العالم الرباني الشيخ إبراهيم الغلاييني (8)

1300- 1377 هجرية

1882- 1958 ميلادية

1. رسالته لابنه الشيخ سعد الدين:

أرسل الشيخ رحمه الله هذه الرسالة عام: 1952 لابنه سعد الدين وابن ابنه محمد خير عندما كانا يدرسان في الأزهر الشريف وأذكر هنا بعض الفقرات لنتعرف على أسلوب الشيخ في التوجيه والإرشاد:

الحمد لله القائل: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء} والصلاة والسلام على سيدنا محمد أكمل الخلق على الإطلاق، وعلى آله وصحبه ومحبيه وأتباعه وحزبه، رزقنا الله إتباعهم ومحبتهم آمين.

وبعد.... فالسلام عليكم وعلى من معكم ومن في ذلك الطرف من الأحباب والإخوان ورحمة الله وتأييداته وتوفيقاته، وسهل الله لي ولكم الرفيق والطريق.

يا أولادي... الأماني كثيرة، ولكن الأمر جد وعمل وسعي مبارك ضمن نطاق الكتاب والسنة وطبق التأسي بأهل السنة. جعلنا الله تعالى معهم في الدنيا والآخرة.

اعلموا أن روح نهجهم إسقاط الدعوى جملة، واتهام النفس والنظر للخلق بعين الكمال. والإنصاف معهم، والأدب مع جميعهم، وفقني الله تعالى وإياكم لذلك وجعل السير طبق الشريعة الغرَّاء، ورزقنا الاجتهاد على حفظ آدابها. آمين.

أؤكد عليكم أن تغضّوا الطرف عن فظائع ذاك الطرف الذي حللتموه، وتفتحوا الأعين في زهرة تنقبون عليها وهي: مرشد يرشدكم الطريق علماً وعملاً، وهمة واجتهاداً، فهذا ينسيكم كل ما وصفتم من تلك الأخطار، وأن تغرقوا الوقت باجتهاد على ما علمتموه من طرفنا من وصايا وآثار وجدتموها فكأنكم أنتم وربكم سبحانه، وقاطعوا كل من يأتيكم بفظائع وأحوال تلك الديار مما يشغل البال، ويكدر اللب ولو كان أياً كان بعد نصحه وردعه.

التماسك(1): أن أخصك بشيء، هو قلبك كلما وجدته مستجمعاً على حب السنة المطهرة، وإقامة آدابها، وعلى ذكر مولاك فاعلم أن الخير أجمعه عندك، ومن أخصه رضى والديك بعد رضى مولاك، وآية ذلك: وجدان رضاك عن ربك وحمده وشكره القلبيين كيفما تقلبت الأحوال، وفقت لذلك وسهل الله تعالى لكم ما هنالك.

ثم قال في ختام رسالته.... أؤكد الوصية أيضاً عليكما أن لا يكون الرجا إلاّ بكرمه سبحانه وقربه منكما أقرب من كل قريب، ورحمته سبحانه أرحم من كل رحيم، وأنَّ يا ولدي صلاة ركعتين في السحر ومثولك بين يدي مولاك ورجاؤك له وطلبك منه اشرف من مجلسك لجنب أعظم ملك من ملوك الدنيا. فاطلبوا من ذلك الرب الحكيم بلجأ صادق تعطوا، ويجب أن يكون لجوؤكم إليه صادقاً وأنتم طلاب العلم الديني، فأؤكد عليكم أن تستغنوا بعلمه سبحانه ورحمته وأن لا تفتقروا لغيره سبحانه والسلام عليكم ورحمة الله.

تلاميذه

اتبع الشيخ في نشر العلم الأسلوب التقليدي الذي كان متبعاً في عصره وذلك من خلال عقد الحلقات العلمية في المسجد وبخاصة بعد صلاة الفجر. وقد نفع الله بعلمه عدداً من طلبة العلم تفاوتوا في مراتب التحصيل ولكنهم جميعاً استفادوا وأفادوا حيث كتب الله تعالى على أيديهم متابعة نهج الشيخ في الدعوة والتعليم والإرشاد.

