الشيخ أسامة الرفاعيّ بين مرض البدن وعافية المواقف

يتابع الّذين يعرفون الشيخ أسامة أخباره هذه الأيام ساعة فساعة، وذلك بعد أن علموا بمرضه، يتابعونه حبّاً ودعاءً ورجاءً لله أن يمدّ بعمره ويكتب له وافر الصّحة وعاجل الشّفاء، يتابعونه لأنّهم عرفوا فيه العالم الّذي ينحاز إلى الحقّ باذلاً في سبيله النّفس والنّفيس، وقد عرفت الشّيخ أسامة منذ ربع قرن معرفةً قريبةً دقيقةً، وعرفتُ مواقفه الكبيرة الّتي لا يقوى على مثلها إلّا النّوادر من العلماء على مرّ العصور.

• بداية استلام بشار الأسد الحكم في سورية ذهب ليصلي الجمعة في مسجد الشّيخ عبد الكريم الرّفاعي _ رحمه الله تعالى _ حيث يخطب الشيخ أسامة، أهداني وقتها الشيخ أسامة تسجيلاً لخطبته تلك، استمعته مراراً، وما كنتُ أظنّ أنّ عالماً في سورية يجرؤ أن يتكلّم كما تكلّم الشيخ أسامة أمام بشّار الأسد، محذّراً له من غشّ الأمّة، ومنذراً من عقاب الله، وداعياً إلى إصلاحٍ بصدق من غير مجاملة، تكلّم ناصحاً صائناً للعلم مؤدّياً لأمانته حقّ أدائها، ولم تكن هذه الخطبة فريدة الخطب للشّيخ، بل كانتْ خطب الشّيخ أكثرها فرائد، تتناول القضايا المهمّة السّاخنة، وتترك أثرها البنّاء على روّاد المسجد، وأبعد من ذلك شاغلةً حيّزاً واسعاً من صناعة الثّقافة الجامعة بين الأصالة والمعاصرة، مشكّلةً أملاً لأبناء الأمّة، مقلقةً لأجهزة أمن النّظام وأعوانه.

• كانت الثورة السورية الامتحان الأكبر للعلماء، الذين انقسموا إمّا مع الحقّ والأمّة، أو مع نظامٍ مجرمٍ دمّر حضارة البلاد، وقتّل أهلها وشرّد أبناءها، ومنذ اليوم الأوّل الذي بدأت فيه الثورة في درعا اتّصل بي الشّيخ، وطلب منّي أن نلتقي، فذهبت إليه وأخبرته تفصيلاً عمّا يجري في درعا، فقال لي : ماذا تطلبون منّي، قلتُ نريد موقفاً منك على المنبر، تقول فيه الواقع والحقيقة التي أخبرتك عنها، وتنصر فيه أهلك الذين يُقتلون في درعا، وقد وعد وكان خير من وفّى، فكانت خطبتُه الأولى بعد بداية الثورة مثالاً لخطبة العالم الذي يصدع بالحق وينصر أمّته، ويدعو إلى رفع الظّلم عن البلاد وأهلها، ولم يكتفِ بهذا، بل جاء إلى درعا في أحلك الظّروف وأشدّ الحصار مع أخيه الشيخ سارية _حفظه الله _ والتقى بأهل درعا في مبنى البلدية، وقال لهم : لقد جئتُ إليكم بغرضٍ واحد، جئت لأكون معكم وبينكم أنفّذ ما تأمرونني به، وهذا الموقف من الشّيخ يدلّ على الوفاء والأصالة الكبيرة عنده، فعلاقتُه بأهل حوران قديمة منذ أن كان يدرّس في مدينة جاسم أيّام شبابه، وأوثق هذه الصّلات تلك الّتي كانت بين والده العلاّمة الشّيخ عبد الكريم الرّفاعي وبين العلامة الشّيخ عبد العزيز أبازيد _رحمهما الله تعالى _، أذكر هنا أنّ الشّيخ أسامة زارني في بلدي نوى عام ٢٠٠١، ثمّ علمنا أنّ الشّيخ عبد العزيز أبازيد هو أيضاً ضيف في نوى، فقلتُ للشيخ أسامة هل تأذن أن أذهب وأدعو الشيخ عبد العزيز، فقال بل نحن جميعا نذهب إليه، وذهبنا على غير ميعاد، ويالروعة اللقاء، وعذوبة المشهد الّذي طفح فيه السّرور على وجه الشّيخ عبد العزيز لينطلق لسانه قائلاً للشيخ أسامة : 

مِن أطيب الطّيبات قتل الأعادي=واختيالٌ على متون الجياد

ورسولٌ يأتي بوعد حبيب=وحبيبٌ يأتي بلاميعاد.

إنّ ما يربط الشيخ أسامة بحوران وأهلها أيام الرخاء شيء كبير ووثيق جدّاً، وأجلّ من أن يُحصرَ في مقال، ولقد أثبت الشيخ وفاءه لها أيّام الشدة والامتحان وفاءً يدلّ على أصالة معدنه وصادق أخوّته.

• إنّ من أبلغ المقارنات في رُتب العلو والفضل مقارنة مداد العلماء بدماء الشّهداء، فكيف إذا بذل العلماء دماءهم ليكتبوا بها صفحات العزّ على جبين التاريخ؟

لقد كانت هذه هي أروع الأوسمة الّتي زيّنت صدر الشيخ أسامة الرفاعيّ، يوم أن ضربه عناصر نظام الإجرام في سورية بعد صلاة الفجر ليلة القدر، ضربوه ليتخلّصوا منه حتّى خرّ على الأرض فاقداً للوعي، وظنّوا أنّه قد فارق الحياة، ولكنّها عناية الله التي حفظته لأمته ليزيد في مواقف العزّ والرجولة عطاء ، وهي التي نسأل الله تعالى أن يحيطه بها اليوم ويحفظه.

• الشيخ أسامة مهاجراً

تجلّ عن الحصر المواقف الرائعة والمشرفة التي وقفها الشيخ أسامة في بلاد هجرته، وقفها استمراراً في الذود عن الحق وأهله، أذكر من هذه المواقف موقفاً ومثالاً واحداً، ولو لم يكن للشيخ غيره لكفى به موقف رجولة وفخر وإباء وعز :

دُعي الشيخ لحضور مؤتمر في تركيا ( البلد الذي يقيم فيه الشيخ)، يضم المؤتمر وفودا لمعظم دول العالم الإسلامي، تمثّل هذه الوفود الجهات الشرعية والعلمية والمرجعية والدعوية في بلدانها، وكان المؤتمر برعاية وحضور رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، وقد سأل الشيخُ أسامة الذين وجهوا له الدعوة قائلاً : هل سيحضر المؤتمر ممثلون عن المرجعيات الإيرانية، قالوا له:نعم، ونريد منك أن تلقي كلمة في المؤتمر، فقال الشيخ نعم، ولكن اتكلّم بدون أن يكون هنالك قيود أو شروط على الكلمة،و أن تكون كلمتي بعد كلمة الوفد الإيراني، قالوا له:نحن موافقون، ولكن رجاؤنا أن تقول ما تريد بشئ من "الدبلوماسية"، وفعلاً تكلّم الشيخ بعد كلمة الوفد الإيراني، أمّا عن " الدبلوماسية" في كلمته، فقد كانتْ قصفاً عنيفاً دون هوادة، قصفاً لجبهة إيران وإجرامها وحربها على الأمة، ووحشيتها وعدوانها على الأبرياء والنساء والأطفال في سورية، وتفريقها للمسلمين وتدميرها للحضارة، وإذكائها للطائفية، كانت كلّ مفردة في كلمة الشيخ رصاصة حق في جبهة الباطل، وأي رصاص أبلغ من الكلام الحق الذي يأتي في وقته وحينه نصرةً للأمة والمظلومين من أبنائها، كانت " دبلوماسية" تليق بالموقف حملتْ الوفد الإيراني على أن يحتجّ و يغادر المؤتمر منسحباً مفضوحاً مخذولاً أم حشود العلماء من مختلف دول العالم.

إنّ المواقف الكبيرة للشيخ أسامة التي تنضح عافية هي التي تجعل الألسنة اليوم تلهج إلى الله بالدعاء أن يكتب له في بدنه وافر الصحة والعافية.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين