تعريف....و رثاء عبد الغفار عزيز

 

وهوى النجم الساطع رحمه الله ‏مع الخالدين

قال سبحانه و تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)‏ ‏سورة الرحمن 26-27. ‏

بمزيد من التسليم لقضاء الله وقدره تلقينا نعي أخينا الحبيب الأثير العالم المفكر ‏الداعية المجاهد الشيخ عبد الغفار عزيز، نائب أمير الجماعة الإسلامية في ‏جمهورية باكستان الإسلامية ومدير الشؤون الخارجية فيها والأمين المساعد في ‏الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، يرحمه الله ويجزل ثوابه عن كل ما قدم لخدمة ‏الإسلام والمسلمين في بلده الأم و معظم البلاد الأخرى و عزاؤنا الكبير إلى أسرة ‏الفقيد و الجماعة الإسلامية والشعب الباكستاني وكل محبي الراحل الراغب في ‏جوار ربه تعالى.‏

وإنا إذ نتحدث عن شيء من رثاء حبيبنا الغالي إنما نرثي أنفسنا التي لا نعرف ماذا ‏يحدث لها أما الفقيد العزيز فقد ذهب إلى مولاه تعالى وهو الأرحم به وقد أفضى ‏إلى ما قدم.‏

ويحسن بنا أن نلفت نظر القارئ في رسالة العزاء والمواساة إلى بعض العلامات ‏الفارقة في حياة هذا الرجل الطيب وما أكثرها:‏

‏-‏ لقد نشأ المرحوم بإذن الله في أسرة متدينة محبة للعلم وقد وفقه الله بأن نهل ‏تحصيله العلمي بداية من المعهد الديني في دولة قطر وشبّ على عشق العلم ‏و البذل للدعوة الإسلامية والنشاط لها منذ يفاعته و صباه وانتسب بعد ذلك ‏إلى الجماعة الإسلامية في باكستان وكان لفيف كبير من الجيل المثقف ‏يتطلعون إلى فكر الإمام أبي الأعلى المودودي رحمه الله ومشروعه ‏الحضاري وهو الذي أسس الجماعة الإسلامية و ركز جهودا ضخمة للاهتمام ‏بالشباب و الطلبة و دورهم الفاعل في نهضة الأمة، وجاء بعده أمير الجماعة ‏الشيخ طفيل محمد ونهج سبيل التوفيق إلى أنهج طريق وبين هذه الفترة و فترة ‏تسلم أمير الجماعة الآخر السيناتور الشيخ القاضي حسين أحمد توثقت ‏علاقتنا بالأخ عبد الغفار حين كان يساعد مكتب أمير الجماعة في الشؤون ‏السياسية والإعلامية وكان إذ ذاك شابا مفعما بالحماسة والتضحية في ‏سبيل هذا الدين العظيم فلا يهدأ له بال ولاينام إلا قليلا وهو يعد المنشورات ‏والزاد المطلوب لأي تحرك مع الجماهير لتوجيهها إلى الطريق المستقيم، ‏وكان يشارك القاضي حسين في مظاهرات ينفر فيها عشرات الآلاف ‏لمناهضة كل ظلم يخرج من الحكومات المتعاقبة وخصوصا بعد مقتل الشهيد ‏ضياء الحق رئيس باكستان الأسبق . حيث جاءت رئيسة للوزراء بينظير ‏بوتو التي نجحت بانتخابات مزورة ومدفوعة الثمن حيث كنتُ في لاهور في ‏المنصورة بمركز الضيافة وأخبرني نائب رئيس الانتخابات بعد الفجر ‏بالنتيجة. وعرفتُ أن الأخ عبد الغفار رحمه الله كان متعجبا ومندهشا من ‏النتيجة وأكد بحس سياسي ناضج أن وراء الأكمة ما وراءها فثمة دوائر ‏سياسية خارجية وداخلية تعمل على هذه النتيجة لمصالحها ولإضعاف ‏باكستان في مقابلة الهند قوة ونفوذا وبعد ذلك رأيتُ اهتمام المرحوم قد ربا و ‏تنامى أكثر.. ومرة قلتُ له : أراك منشغلا بالسياسة غالبا فقال: لابد أن ‏نسجل النقاط في العمل والدأب لتوعية الشعب على الدوام ولو أن كل مسلم ‏أجاد نوعاً وكمّاً في تسجيل النقاط في كل بلد لكان الحصاد أفضل و القطف ‏أجمل. والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا أن الجهاد ماضٍ كما رواه أبو هريرة رضي الله ‏عنه ونقله في فتح الباري 6/66 . وروي موقوفا. والجهاد السياسي والعسكري والتبليغي وغيره كله داخل في هذا الباب مع تفاوت الدرجات. ‏ولذلك ازداد اهتمامه بهذا الموقع وأصبح بعد ذلك إضافة إلى عنايته بباكستان ‏مسؤولا عن شؤون العلاقات السياسية مع الجماعات الإسلامية في كثير من ‏البلاد ولا ننسى دفاعه عن المجاهدين العرب الذي اعتقلوا نتيجة انخراطهم في ‏الجهاد الأفغاني أثناء عهد رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف ومن جاء ‏بعده. وكان رحمه الله يخطب في المحافل الداخلية والخارجية المهمة مبيناً ‏النهج السياسي الأقوم بأسلوب صريح وأمثلة داعمة بصوت جهوري مؤثر ‏ومعبر وكان ذلك الأداء الخطابي يشبه خطابات القائد الشهيد مروان حديد. ‏هذا وقد كان ينشر مقالاته السياسية والإعلامية في مجلة (جسارات سندي ) ‏اليومية.‏