وفد على الشيخ طلاب من أماكن مختلفة فإلى جانب قطنا وقراها أتاه بعضهم من دمشق ومن البقاع الغربي في لبنان أيضاً. وسأعطي فيما يلي فكرة موجزة عن أكثر تلامذته أخذاً عنه حسب ما توفر لدي من معلومات(2).

1- الشيخ محمد بدر الدين الغلاييني:

وهو أكبر أولاد الشيخ، وخليفته في الوعظ والتعليم. وسماه بهذا الاسم تيمناً باسم شيخه الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله. وقد لازم والده لفترات طويلة وأفاد منه أيما إفادة إخلاصا، وعلما وسلوكا، وجرأة في الحق، والتزاما بآداب الإسلام، تلقى عنه القرآن الكريم والعلوم الشرعية منذ نعومة أضفاره، ثم أتم تحصيله العلمي في مدرسة الشميصاتية خلف الجامع الأموي بإشراف العلاَّمة: توفيق الأيوبي.

تولى الإمامة والخطابة في عدد من مساجد ريف دمشق، ومدينة الزرقاء بالأردن، اشتهر بالجرأة في قول الحق، ولحق به الأذى – ومنه السجن- من أجل هذه الجرأة فصبر محتسباً الأجر عند الله سبحانه.

وقد اكتسب هذه الجرأة من والده رحمه الله كما عرفنا من صفاته، حتى ضجّ منه الإنكليز عندما كان إماما في مدينة الزرقاء الأردنية وشكوه للأمير عبد الله لفتاويه الجريئة فطُلب منه مغادرة الأردن.

عاد الشيخ إلى قطنا وأكرمه الله بالقرب من والده مساعداً له في الإمامة والخطابة ونشر العلم بالجامع العمري، وقد استمر في الخطابة فيه بعد وفاة والده، ثم انتقل للخطابة في جامع إبراهيم الغلاييني بعد اكتمال بنائه في أوائل الستينات من القرن المنصرم.

عُيِّن مدرساً دينيا لقطنا من قبل وزارة الأوقاف عام 1947 م واستمر على ذلك، مع الخطابة في جامع الشيخ إبراهيم إلى أن استقال عام 1981م، بعد أن زادت الضغوط على أهل العلم فرفض التزلف لأحد إلاّ لله سبحانه وتعالى.

لم يكتف الشيخ بعمله الرسمي، وقد فتح الله على يديه بعقد حلقات العلم لطلاب العلم الشرعي في دمشق إلى جانب جهوده العلمية والدعوية في قطنا، وكانت له هيبة مشهودة، ومواقف على المنبر تنبي عن إيمان صلب لا يتزعزع. (3) توفي رحمه الله في جدة عام 1991م وأكرمه الله بالدفن في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة، والتي تضم في تربتها أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها. تغمده الله بواسع رحمته وفضله.

2- الشيخ عبد الله الغلاييني:

وهو خليفته في الفتوى، ولد عام 1924م نشأ في كنف والده وتلقى عنه القرآن الكريم، وقرأ عليه عدداً من كتب اللغة والفقه، ومن كتب اللغة التي قرأها عليه: شرح شذور الذهب لابن هشام، التحق بالمعهد الشرعي التابع للجمعية الغراء ثم انتقل للثانوية الشرعية التابعة لمديرية الأوقاف بدمشق، ثم تابع الشيخ تحصيله العلمي وبخاصة في الفقه الإسلامي على يد الشيخ حسن حبنكة في جامع منجك بحي الميدان، وكذلك على يد مفتي سورية آنذاك الشيخ الدكتور: أبو اليسر عابدين في الحلقات العلمية التي كان يعقدها لطلبة العلم.

