الدكتور عبد الستار أبو غدة الفقيه الأصولي

رحم الله تعالى أستاذنا العالم الفاضل الفقيه الأصولي الاقتصادي الدكتور عبد الستار بن عبد الكريم أبو غدة الذي توفي في مدينة مونتريال بكندا ليلة الجمعة السادس من ربيع الأول ١٤٤٢ عن ثمانين عاما.

وهو عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة، وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومتخصص في الفقه الإسلامي المقارن، وخاصة فقه المعاملات المالية والدراسات المصرفية الإسلامية، إضافة إلى خبراته الواسعة في دراسة الزكاة والأوقاف، وفقه المحاسبة والمراجعة، والدراسات القانونية، والدراسات التربوية، وتحقيق المخطوطات، والطب الإسلامي.

ولادته ونشأته ومراحل دراسته:

والدكتور عبد الستار أبو غدة من مواليد حلب في ١٨ ذي الحجة ١٣٥٨الموافق ١٩٤٠/١/٢٨، وقد رعاه الشيخ عبد الفتاح في شبابه وأدخله دار الحفاظ حيث حفظ القرآن الكريم.

ودرس الشريعة والحقوق في جامعة دمشق في آن واحد، وتخرج في الأولى سنة 1964 وتخرج في الثانية سنة 1965، ثم واصل دراساته العليا في جامعة الأزهر بمصر، فحصل على ماجستير في الشريعة عام 1966، ثم ماجستير في علوم الحديث عام 1967، وحصل على الدكتوراه في الشريعة في الفقه المقارن عام 1975 من جامعة الأزهر.

أعماله ووظائفه:

وعمل الدكتور أبو غدة مدرسًا لمادتي اللغة العربيةوالتربية الإسلامية في سورية بين 1961 و 1965، ومدرسًا لأصول الفقه في المعهد الديني بالرياض خلال سنة 1966، ومدرسًا للفقه والحديث في المعهد الديني بالكويت بين 1974- 1976، ومدرسَا في كلية الشريعة وكلية الحقوق في جامعة الكويت بين 1983- 1986وأستاذًا زائرًا في معهد صالح كامل للدراسات الاقتصادية الإسلامية في جامعة الأزهر بين 1990- 1991.

وهو باحث وخبير بالموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف بالكويت منذ إنشائها لغاية عام 1990 م. وعضو مجلس المعايير والمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية منذ 1995 حتى الآن. بالإضافة إلى أنه عضو وخبير في العديد من المؤسسات المالية والمجامع الفقهية. 

وللدكتور أبو غدة العديد من المؤلفات، منها: 

الخيار وأثره في العقود، دور الفقه الإسلامي في العصر الحاضر، والأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية،وبحوث في الفقه الطبي والصحة النفسية من منظور إسلامي، دليل الزكاة.

كما كان معدًّا ومقدّمًا للمادة العلمية لعدد من البرامج التلفزيونية، وهي " مواسم الخير" و" تجارة عن تراض"، و" فقه الأسواق" .

والدكتور عبد الستار هو ابن عبد الكريم الأخ الأكبر لفضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وابن عم الدكتور حسنبن عبد الغني شفاه الله وعافاه، وهو من أقران شيخنا العلامة المحدث محمد عوامة في مراحل طلب العلم .

وقد بنى مسجداً في حلب بحي الحمدانية، وسمَّاه مسجد الإمام الكاساني، على اسم الفقيه الكبير أبي بكر بن مسعود الكاساني صاحب " بدائع الصنائع" المتوفى بحلب سنة 587 ، وهو مسجد جميل وواسع، وساحته كبيرة.

تزوج الفقيد السيدة الفاضلة أميمة ابنة المرحوم الحاج عبد العزيز حبابا، ولهما من الأولاد: تميم وعمار ووضاح وشيماء، والمرحوم شادي.

