كلمات في رثاء الشيخ عدنان السقا (11)

معلم الصفاء والنقاء

الشيخ عدنان السقا في جوار المضيف

الأستاذ حسام السباعي

بأيِّ كلام أرثيك يا سيدي أبا فهمي!

فالأقلام جفت مدادها، والألسنة بكم، والقلوب منفطرة، والعيون منهمرة، والأرواح حزينة على فراقك.

فقد عرفتك عن قرب لعقود من الزمن، من جامع الباشات، إلى منبر جامع العثمان في حمص ومن ثم إلى جامع الهدى في جدة، ذاك المسجد بشموخه الذي أنار هدى وضياء بوجودك فيه لعقدين من الزمن، سقيته وسقيت أهله الكرام بدموع الحب قبل العلم، وبرحيق الصدق قبل الدروس، فأحبك كل من حضر الصلوات والخطب والتراويح والقيام من نساء ورجال وأطفال، فكانت ملائكة الرحمن تحفه من كل جانب، أضاءت نورا وضياء على أهل الحي وكل من جاوره.

لم تر عيناي ولن ترى رجلا مثلك يا سيدي شيخ عدنان، لما وهبك الله من الصفات النبوية المحمدية، خلقا وخلقا، نبلا وتواضعا، بساطة وأناقة، سلامة صدر طاهر أبيض، روح مفعمة بالحب لكل الناس، خدمة منقطعة النظير لا يستطيع أحدنا معشارها، حسن ظن بجميع البشر، لسان يتأفف عن كلمة غيبة أو نميمة، حنان وعطف على المساكين والضعفاء، احتضان حقيقي لطلاب العلم.

بذلت جاهك ونفسك في خدمة الناس، عرفت منهم أم لم تعرف، فكنت الملاذ الآمن لكل من يقصد بابك، كم مريض لا يملك ثمن العلاج أدخلته المستشفيات، وكم فقير سددت فقره، وكم صاحب حاجة قضيت حاجته، وكم طالب علم وقفت معه وشجعته، وكم إصلاح ذات بين قمت بها، وكم وكم ....، ماذا أعد يا سيدي، فالكلام كثير لا تحمله تلكم الأوراق ولا تستطيعه الألسن.

كنت شخصية مميزة فريدة منقطعة النظير، لما حباك الله من تميز على جميع الأصعدة، وكل ذلك كان ظاهرا على محياك بأن ذلك هبة من الله لا تكلف فيه، وشهد لك كل من عرفك بصفات الجمال والكمال وحسن الخلق.

حبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجري في دمائك وعروقك، لا يخفى على جليسك منذ الدقائق الأولى، فكنت تتمثل بقوله عليه الصلاة والسلام: " أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون"، فأحبك كل من عرفك وجالسك، أحبوك حبا صادقا خالصا لا تكلف فيه، وكانوا لا يتمنون مفارقة مجلسك المبارك.

أما احترامك للعلماء الكبار الربَّانيين وأساتذتك الكرام أمثال الشيخ وصفي المسدي رحمه الله، والشيخ عبد الغفار الدروبي رحمه الله، والشيخ محمد علي المراد رحمه الله، والقائمة تطول، وتواضعك بين أيديهم، فقد كان ذلك دروسا عملية للجميع، ولطلاب العلم خاصة، شهدت ذلك في مواقف كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها.

صبرك على فراق ولدك فهمي رحمه الله قبل أكثر من 22 سنة كان درسا لكل أب يفقد فلذة كبده، فبعد أن أفطرنا معك في المدينة المنورة بحضور المشايخ الكرام الشيخ محمد عوض رحمه الله والشيخ عبد الغفار الدروبي رحمه الله، ثم انصرفنا جاءك الخبر الصادم بوفاة ولدك البكر فهمي في حمص، فكان صبرك عند الصدمة الأولى، وبقيت أيام التعزية ومواقفك الربانية في تلك الأيام العصيبة الحزينة محفورة في أذهاننا، تعلمنا منها الدروس الكثيرة، رأينا فيها معنى الصبر الحقيقي عندما يفقد الإنسان ولده.

على مثلك فلتبك البواكي، على مثلك فلتحزن القلوب، على مثلك فلتحن المنابر، على مثلك فلتحزن الأرض والمساجد، فقد تركت فينا فراغا لا يمكن أن يملأه أحد غيرك.

عظم الله أجركم علماء وأهالي مدينة حمص، عظم الله أجركم علماء وأهالي سوريا والعالم الإسلامي، عظم الله أجركم آل السقا الكرام، وآل الجندلي الكرام، وصبرا صبرا على الفراق، عظم الله أجركم كل أفراد عائلة الشيخ عدنان وأصهاره وأحبابه وطلابه، فعزاؤنا الوحيد أننا نؤمن بقضاء الله وقدره، وبأن الأجل انتهى، ونؤمن بأن الدنيا فانية وستنتهي لا محالة، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: " إنا لله وإنا إليه راجعون ".

عزاؤنا وفرحتنا أن الله أكرمك غاية الإكرام، فقد نزلت بضيافة المضيف الذي استضاف سيد البشرية والكائنات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة المنورة، نزلت في ضيافة سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وهل هناك أكرم من هذا المضيف!!! فهنيئا لك هذه الضيافة، وهنيئا لك هذا النزل المبارك.

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله، اغفر لنا إذا صرنا إلى ما صار إليه، واختم لنا بحُسن الخاتمة، والحمد لله رب العالمين

كتبه المحب / حسام السباعي - 13 / 1 / 2021

خواطر من وحي وفاة الشيخ المربي الفاضل عدنان السقا رحمه الله تعالى:

لا حطت وكما لا حظ الكثيرين في جنازة الشيخ ومجالس عزائه رحمه الله كمية الثناء والمديح الصادق للشيخ وكذلك مقدار الحب الجارف الذي ظهر من مريديه وطلابه ومن جميع الناس من عرفه ولازمه، وممن عرفه معرفة سطحية، وممن التقى به ولو لمرة واحدة.

حقيقة" لم أجد أحدا أعرفه أو أسمع به من السوريين نال هذا الحب الجارف الصادق من ملايين الناس سوريين وعربا وأتراك، كما ناله الشيخ عدنان رحمه الله.

ما هذا الحب والتقدير والاحترام للشيخ الجليل والمربي الفاضل، كل من عرفه أحبه، كل من شاهده أحبه، كل من جالسه ولو لمرة واحدة أحبه.

تساءلت بيني وبين نفسي: ما الذي فعله الشيخ رحمه الله لينال هذا الحب والتقدير، هل بسبب علمه الغزير، أم بسبب دروسه وخطبه ومواعظه التي يلقيها هنا وهناك، أم بسبب كونه شيخا بارزا وفاعلا من شيوخ الثورة السورية.

حقيقة لم أستطع أن أجد سببا لهذا الحب الجارف سوى سبب واحد وهو:

ما حمل في قلبه (رحمه الله) من حب جارف صادق لله عز وجل ولحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فنال بهذا الحب حُبَ الله له،

فكان كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله عبدا نادى جبريل، يا جبريل، إني أحبُّ فلانا فأحبَه، فيُحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يُحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ويُوضع له القبول في الأرض".

اللهم ارحم شيخنا وأستاذنا المربي الفاضل الشيخ عدنان السقا وارحم جميع مشايخنا وعلمائنا وأساتذتنا وأصحاب الحقوق علينا ووالدينا.

اللهم ارزقنا سلامة الصدر وطهارة القلب، وارزقنا ايمانا كاملا يباشر قلوبنا

واجعلنا يا مولانا ممن قلت فيهم: {يحبهم ويحبونه} و {رضي الله عنهم ورضوا عنه}.

عامر السباعي