عٌيِّن الشيخ بعد تخرجه إماماً وخطيباً لمسجد خوبان بحي السمانة في دمشق واستمر فيه لعشر سنوات، ثم عُيِّن خطيباً لجامع الزهراء بحي المزة بدمشق سنة 1958م وحتى عام 1975م.

عُيِّن مفتياً لقضاء قطنا عام 1957م من قبل وزارة الأوقاف بعد أن شعر والده بالضعف لتقدمه في السن، وقد بارك والده هذا الاختيار داعياً له بالتوفيق والسداد وتوفي بعد هذا بستة أشهر رحمه الله.

أضيفت إلى الشيخ عبد الله رئاسة شعبة أوقاف قطنا عام 1970م فتابع ما بدأ به والده من مهام في الإفتاء والدعوة والإرشاد، فتابع الجولات الدعوية التي كان والده يقوم بها لإحياء شعائر الإسلام في قرى قضاء قطنا، كما أشرف مع لجنة مباركة من قطنا على بناء مسجد الشيخ إبراهيم في قطنا حتى اكتمل بناؤه – وهو أكبر جامع في قطنا آنذاك – فصار أول إمام له، كما تعاون مع أهل الخير والفضل في قطنا في إنشاء جمعية البر والتعليم الإسلامي والتي أشرفت على إنشاء مدرسة إسلامية، مع تقديم الإعانات للأسر المستورة، ولا زالت تقوم بأعمالها الخيرية حتى الآن والحمد لله.

دأب الشيخ على متابعة نهج والده في نشر العلم فكان يعقد دروس العلم في جامع الشيخ إبراهيم بما يتناسب مع وقته، وقد استمر في منصب الإفتاء حتى أحيل على التقاعد عام

3- الشيخ سعد الدين الغلاييني:

ولد في مدينة دمشق عام 1347 هـ الموافق 1928م وهو الابن الرابع بعد أشقائه الشيخ محمد بدر الدين والشيخ أحمد والشيخ عبد الله، وقد ترعرع في أكناف والده العالم الشيخ إبراهيم، ونهل من معينه الثر، وتربى على القرآن والسنة والآداب الإسلامية، وتأثر بوالده المربي والعالم أيما تأثر، ونشأ على حب الصلاح والتقوى وطاعة الله وطلب العلم.

درس العلوم الدينية الأساسية على يد والده العالم المربي، ثم التحق بالمدارس الرسمية حتى نال الشهادة الثانوية العامة وكذلك الثانوية الشرعية، ثم ابتُعث لتفوقه ونبوغه إلى مصر لإكمال دراسته الجامعية العليا في الأزهر الشريف

تلقى القرآن الكريم ومبادئ العلوم الشرعية على يد والده، فقرأ عليه في علم الحديث: نوادر الأصول والترغيب والترهيب والبيان والتعريف في أسباب ورود الحديث، والهدية العلائية، وقدراً من حاشية ابن عابدين في الفقه الحنفي، والتحق بالتعليم الرسمي، ثم درس في الثانوية الشرعية التابعة للأوقاف وكانت وقتها في سبع طوالع – زقاق النقيب – ثم التحق بالأزهر الشريف وتخرج منه عام 1955 م.

أنهى دراسته العليا في مصر وعاد إلى بلده عام 1955م، وعُين من قبل الوزارة مُدرساً للعلوم الشرعية، متنقلاً في ثانويات سوريا بين مدن درعا والنبك ودمشق، ثم استقر في دمشق إلى آخر حياته، وكانت هده الفترة مليئة بالعطاء والبذل، واستفاد منه الكثيرون من أبناء سوريا والسعودية حيث دَرَّس فيها أيضا في المعاهد العلمية في تبوك والباحة والطائف. ولا زال كثير من رجالات سوريا والسعودية يَذْكُرونه بالخير ويُثنون على إخلاصه وخدمته لرسالته التربوية والتعليمية.