كتب الدكتور أنس مصطفى الزرقا عن مساهمة الفقيد د الشيخ عبد الستار أبو غدة في إخراج "شرح القواعد الفقهية" للشيخ أحمد الزرقا :

ذلك أن جدي الشيخ أحمد قد ترك عند والدي الشيخ مصطفى شرحه للقواعد الفقهية مسودات مكتوبة بقلم الرصاص متفرقة غير منظمة، مع مبيضة نسخها أحد تلاميذه فيها أخطاء نسخ كثيرة بعضها فاحش. فكان لا بد حتى تصلح للطباعة من إعادة تبييضها وتصحيح أخطاء النسخ وإدخال علامات الترقيم الحديثة. 

وحالت دون ذلك مشاغل والدي الشيخ مصطفى وبخاصة بعد أن انتقل للتدريس في جامعة دمشق،

إلى ان قيض الله للشيخ مصطفى في الستينيات (.. أحد طلابنا النجباء هو الأستاذ عبد الستار أبو غدة فكلفته.. في تبييضه بالصورة اللائقة. وكان في حسن فهمه لما ينسخ ضمان كاف لتصحيح أخطاء المبيضة السابقة...) .

استغرق التبييض بضع سنين حيث بدأ في دمشق وتم في الكويت. 

وهكذا قدر الله لشرح القواعد الفقهية ان يبعث من مرقده في طبعته الأولى عام ١٤٠٣ هـ/١٩٨٣م بعد خمس وأربعين سنة على وفاة مؤلفه الشيخ أحمد. 

ومع كل هذا الجهد الفائق ظهر في الطبعة الأولى أخطاء كثيرة تم تصحيحها في الطبعة الثانية المتداولة حاليا على ما بينه الشيخ مصطفى في مقدمته . لكن لولا الأولى لما كان للثانية أن تظهر.

اللهم ارحمهم واغفر لهم جميعا ، وأجزل المثوبة للشيخ عبد الستار أبو غدة على معونته في إخراج ( شرح القواعد الفقهية ) للناس" انتهى.

صفاته:

اتسم الفقيد بالرزانة والسكون وبالتواضع الجم والبعد عن البهرجة الزائفة، وكانت له في الخير أياد بيض كثيرة لا يعلمها إلا الله.

كتب فضيلة الشيخ عبدالله نجيب سالم _ وهو الذي عرف الدكتور عبدالستار من أكثر من خمسين سنة أو يزيد _ ما يلي :

(رحم الله الأستاذ الدكتور الشيخ عبد الستار أبو غدة وغفر له وأكرم نزله ووسع مدخله وأدخله الجنة ورفع مقامه في عليين وإنا لله وإنا إليه راجعون 

. كان خلوقا هادئا طيب المعشر لم يدخل في خصومات مع أقرانه ولا يعرف له عدو .

. كان شديد الانتباه حاد الذكاء لمَّاحا .

. كان غزير الإنتاج سريع الكتابة حسن الخط دقيق العبارة .

. كان يتقن فن المخارج وحل المشكلات بالالتفاف حول العوائق والممنوعات

. كان متفرساً في طلبة العلم يرعى النبهاء ويدفع المتميزين إلى الأمام ويشجع الواعين ويفتح لهم الأبواب.

. كان يستفيد من وقته إلى أبعد الحدود فتراه يكلم أكثر من واحد ويتعامل مع العديد في وقت واحد وشئون شتى .

. كان متوقد الذهن قوي الذاكرة يستحضر المتون ويحفظ مواطن المسائل في المراجع ويناظر بقوة ولا يكاد يغلب ...رحمه الله تعالى ).

وفاته:

توفى الشيخ مصابًا بالكورونا في كندا وقد جاءها زائرا لابنه الأكبر الأستاذ تميم، وكأن الله سبحانه وتعالى كتب للشيخ أجر الشهيد الغريب لما ورد في الحديث: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: "تُوُفِّيَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا لَيْتَهُ مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ".

اللهمّ تغمده بواسع رحمتك، وأسكنه فسيح جناتك، واجمعنا به في مستقرّ رحمتك.. تحت ظلّ عرشك يوم لا ظلّ الا ظلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا، وألهمنا وأسرته الكريمة الصبر والرضى وحسن العزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين