) و(مجموع ابن تيمية) ويستحضرهما استحضاراً عجيبا، فيدعو له القاضي، وكان شيخنا العلامة زيدان يثني على شيخنا العلامة القاضي ويطريه ويذكر فضله.

وكان يذكر فضل علماء الأمصار كالشيخ علي الطنطاوي؛ يذكره بكل جميل، ويقول: كان عاقلا، طلبوه أن يدرِّس في المملكة السعودية ما وقع بين الصحابة في الفتنة، فامتنع وأشار عليهم بأن الأولى تدريس مادة تاريخ الفقه، ليتمكن الطالب من معرفة كيفية نشوء المذاهب، وتتسع مدارك النظر عنده، فيعرف أصول ومآخذ الأئمة في مذاهبهم.

وكان يقول: علماء العراق أنظر، وعلماء الشام آدب، وعلماء مصر أظرف، وعلماء المغرب أحفظ!

ويقول: أربع رجال هم رؤوس الحديث في هذا العصر: الغماري والكوثري والمعلمي والألباني.

قلت: الغماري أحفظهم، والكوثري أعلمهم، والمعلمي أشدهم تحقيقا، والألباني أوسعهم اطلاعا على الطرق والتخريج، وقد صنف الحافظ الذهبي جزءاً أسماه: (أربعة تعاصروا) يذكر فيها هذا النوع من المفاضلة بين أربعة حفاظ تعاصروا، وهذا كالذيل عليه.

ويقول القاضي رحمه الله: شرح ابن عقيل لمن أراد أن يفهم النحو، وشرح ابن هشام لمن أراد أن يحقق النحو.

وسئل عن ابن الأمير -الصنعاني- والشوكاني: أيـهما أعلم بالتحقيق في المسائل؟ ففضل ابن الأمير، فقيل له: لكن الشوكاني أجود تصنيفا وأكثر! فقال: السيوطي أجود تصنيفا وأكثر من ابن دقيق العيد، ومع هذا: ابن دقيق العيد أعلم بالتحقيق منه.

وأورد عليه إنسان قول الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الأوقاف السعودي، في أن الشوكاني ليس بمحقق في الحديث، لأنه يقلد الحافظ ابن حجر غالبا، كما قال!

فقال القاضي: يلزمه أن ابن عبد الوهاب ليس بمحقق في الحديث، لأنه يقلد الحافظ ابن حجر أيضا، وهو لا يقوله.

وفي القاضي ظرف ونكتة بلطف، وما أكثر نوادره ولطائفه، كان يذكر عن أبي حنيفة قوله: (التحدث بمُلَح العلم وأخبار أهله، أحبُّ إليَّ من كثير من الفقه).

وفي درس رمضان قبيل العصر، حضرت طفلة ومعها ورقة من أُمِّها، وفيها سؤال للقاضي: فكشف عنه وقرأ: هل لك يا فضيلة القاضي أن تقطع الدرس حتى ننهي صنع اللحوح قبل الإفطار؟

واللحوح: طعام يمني يصنع في رمضان.

فضحك القاضي وقال: لحَّت المرأة تُلح لحوحا وإلحاحا، إذا صنعت اللحوح، وإذا نكدت عليك!

وسمعته يحكي عن قاض من غلاة الزيدية كان يتعصب على الشوكاني، ويطعن في نسبه، ويقول: يـهودي!

ثم اتفق أن هذا القاضي مرض، فانقطع عنه الناس إلا الشوكاني، فإنه عاده في بعض أصحابه، ولما هم بالانصراف دس له تحت وسادته مالا يتبلَّغ به.

فقال هذا القاضي للشوكاني وأمسك بيده: رضي الله عنك يا شوكاني، لو أنك يـهودي سيغفر الله لك!

وسألته مرة: لم لا تظهر في برنامج مع أولي العلم، الذي يبث من راديو صنعاء؟

فقال: قد كنتُ أظهر فيه ضيفا، وكان يحيى الدُّرَّة -مقِّدم البرناج- يستقبل أسئلة المستفتين، ثم يبتدر جوابـها قبلي، فقلتُ له: ولم تستضيف العلماء إذا كنت تجيب على الأسئلة، وانقطعت عنه.

وكان القاضي نوَّر الله مرقده ينصف من نفسه، سأله صديقنا عبد الناصر المعلمي -من ولد العلامة المعلمي- أيهما أعلم، أنتَ أم العلامة محمد بن أحمد سلامة؟

فقال: تشتهي الحق، سلامة أعلم!

وهذا من فرط تواضعه وهضمه لحق نفسه، رحمه الله ورضي عنه.

ولشيخنا القاضي من التواليف (مجموعة فتاوى) و(نظام القضاء في الإسلام) وقد أهداهما لي، وذكر له السيد عبد السلام الوجيه جزء (الزيدية في اليمن) وكان مقلا من التصنيف مع التمكن التام منه، والاقتدار عليه لسعة علومه، لكن صرفه عن الإكثار منه أن عامة أوقاته مشغولة بإشغال الطلبة، مستغرقة في الإفتاء والقضاء وصناعة الرجال.