واستمر في التدريس الرسمي حتى سن التقاعد، ثم تابع مسيرته العملية ورحلة العطاء من روحه ونفسه في المعاهد الشرعية في دمشق، وأغلبها كان حُسبة لله، وبذل جُل وقته وعطائه في معهد الفرقان الشرعي الخيري في حي المهجرين – جادة المرابط القريب من منزله- وكان هذا المعهد متخصصاً في احتواء وإعداد طلاب العلم من غير العرب من جميع أنحاء العالم الإسلامي ومن أفريقيا وشرق آسيا والبلقان وأوربا وتركيا.

4- الشيخ محي الدين القادري:

وهو من أبناء قطنا، ولد عام 1315هـ وبدأ طلبه للعلم على يدي الشيخ في فترة مبكرة جداً وذلك بعد إكماله للصف الخامس الابتدائي، ومن الكتب التي قرأها على الشيخ:

- فن التوحيد: شرح الجوهرة (جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم اللقاني) والسواد الأعظم في الكلام لابن القاسم إسحاق السمرقندي تـ 422.

في أصول الفقه: شرح الورقات للإمام الجويني، المستقصي للغزالي، الموافقات للشاطبي

في الفقه: متن الغاية والتقريب وشروحه، والمنهاج للنووي في الفقه الشافعي، ومجمع الأنهر في ملتقى الأبحر في الفقه الحنفي.

في الفرائض: شرح الرحبية والسراجية، وحفظ القرآن الكريم على يديه، وقرأ عليه بعض كتب التفسير كابن كثير، وطرفاً من تفسير الرازي والقرطبي والخازن والنسفي، كما قرأ عليه أيضاً بعض كتب اللغة العربية، وكان مواظباً على دروس شيخه سواء في المسجد أو المنزل، وقد نفع الله بعلمه كثيراً من أهل قطنا وقراها، خاصة وانه عمًّر طويلاً حتى ناهز المائة.

5- الشيخ طه بن محمد الأطرش:

وهو من قرية كناكر التابعة لقضاء قطنا، وقد أتى به والده إلى الشيخ وهو ابن عشر سنين على الأغلب قائلاً: هذا ولدي وهبته لك، وقد مكث عنده تسع سنوات تلقى خلالها مبادئ العلوم الشرعية والعربية، وقد نبغ بعلم الفرائض (المواريث) ورجع لقريته إماماً وخطيباً ومرشداً، وكان من توفيق الله سبحانه له أن تزوج ابنة الشيخ، وقد مدّ الله في عمره فتوفي عن اثنين وثمانين عاماً، وكتب الله له القبول عند الناس لعلمه ودماثة خلقه فكان المرجع العلمي - وبخاصة في الفتاوى الإرثية - لقريته وللقرى المجاورة لها خلال تلك السنين المديدة تغمده الله بواسع رحمته.

6- الدكتور محمد أديب صالح: (4)

كان من أنجب تلاميذ الشيخ، وكان محبوبا وأثيرا لديه، وبلغ من ذلك أن زوجه بابنته الصغرى، وفتح الله عليه علما وخلقا بفضل الله سبحانه ثم بفضل ملازمته للشيخ في فترة هامة من حياته هي فترة الصبا والشباب. حيث شرف بالمداومة عند الشيخ رحمه الله بين سنتي: 1938 و 1939م ومع التعليم كانت له عناية خاصة به اذ توسم في النجابة فدربه على الخطابة والتدريس في جامع العمري بقطنا، وبث فيه روح الحمية للإسلام، وغرس في نفسه حب العربية والعناية بها مما كان له أكبر الأثر في بناء شخصيته العلمية والروحية.

انتسب إلى الكلية الشرعية بدمشق عام 1944م فتابع دراسته المتوسطة والثانوية فيها وحاز على شهادتهما، وضم إليهما مثيلتهما في التعليم العام الحكومي بجهده الشخصي. أوفد للأزهر عام 1946م فتابع تحصيله فيه اضافة إلى التحاقه بكلية الحقوق- جامعة القاهرة مما مكنه من التخرج منهما معا. عين مدرسا في دور المعلمين في سوريه عند عودته لها، ثم معيدا في كلية الشريعة بدمشق ثم أوفد ثانية إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة حيث تابع دراسته العليا ليحصل على درجة الدكتوراه في الحقوق فرع الشريعة الإسلامية بمرتبة الشرف الأولى مع تبادل الرسالة مع الجامعات الاجنبية، وموضوع الرسالة: (تفسير النصوص في الفقه الإسلامي.) بدأ بالتدريس بكليتي الشريعة والحقوق بجامعة دمشق أواخر عام: 1964م، ثم ترأس قسم علوم القرآن والسنة بكلية الشريعة وأسندت اليه رئاسة تحرير مجلة حضارة الإسلام في العام نفسه بعد وفاة العالم العامل الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله. كما تولى الخطابة بمسجد جامعة دمشق لسنوات عدة.

انتقل إلى جامعة الامام محمد بن سعود بالرياض وترأس قسم السنة النبوية بكلية أصول الدين لسنوات عديدة ثم انتقل أستاذا إلى جامعة الملك سعود.

له العديد من المؤلفات في أصول الفقه وعلوم الحديث وموضوعات إسلامية أخرى متنوعة.

7- الشيخ توفيق شرقية:

وهو لبناني من قرية خربا روحا في البقاع، جاء به والده إلى قطنا ليدرس على يد الشيخ وهو ابن ثماني عشرة سنة، فتلقى مبادئ العلوم الشرعية والعربية، وحفظ القرآن الكريم مع إتقان أحكام التجويد، كما أنه تعمق في الفقه الشافعي، ولما رجع إلى بلدته: (خربة روحا) في البقاع رافقه شيخه رحمه الله، وتم تعيينه إماماً وخطيباً لمسجد البلدة، وأوصى أهل بلده به خيرا، كتب الله للشيخ توفيق المحبة في قلوب الناس، وتنقل بعد ذلك في عدد من قرى البقاع إماماً ومرشداً، أمد الله في عمره، وقد توثقت صلة الشيخ إبراهيم بأهل قرية خربة روحا خاصة، والقرى المجاورة لها عامة، فكان يخصّهم بزيارات دعوية كما سبق ذكره. وأترك المجال للشيخ توفيق يحدثنا عن علاقته بشيخه رحمه الله. (5)

إنّي في سنة 1952 توجّهت إلى طلب العلم الشّرعيّ في سوريا / على يد العلاّمة العارف بالله سيّدي الشّيخ ابراهيم وتاج رأسي الغلاييني، ومن توفيق الله زيارة العلاّمة الشيخ إبراهيم لبلدتنا خربة روحا في جولةٍ دعويّةٍ بين قريتنا والقرى المجاورة فاغتنمت الفرصة لأسأل ولده العالم الجليل محمّد بدر الدين الغلاييني عن إمكان طلبي لعلمٍ شرعيٍّ في سوريا، وقام معي بالبحث عن مدرسةٍ أو حلقاتٍ شبابيّة، ولمّا لم يتيسّر ذلك عرض عليّ أن أدرس عليه وعلى والده الشّيخ إبراهيم، وانشرح صدري لذلك، وفرحت بقبوله لي تلميذاً ثمّ قبول سيّدي والده الشّيخ إبراهيم أن أكون له تلميذاً وخادماً وكان هذا شرفاً كبيراً وفتوحاً عظيماً، وبدأ لقائي بالشّيخ محمّد يدرّسني الفقه على مذهب الإمام الشّافعيّ من كتاب عمدة السّالك وعدّة النّاسك، وفي النّحو في شذور الذّهب لابن هشام ثمّ في شرح ابن عقيلٍ على ألفيّة ابن مالك، بعدما حفظت منها الكثير، وفي حفظ متن الزبد للرّملي رضي الله عنه في الفقه، وقد شارفت على آخره عن ظهر قلب، وهناك متون في الفرائض كالرحبيّة والسراجيّة فضلاً عن حفظ القرآن الكريم والتفسير والحديث الأربعين النوويّة ثمّ رياض الصّالحين، ثمّ كتب حمدي عبيد رحمه الله المختارة من البخاريّ ومسلمٍ وغالبها عن ظهر قلب، مع الإمامة التي أكرمني سيّدي الشّيخ إبراهيم حيث يخطب ولده الشيخ محمّد الجمعة، ورغم أنّ عمري في التاسعة عشرة فقد أقنع الشيخ إبراهيم عليه رحمات الله تتوالى من قدّمني عليهم من الكبار في السنّ، وعندهم العلم والقرابة من الشّيخ أنّ المقام يحتاج إلى الإذن من الشيخ، والشّيخ يتصرُّف حسب الشريعة، وقد قدّم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسامة بن زيدٍ على أبي بكرٍ وعمر وعمره ثمانية عشر عاماً، وقدّم عتاب بن أسيد للإمامة وعمره ثلاثة وعشرين عاما. وكنت أستمع من سيدي الشيخ ابراهيم الدروس في الصبح والعصر وأحضر الختم النقشبندي بعد صلاة الجمعة حيث لا يبقى من بحصره بدون أن يبكي من خشية الله، وذلك بعد صلاة كل جمعة مما يجلي القلب ويجدد ايمانه وصفاءه).

8- محمد بدر الدين عابدين:

وهو عالم دمشق بدأ حياته في الخدمة العسكرية ضابطاً في آخر العهد التركي، وبعد انتهائه منها تتلمذ على يدي المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني، ثم لحق بالشيخ إبراهيم في قطنا، ولزمه وطلب العلم الشرعي عليه وأحبه حباً شديدا لمسته بنفسي حيث التقيته مراراً.

لقد فتح الله عليه في مجال التربية والتعليم فكان مديراً للمدرسة الابتدائية في قطنا في أول عهد الفرنسيين، ثم انتقل إلى دمشق مدرساً وواعظاً في المسجد الأموي وخطيباً في أكثر مساجدها، ثم غدا مديراً لعدد من المعاهد الشرعية في دمشق والتي كان لها اهتمام خاص باستقبال وتعليم طلاب العلم الشرعي الوافدين إلى سورية من غير العرب كالأتراك وبعض البلدان كالبوسنة والهرسك، فقد كان رحمه الله متقناً للغة التركية، وهذه المعاهد هي: معهد العلوم الشرعية في حي باب الجابية، ومعهد الفرقان بجانب جامع المرابط في حي المهاجرين بدمشق.

1 - يعني ابنه سعد الدين لأنه طلب من والده أن يخصه بنصيحة (وهذا ما أخبرني به عمي الشيخ سعد نفسه)

2 - استقيت معظم معلومات هذا البحث مما أفادني به والدي حفظه الله، ومما ورد في كتاب: (العلماء المعاصرون غرر الشام في تراجم آل الخطيب الحسنية ومعاصريهم) للشيخ عبد العزيز محمد سهيل الخطيب الحسني.

3 - شهدت له بنفسي ثلاث خطب مشهورة لا أنساهما. وقد هاجم في إحداها المقال المنسوب للمدعو: ابراهيم خلاص حيث كتب مقالا كفريا صرفا في مجلة حكومية اسمها: جيش الشعب. وقد حبس الشيخ على إثرها بقلعة دمشق، والأمر ذاته حصل مع والدي، وكنت أزورهما في السجن.

4 - إستقيت هذه المعلومات من الدكتور محمد أديب صالح أطال الله في عمره.

5 - هذا ما وافاني به الشيخ توفيق شرقية كتابة عندما التقيته في البقاع في لبنان صيف عام2009م