نور الدين عتر

1356 ـ 1442 هـ

1937 ـ 2020 م

شيخنا الأستاذ الدكتور العلامة نور الدين بن محمد بن حسن بن محمد بن حسن عتر، وينتهي نسبه إلى سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنه(1).

عالم عامل، إمام، محدث، مفسر، فقيه، محقق، أستاذ علم الحديث والتفسير والفقه في جامعتي دمشق وحلب، وغيرهما من الجامعات العربية.

ولد الشيخ المترجم له في مدينة حلب، يوم الأربعاء السابع عشر من شهر صفر، سنة: ست وخمسين وثلاثمئة وألف للهجرة، الموافق للثاني والعشرين من نيسان، عام: سبعة وثلاثين وتسعمئة وألف للميلاد، في حي عريق من أحياء حلب القديمة، (حيّ البستان)(2)، ونشأ في أحضان أسرة عرفت بحبها للعلم وملازمة العلماء والأخذ عنهم، فوالده الحاج محمد كان من الملازمين للشيخ محمد نجيب سراج الدين، لا يكاد ينقطع عن درس من دروسه، وقد زوجه الشيخ ابنته، أمّا جده الشيخ حسن، فكان من أقرب المقربين للشيخ محمد نجيب سراج الدين، وكان يقيم في بيته مجلساً للشيخ كلّ يوم ثلاثاء، يحضره كبار علماء حلب وطلبة العلم فيها.

في هذه البيئة الصالحة نشأ شيخنا المترجم له، وكان يصحب والده وجده إلى مجالس الشيخ محمد نجيب سراج الدين، ومجالس غيره من علماء حلب في ذلك العصر، فانغرس في نفسه حبّ العلم والعلماء منذ نعومة أظفاره.

ولما أتمّ الشيخ تعليمه الابتدائي، انتسب إلى المدرسة (الخسروية) الثانوية الشرعية الآن، وفيها التقى بمجموعة من علماء حلب الكبار، أمثال الشيخ محمد نجيب خياطة، وقد أخذ عنه علوم التلاوة والتجويد والفرائض، والشيخ عبد الله حماد، ودرس عليه الفقه الحنفي، والشيخ محمد أسعد العبجي، وقرأ عليه الأصول وعلوم اللغة العربية، والشيخ عبد الوهاب سكر، وأخذ عنه السيرة النبوية، وتراجم أعلام الإسلام، والشيخ محمد أبو الخير زين العابدين، وقرأ عليه علوم التوحيد والمنطق، والشيخ محمد الملاح، وقد أخذ عنه علوم الحديث النبوي ومصطلحه، والشيخ محمد السلقيني، وقد أخذ عنه علوم الفقه الحنفي وأصوله، والشيخ محمد راغب الطباخ، مدرٍّس الحديث النبوي الشريف ومصطلحه والتاريخ الإسلامي(3)، وغيرهم من العلماء، كما حصل الشيخ في هذه المدرسة بعض العوم الكونية، وكان فيها مثال الطالب المجد إلى أن تخرج بها، سنة: 1958 م.

لم يكتف شيخنا المترجم له بما كان يحصله من العلوم على أساتذته في المدرسة (الخسروية)، بل لقد كان حريصاً على حضور حلقات العلم، التي كان يقيمها كبار علماء حلب في المساجد والمجالس الخاصة، كمجالس شيخه الشيخ محمد نجيب سراج الدين، ومن بعده ولده شيخنا الشيخ عبد الله سراج الدين، والشيخ سعيد الإدلبي، ومن بعده ابنه الشيخ أحمد إدلبي، والشيخ عبد الله سلطان، والشيخ محمد جميل العقاد وغيرهم، وكان تأثير هؤلاء العلماء جلياً في تكوينه العلمي والثقافي والخلقي.

وبعد تخرجه في المدرسة (الخسروية)، التحق بجامعة الأزهر بالقاهرة، والتقى فيها مجموعة ثانية من شيوخه الكبار، أمثال الشيخ مصطفى مجاهد، والشيخ محمد عبد الوهاب البحيري، والشيخ محمد شعبان حسين، والشيخ محمد السموحي، والشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، وغيرهم كثير، وتخرج في جامعة الأزهر، وكان الناجح الأول على دفعته، وحصل على عدد من الجوائز لتفوقه.

ثمّ عاد إلى موطنه حلب، ليعمل مدرساً لمادة التربية الإسلامية، لكنّ حبه لمتابعة طلب العلم، دفعه إلى ترك وظيفته مدرساً في مديرية التربية، والعودة إلى القاهرة من جديد، ليتابع دراساته العليا بجامعة الأزهر، في علم الحديث في شعبة التفسير والحديث.

وأكب الشيخ على الدراسة والبحث بكل همة واجتهاد، واجتاز امتحانات درجة (الماجستير)، ثم انصرف إلى تحضير أطروحته لنيل درجة (الدكتوراه) في الحديث، عن جامع الأمام الترمذي، وكانت بعنوان (طريقة الترمذي في جامعه والموازنة بينه وبين الصحيحين)، بإشراف شيخيه، الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، والشيخ محمد السموحي، وبعد المناقشة حصل الشيخ المترجم له على الشهادة العالمية (الدكتوراه)، بتقدير: ممتاز وذلك عام: 1964 م.

كما حصل الشيخ نور الدين على عدد من الإجازات العلمية في الحديث الشريف وغيره من العلوم التي يجوز لشيوخه روايتها، منها:

1- إجازة الشيخ عبد الله سراج الدين.

2- إجازة الشيخ الدكتور محمد السموحي.

3- إجازة الشيخ السيد مكي الكتاني.

4- إجازة الشيخ إبراهيم الختني.

5- إجازة الشيخ علوي المالكي.

بعد حصول شيخنا المترجم له على الشهادة العالمية (الدكتوراه)، عاد إلى حلب، ليواصل عمله في التدريس ونشر العلم في ثانوياتها، لكنه ما لبث أن أوفد عام: 1965 م، إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، مدرساً فيها إلى عام: 1967 م، حيث عاد إلى وطنه، ليعمل مدرساً للتفسير وعلوم القرآن والحديث والمصطلح والفقه والعقائد والأديان في كلية الشريعة في جامعة دمشق، كما درس علوم القرآن وأدب الحديث الشريف في كلية الآداب في جامعتي حلب ودمشق.

هذا بالإضافة إلى عمله في الدعوة ونشر العلم بين عامة الناس، وذلك من خلال خطبه المؤثرة في جامع أبي أيوب الأنصاري (الشيط)، ودروسه الأسبوعية في جامع (الرشيد)، أما إذا كان في دمشق فله دروس عامة في جامع (الشمسية) وجامع (بني أمية)، وما يزال الشيخ على نشاطه في العمل على بذل العلم، وإفادة طلابه منذ ما يزيد على الأربعين عاما، ولهذا فقد كثر طلابه من طلبة الجامعات والدراسات العليا وغيرهم، حتى لا يكاد يحصيهم العدّ.

شغل الشيخ المترحم له عدداً من المناصب العلمية والإدارية، في عدد من الجامعات العربية منها:

1- رئيساً لقسم علوم القرآن السنة، في كلية الشريعة في جامعة دمشق، لأكثر من خمس عشرة سنة.

2- رئساً لشعبتي التفسير وعلوم القرآن والسنة وعلوم الحديث، للدراسات العليا في فرع جامعة أم درمان الإسلامية في دمشق.

3- رئساً لشعبة أصول الدين، للدراسات الجامعية والعليا في جامعة الأزهر، فرع دمشق.

4- خبيراً لتقويم مناهج الدراسات الجامعية الأولى في عدد من كليات الشريعة.

5- خبيراً لتقويم مناهج مرحلة (الماجستير) في الحديث، وبناء (الدكتوراه) عليها في عدد من الجامعات، منها جامعة الشارقة. 

6- خبيراً معتمداً ومحكماً لتقويم البحوث العلمية والمؤلفات المتميزة، لدى خمسة عشر جامعة ومؤسسة علمية، كجامعة الشارقة والكويت وحلب ودمشق وغيرها.

7- حكّم وناقش وأشرف على أكثر من ستين رسالة لدرجة (الماجستير)، وخمساً وعشرين رسالة لدرجة (الدكتوراه)، في جامعات دمشق وحلب والأوزاعي وأم القرى وغيرها.

8- مشرفاً على برنامج حفظ السنة النبوية سنداً ومتناً.

زار الشيخ الدكتور نور الدين كثيراً من البلدان العربية والإسلامية، وحاضر في جامعاتها، وناقش فيها الكثير من الرسائل الجامعية، ورسائل (الماجستير) و(الدكتوراه)، وشارك في تقويم منهاجها الجامعية والعليا، وحكّم فيها الكثير من البحوث العلمية والمؤلفات المتميزة، وألقى فيها أحاديث إذاعية وتلفزيونية منها:

1- جامعات لبنان والأردن والجزائر ومصر وتركيا، وغيرها من البلدان.

2- كلية الدراسات الإسلامية بدبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة.

3- جامعة الكويت.

4- جامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية.

5- جامعة ندوة العلماء في الهند.

6- جامعة مرمرة في اسطنبول في تركيا.

7- بعض مؤسسات الوقف العلمي الإسلامي في إسطنبول.

كما حصل الشيخ على الجائزة الأولى والجائزة الثانية في مسابقة الدراسات الحديثية، التي أقامتها المنظمة العربية للتربية الثقافة والفنون، التابعة لجامعة الدول العربية بتونس، كانت الأولى عن كتابه (معجم المصطلحات الحديثية)، والثانية عن تصديره (لمعجم المصنفات في الدراسات الحديثية).

للشيخ المترجم له كثير من المؤلفات العلمية في علوم القرآن، والحديث النبوي الشريف، والفقه، والثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي، تقارب الخمسين مؤلفاً ما بين تأليف وتحقيق، فمن الكتب التي ألفها ابتداءً في علوم القرآن وتفسيره:

1- علوم القرآن، طبع دار الخير بدمشق عام: 1993 م.