ولهذا كثر تلاميذه والآخذون عنه، وهم على طبقات، فأعلاهم قدراً وأجلهم ذكراً، فضيلة العلامة الشيخ عبد الوهاب بن لطف الديلمي رحمه الله، وكان قد توفي قبل شهرين، ومثل فضيلة القاضي الشيخ محمد الصادق مغلس حفظه الله، وذكر لي الشيخ عادل الحرازي أن القاضي محمد الصادق كان يقول: كنا نحضر دروس القاتضي بمسجد الفليحي قبل خمسة وأربعين عاما، وكالدكتور الشيخ علي الظبياني وطبقتهم.

ثم تأتي طبقة تليها مثل الدكتور عادل الحرازي وكان معيداً لدروس القاضي بجامعة الإيمان، ومثل الشيخ عبد الله الحاشدي والشيخ فضل مراد والشيخ أحمد المصباحي، ونظراء هؤلاء ممن لازم دروسه في جامعة الإيمان.

ثم طبقة ممن لازمه في مسجد الزبيري، كصاحبنا الفاضل عبد الحميد آل أعوج سبر، والدكتور عبد الرحمن العيزري والدكتور محمد غنيم المصري الطبيب وكان يخطب في مسجد الزبيري والشيخ عبد الرحمن الأغبري مصنف كتاب (حياة القاضي العلامة العمراني وجهوده العلمية) وغيرهم.

على أننا لو جمعنا شروح القاضي وطبعناها كما صنع أصحاب الشيخ ابن عثيمين مع شروحه، لجاءت في مجلدات حافلة، كشرح (بداية المجتهد) وشرح (الدراري المضية) وشرح (إرشاد الفحول) وغير ذلك، هذا عدا فتاويه المنثورة كما مر، وهي من الكثرة بحيث يعسر الإحاطة بـها واستيعابـها.

ومن تأمل ما جمعه الأستاذ عبد الرزاق العمراني من نوادر والده القاضي وفوائده في كتاب (السفينة) استيقن فرط اطلاعه على كتب التاريخ والأدب ومُلَح العلم.

ومن لطائفه أني سمعته يقول: إنه اشتهى قديما في أيام الطلب أن يعلم اسم المدينة التي نزلها أصخاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إبان الهجرة إلى الحبشة.

فكتب رسالة إلى برنامج (السياسة بين السائل والمجيب) الذي كان يبث من إذاعة (BBC) فجاءه الجواب بالاعتذار لعدم معرفتهم بـها بعد البحث، قال القاضي: ثم وقفت على اسمها في بعض تواريخ اليمن، وأنه (مَنْكَر العلامة) فكتبت به إليهم!

وقد سألت أنا بالقاهرة رئيس اتحاد طلبة أثيوبيا، حين جاء لإلقاء محاضرة في مسكن الطلاب التابع للندوة العالمية للشباب الإسلامي، عن اسم هذه المدينة فلم يعرفه، فذكرت له جواب القاضي فتعجب!

ومن فوائده في هذا المعنى أنه ذكر في فضائل أهل اليمن أن رجلا من أعيان قبائل أرحب يقال له قيس الأرحبي، بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على النصرة عندما كان يعرض نفسه على القبائل، وواعده من العام القابل في الموسم، ولكن سبق بـها الأنصار.

ومن فوائده أنه ذكر أنه حضر مجلس سمر فيه أعيان العلماء بصنعاء، فذكر لهم فيه أنه استقرأ التاريخ، فظهر له أنه لم يلِ الحكم أحد ممن اسمه إبراهيم إلا مات مقتولا.

قال: فلما انصرفنا، نمت تلك الليلة، فما شعرت إلا بابنتي توقظني على خبر مقتل إبراهيم الحمدي رئيس اليمن السابق.

فقال له بعض الحاضرين: وإبراهام لنكولن رئيس أميركا مات مقتولا!

هذا؛ وقد استبطأ بي القلم عن رقم هذه السطور، وبقيت أقدم رجلا وأستأخر بأختها، لما بي من الوجد على رحيل هذا العَلَم المفرد، فقد كان القاضي لي كالوالد، يتعاهدني إذا غبت، ويدنيني إذا حضرت، ويرسل في طلبي إذا عن مجلسه يوما استأخرت.

وفي البال مع فضيلة القاضي من سوانح الذكريات، ولطائف الأخبار والمذاكرات، ما يشنف الأسماع، ويطرب القلب بلا إيقاع، لكن الخوف من الإكثار الذي هو مظنة الملال، ومجلبة السآمة بالأخبار الطوال، تحملان على الإقلال، وقد بسطت شيئا منها في (فوائد الرحلة) وبالله التوفيق.

وفي شيخنا القاضي رضي الله عنه ونوَّر مرقده، يُنشد بحق:

تراه من الذكاء نحيفَ جسمٍ ... عليه من توقُّده دليلُ

إذا كان الفتى ضخمَ المعاني...فليس يضرُّه الجسمُ النحيلُ

رحم الله سيدنا وشيخنا سماحة الوالد العلامة الرباني، مجتهد القطر اليماني، الملقب فيه حقا بالشوكاني الثاني، وألحقه بالصالحين، والحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه على سيد المرسلين، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الغُر أجمعين.