الأستاذ الداعية المربي علي بن مصطفى المصطفى

٢٠١١/١٩٤٥

قدر الله أن يكون اللقاء الأول بيننا في نقابة المعلمين بإدلب منتصف عام 1976 م على غير ميعاد، لمراجعة النقابة بشأن تحويلنا عن أماكن سكنانا بتهمة تعميق التدين في صفوف التلاميذ، و لم يستطع نقيب المعلمين آنذاك أن يفعل شيئا أمام تقارير الحزب و المخبرين... فمضى كل منا إلى مكان عمله الجديد، وقبل أن يصل الأخ علي إلى القرية المنقول إليها سبقته توصية، فنقل إلى ملحق تابع لها يقع ضمن الأراضي الزراعية في منطقة الغاب، وكان الوقت شتاء والمواصلات عسيرة مما يلزمه أن يحضر من أريحا مبكرا إلى مقر المدرسة، ليمضي ماشيا بين الحقول إلى الملحق..

كان عدد التلاميذ قليلا وهو المعلم الوحيد، في غرفة طينية، إذا انتهى من تدريسهم، أطل من النافذة ليرى من يمر به من الفلاحين والرعاة! فينادي على الراعي ليسأله إذا ما كان مسلما – وهو كذلك – هل تصلي؟ فيجيب:لا! فيقول له: ما رأيك أن أعلمك الصلاة؟ فإن احتج بأنه أمي ولا يحفظ أذكارها، وأن وراءه عملا؟! أقنعه بأن يجلس قليلا...فإن أبى شدّد عليه وحـذّره وذكّره؟!!

كان ذنبه هو الالتزام بالإسلام والدعوة إليه وتبليغ الناس رسالته وقيمه وقد صدق أستاذنا الشهيد إبراهيم عاصي في خطبة له مشهورة في جامع معرة حرما بعد نقل المعلمين وتسريحهم: لئن أبعدنا عن الطلبة فإننا سنلاقيهم في المساجد وفي الشوارع وفي كل مكان، فيا أيها الناس حافظوا على أبنائكم فهم فلذة أكبادكم من أن يـُـسرقوا منكم "

و لكن هذا الإبعاد وهذا الإرهاق والسفر يوميا ً، والمشي في الطرق الطينية لم يمنعه من التردد إلى قرى جبل الزاوية وقد انتشر فيها الفكر الدخيل والعقائد الباطلة وغدا للماركسيين من يسمع إليهم، فاستطاع – بفضل الله – مع الأخ المنشد الشيخ أحمد بربور أن يردا كثيرا من الشاردين ليتوقف بعد ذلك هذا المد، ويعود لجبل الزاوية – وقد تجاوز عدد القرى فيه الثلاثين – وجهه الإسلامي ومنهجه المحمدي.

كان الأخ علي- رحمه الله -عف اللسان ذا أدب جم لم يستجرّه الانتصار للنفس إلى السقوط ورد الإساءة بمثلها، إلى من أساء إليه.

وفي عمـّان الحبيبة قضى سنواته الأخيرة وقد أثر فيه المرض، واستبد به القلق على دعوته، وأذكر من كلامه –رحمه الله -: إن الظروف لا تحول بين الداعية والمشاركة في العمل والدعوة، فلرب قريب لا ينتفع منه، ورب بعيد وكأنه في وسط الصراع.

وأذكر هنا كلاما للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: إذا لم تكن من أنصار الرسول في المعركة، فكن من حراس المتاع، فإن لم تفعل فكن من نظـّارة الحرب الذين يتمنون النصر للمسلمين، ولاتكن الرابعة فتهلك؟!

ولم يكن – غفر الله له – من الرابعة – حفظنا الله والمسلمين منها – أسأل الله الرحيم الغفور أن يشملك – يا أبا عبد الله – بمغفرته وعفوه وكرامته مع إخواننا الذين سبقونا بالإيمان والهجرة والشهادة والصبر والمرابطة.

وعليك سلام الله ورحمته، وجعل أبناءك قرة عين فلا ينقطع عملك، بل يستمر أجرك بصلاحهم إن شاء الله.

كانت وفاة الأخ علي في 13 محرم 1432 في مدينة عمـّان.