‏-‏ ولا يفوتنا أن نشيد باهتمامه الكبير وذوده المتقدم عن القضية الفلسطينية ‏وضرورة تحرير المسجد الأقصى من رجس اليهود المحتلين والصهاينة ‏الغاصبين كلما سنحت الفرصة تذكيرا للمسلمين والعرب وأحرار العالم ‏بذلك وكان رحمه الله يربط بين القضية الفلسطينية وقضية كشمير المسلمة ‏التي تعرضت في العام نفسه الذي احتلت فيه فلسطين لاحتلال الهند الظالم ‏كما حدثنا البروفيسور أليف الدين الترابي المتخصص في شؤون كشمير ‏وهكذا فلا تمييز بين قضية عربية و قضية إسلامية . ‏

‏-‏ ولا ننسى تنسيق الأستاذ عبد الغفار الدائم مع مكتب دار العروبة في ‏المنصورة برئاسة الشيخ المرحوم خليل الحامدي ومساعده المرحوم الغريق ‏الشيخ منهاج الدين الداعية النشيط الذي كان على تعاون وثيق متواصل مع ‏الأستاذ عبد الغفار رحمهما الله . وخصوصا في الجوانب التعليمية ومنها ‏وضع منهج دراسي لطلاب معهد الإمام المودودي رحمه الله الذي تشرفت ‏بعمل ما يخص الإسلاميات واللغة العربية فيه. جعل الله ثواب ذلك في ‏صحيفة الأخ عبد الغفار. ‏

‏-‏ ودفعا للإطالة فإننا نختم بعد أن أوردنا هذه الإضاءات السنية من حياته ‏رحمه الله وهي بعض من أخلاقه الأصيلة النبيلة و روحه المتوثبة وإخائه ‏العميق ومحبته المفرطة لأحبائه و خلانه وغيرته العظيمة على الإسلام و ‏المسلمين مع شدة تقواه رحمه الله ؛ نقرأ قوله تعالى (‏ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ ‏تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا ‏نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ‏ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)‏ 145 آل عمران. ‏

‏-‏ ونهدي إليه هذه الأبيات :‏

أيا عابد الغفار دمت عزيزنا=رحلتَ ولكن قد سكنتَ قلوبنا ‏

هويت كنجم ساطعٍ في سمائنا=وكنتَ مناراً في السناء وفي السنا

لقد فتَّ فيك الداء عزمَ بطولة=فطهّرك المولى مقاماً ومعدنا

وقد حزنتْ ’’لاهور‘‘ وانتحبت جوىً=وذا عالم الإسلام عج بنعينا

خسارتنا لا شك فيك كبيرة=وندعوك يا رباه تجبُركسرنا

فقد غبتَ يا ليث العرين عن الحما=وإن كنت حيًّا في مشاعر جيلنا

عطاؤك للإسلام زاد شبابنا =وعدتنا بل عدة الجيل بعدنا ‏

نصرت فلسطيناً وذدْت عن اْهلها =وخضتَ على التطبيع حربك مُعلنا

ونافحتَ عن كشمير في كل محفلٍ‏=فذي أخت قدسٍ في العذاب وفي العَنا ‏

وناصرت جمع المسلمين بحقهم=بشامٍ و مصرٍ والبلاد تفنُّنا ‏

وكنتَ خطيبا مصقعا ومؤثرا=تهز بصوت جهوري شعورنا

فنسأل رب العرش يجزيك جنةً=بها الحور و الأطيار تصدح بالغنا

وطب في نعيم الخلد فهي من الدُنا=وزخرفها أعلى وأعظم موطنا ‏

رحمك الله يا فقيدنا الحبيب و حشرنا معك في الفردوس الأعلى . ‏

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين