عليه الله ألقى فيض حب (عبد السلام عثمان)

في أوائل سنة 2018، كنت أطالع منشورات صفحتي...وبعضها كان بقلمي، حيث تناولت فيها هجرتي إلى إسطنبول، وتركت زوجي تكرر المحاولة تلو الأخرى لتلحق بي...وكان القارئ لما أكتب يُحس بأثر المشكلة علي، وفجأة نبهني البرنامج على ورود مكالمة صوتية... ففتحت الخط.. وجرى الحوار الآتي:

-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...أهلًا بك يا أخي.

- أنا عبد السلام عثمان. من بانياس، طبيب أسنان. مقيم الآن في المدينة المنورة..

أنا: حياكم الله يا أخي...وبارك فيكم.

أخذت أسأله عن بعض من أعرف من بانياس، فانفرجت أساريره، وزادت رغبته في المضي بالحديث معي..

- أراك تعاني من مشكلة لحاق زوجتك بك في إسطنبول...

أنا: نعم.. والمشكلة تكمن في أن بعض الأوراق المطلوبة ليست جاهزة تمامًا لأسباب بينتها له.

- وأنا أرغب أن أذهب إلى إسطنبول، وحالتي تشبه حالتك.. لكن وضعي الصحي حرج، إذ أعاني من "ديسك" في فقرات الظهر...

أنا: شفاكم الله وعافاكم....

وعلمت منه أن له ابناً قد توفي وهو في ريعان الشباب...فتأثرت كثيرًا.. وألقى الله ألفة بيننا من غير أن ألتقيه..

- إذا وصلت إلى طريقة لإنجاز ما نريده فأخبرني..

أنا: بإذن الله...

بعد فترة يسر الله على كلينا أمره... لكن مشكلة "كورونا" لم تمكنا من الالتقاء... ويسر الله لي عن طريق صديق مشترك أن نلتقي أحيانًا من خلال برنامج "زوم" فعرفته عن قرب، وعرفت فيه الرجل المؤمن الصابر المحتسب، ولديه من شتى العلوم ومعارفها ما يغنيه في كثير من المسائل، وعرفت فيه تحقق الإيثار والحب الخالص لوجهه تعالى.... واليوم هزني نبأ وفاته فحزنت عليه، كما هو حال كل من عرفه أو استمع لحديثه..

رحمك الله يا أبا أنس، ورفع مقامك في عليين، وجعل لك مقعد صدق عند مليك مقتدر...وجمعنا بك تحت لواء سيد المرسلين في جنات رب العالمين...

وهذه قصيدة قلتها راثيًا إياه فأسأل الله أن يؤجرني عليها، وينفع بها:

أتذكر ما جرى يا "زوم" فيْـكا===لديــك لقـاؤنـا، ولــدى أخيــكا(1)

ألا فاشهد بأنـا قــــــد فقدنــا===فتًى كم كان محْـبــوبًا مليـــكا

أبا أنسٍ، أتعرف عنه شيئًا؟!===فكم بالنّــور زيّــن صفحتـيــكا

أتدري من يكون أثير صحبٍ===بدرب الحق كان لهُــم شريـكا

أبو أنسٍ أخـــو صـدقٍ وعـزمٍ===لكــلِّ سجــيّـــةٍ حسنى يُــريْـكا

أبو أنس، كتَــــابَ اللــه يتــلو===وتحسبُه، إذا يقــضي، شُـريكا(2)

إذا صـاحبْــــــتَه يَــــومًا تــــراهُ===رفيْــــقًا صـــالحًا يحْـــنــو عليكا

خَـدومًا دائمًا يسعــى لخـــيرٍ===وينبذ من يضـــرّكَ أو يشــيْـكا(3)

إذا ما لاح خــطْبٌ من بعيــدٍ===يحثُّ خُطاهُ نحْوك كي يقيــْكا

إذا ما احتجت شيئًا ذات يومٍ===يُسارعُ كي يمُـــــدّ يــدًا إليْــكا

وإن، سهـوًا، أتى لَمَــمًا تجده===يهــمّ لــقـــاك حــالًا..يرتضيْــكا

وإن واجهتُـــــمـــا أمْـرًا خطيرًا===يدعْـكَ تليْــهِ فيـْــــهِ ولا يليـــكا(4)

ولا يَـــشــكــــو إذا رزْءٌ أتــــــــاهُ===يرى كشف البــلاء غدا وشيكا

عليـه اللــه ألْقى فيــض حبٍّ===وقـــال اصبِـــرْ فـإني مُبْــتليْكا

فَغُيِّبَ في سجون الظلم ردحًا==فلم يخضعْ،ولمُ يُبْدِلْ سلوكا

ألا فاهْــــــنأ أبـــــا أنس بــــظلٍ===لجنـَّــتـــه حبيُبكَ يصْطفــيْـــكا

ألا يا ربّنـــــا فارحَـــــمْ أخَــــــانا===أبـــــــا أنسٍ ومُـــدّ لــه يـدَيْـــــكا

أتاكَ وقلبُه لك في اشْتيــاقٍ===ألا أكْـــرمه إذ أمســــى لديْــكــا

(1) برنامج آخر مثل زوم يُدعى (ميتينك) ومعناه [تقابل] أو قريب من هذا

(2) شُريك: قاض في التاريخ الإسلامي مشهور بنزاهته وعدله.

(3) يشيكا: من الوشاية، أي يخبر عنك بسوء ليوقع فيك الأذى.

(4) أي يسبقك لمواجهة الخطر.