مدرسة الإقراء الشريف بحمص ومشايخها -14-

انتقلت مدرسة الإقراء الشريف إلى مسجد المرحوم الشيخ عبد العزيز عيون السود في أرض الملعب البلدي وظن البعض أن سيدي الوالد الشيخ محمد جنيد أو غيره سيعتذر عن الدوام لبُعد المعهد حيث أصبح في أقصى غرب البلد، ولكن همة المشايخ العالية انتصرت على بعد المكان بالصبر والمصابرة

وحتى تعلموا عن علو همة المشايخ سأذكر لكم عن مشوار الشيخ محمد جنيد اليومي عدا يوم الجمعة من اقصى شرق حمص حيث بيته هناك إلى اقصى غربها حيث المعهد العامر

يوميا يخرج الشيخ من بيته قبل الفجر بأربعين دقيقة تقريبا قاصدا مسجد الحميدية حيث يصلي الفجر إماما فيه، وهذا المسجد كان محطة استراحة للشيخ حيث بعد صلاة الفجر مباشرة سيتم مشواره إلى المعهد في أقصى الغرب بأربعين دقيقة أخرى والكل يعلم ان غالب العام الدراسي في الشهور الباردة من السنة والجميع يعلم شدة البرد في حمص وكثرة الثلوج والرياح العاتية خصوصا وأن الشيخ محمد رحمه الله ابن السبعين سنة متجه في كل مشواره من الشرق إلى الغرب والكل يعلم عتو الرياح ما بين جامع الحميدية وجامع الشيخ عبد العزيز بمعنى أنه يواجه بصدره الرياح العاتية الآتية من الغرب إلى الشرق والمشوار بجزأيه قبل الفجر من بيته لمسجد الحميدية أربعون دقيقة مشيا وبعد الفجر اربعون دقيقة مشيًا من مسجد الحميدية إلى مسجد الشيخ عبد العزيز حيث المعهد هناك كما ذكرت لكم وهذا مشوار يومي حيث الثلوج والرياح والضباب والأمطار، ويتحدث الشيخ نفسه وهو يبتسم فيقول: صدقوني انه كان يحدث بيني وبين الرياح الغربية العاتية صراع ومغالبة وكثيرا ما وقعت على الأرض لأنهض وأتابع فالعباءة تمتلأ هواء وهذا يشكل عبئا وضغطا على الشيخ، وإذا سألتم الطلاب والأساتذة وأهل المسجدين والجميع كم يوما يغيب الشيخ عن صلاة الفجر أو عن المعهد في العام يأتيك الجواب منهم بالإجماع بأننا عندما يكثر الثلج وتشتد الرياح نقول: إن الشيخ لا يمكن أن يحضر اليوم إلى صلاة الصبح فضلا عن حضوره إلى المعهد لكننا نفاجئ بأن الشيخ دخل مسجد الحميدية لصلاة الفجر قبلنا وكذلك أهل المعهد يقولون: هذا اليوم لا يمكن ان يحضر الشيخ وإذا بهم يرون الشيخ يدخل المسجد بعباءته وجبته وقد ربط رأسه بلفحة كبيرة تقيه شدة البرد يدخل وهو يبتسم وفورا يبدأ بتسميع الطلاب القرآن الكريم ويجمع الطلاب على أن هذا العناء لا يزيد الشيخ إلا سرورا وأنسا ونفسا طيبة

وإذا كانت النفوس كبارا=تعبت في مرادها الأجسام

إنه الإيمان بوعد الله، إنه الإيمان بالأجر الذي يناله هؤلاء على نصبهم وتعبهم.

رحم الله الشيخ عبد العزيز ابو عبد الرحمن، ورحم السيد الوالد أبو ممدوح، ورحم الله أستاذ المعهد الشيخ عبد الغفار مندو، ورحم الله الشيخ محمد الغجري وكل أساتذة المعهد وحفظ الله الشيخ محمد تميم الزعبي وجميع من هم من أسرة المعهد المبارك وبارك في أهل القرآن كلهم الذين هم أهل الله وخاصته …