2- محاضرات في تفسير القرآن الكريم، طبع بدمشق عام: 1984 م.

3- محاضرات في علوم القرآن، طبع مطبعة الإنشاء بدمشق عام: 1984 م، ثمّ عدّل فيه، وأضاف عليه دراسات جديدة، وطبعه تحت عنوان (في تفسير القرآن وأسلوبه المعجز).

4- التفسير وعلوم القرآن، طبع دار المعارف بدمشق عام: 1993 م.

5- تفسير سورة الفاتحة أمّ الكتاب، في ضوء السنة النبوية، وفنون اللغة والبلاغة العربية، طبع دار البشائر في بيروت عام: 994 م.

6- القرآن الكريم والدراسات الأدبية، طبع المطبعة الجديدة بدمشق عام: 1985م.

7- التفسير: أحكام القرآن، طبع مطبعة الإنشاء بدمشق عام: 1982 م.

8- آيات الأحكام: تفسير واستنباط، من منشورات جامعة دمشق عام: 1999م.

9- كيف تتوجه إلى العلوم والقرآن الكريم مصدرها، طبع دار الرؤية عام:2001م ثمّ لخصه في رسالة بعنوان (كيف تتوجه إلى القرآن).

10- أحكام القرآن في سورة النساء، وهو من محاضرات الدراسات العليا طبع عام: 2004 م.

وفي الحديث النبوي الشريف نجد له المؤلفات التالية:

1- منهج النقد في علوم الحديث.

2- أصول الجرح والتعديل.

3- الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين.

4- إعلام الأنام شرح بلوغ المرام لابن حجر.

5- لمحات موجزة في أصول علل الحديث، طبع دار القلم بدمشق، عام:2003م.

6- معجم المصطلحات الحديثية، من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق عام: 1976م.

7- السنة المطهرة والتحديات، طبع دار الفلاح بحلب عام: 1984م.

8- في ظلال الحديث النبوي، وهو دراسة لخمسة وسبعين حديثاً، أوردها بعد ذلك دون دراسة في رسالة بعنوان: (جوامع الإسلام من أحاديث سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام).

9- القرآن والحديث: علم الحديث والدراسات الأدبية، طبع مطبعة الإنشاء بدمشق عام: 1982م.

10- مناهج المحدثين العامة في الرواية والتصنيف، طبع دار الرؤية بدمشق عام: 2002م.

11- فضل الحديث النبوي الشريف، وجهود الأمة في حفظه، رسالة طبعت عام: 2006م.

وفي مجال الفقه الإسلامي نقف للشيخ على المؤلفات التالية:

1- الحج والعمرة في الفقه الإسلامي.

2- تعلم كيف تحج وتعتمر على المذاهب الأربعة.

3- المعاملات المصرفية والربوية وعلاجها في الإسلام، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت.

4- هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلوات الخاصة، طبع دار الفكر بدمشق عام: 1971 م.

5- أبغض الحلال، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت.

6- أبحاث خاصة بالموسوعة الفقهية الكويتية، تتعلق بالحج ومصطلحاته، تزيد على الستمئة صفحة.

وفي الفكر والثقافة الإسلامية، نقرأ للشيخ نور الدين المؤلفات التالية:

1- ماذا عن المرأة، طبع أحد عشر طبعة، آخرها في دار اليمامة بدمشق، عام: 2003 م.

2- النفحات العطرية من سيرة خير البرية، رسالة صغيرة طبعت عام: 1998 م.

3- الاتجاهات العامة للاجتهاد ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها، طبع دار المكتبي بدمشق عام: 2000 م.

4- صفحات من حياة الإمام شيخ الإسلام الشيخ عبد الله سراج الدين الحسيني، طبع دار الرؤية عام: 2002 م.

5- فكر المسلم وتحديات الألف الثالثة، طبع دار الرؤية بدمشق عام: 2002 م.

6- حبّ الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من الإيمان، رسالة طبعت عام: 2007 م، وهي آخر ما صدر للشيخ حتى الآن.

وقد قام الشيخ بالعناية والتحقيق للكتب التالية، ونشرها:

1- علوم الحديث لابن الصلاح.

2- شرح علل الترمذي لابن رجب.

3- المغني في الضعفاء للذهبي.

4- إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق، صلى الله عليه وسلم، للإمام النووي، طبع دار البشائر الإسلامية ببيروت عام: 1988م.

5- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، لابن حجر، طبع مطبعة الصباح بدمشق عام: 1992 م.

6- الرحلة في طلب الحديث، للخطيب البغدادي، طبع دار الكتب العلمية ببيروت عام: 1975 م.

7- هدية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك، لابن جماعة، طبع دار البشائر ببيروت عام: 1994 م.

تزوج الشيخ المترجم ابنة شيخه وخاله الشيخ عبد الله سراج الدين، وهي امرأة صالحة، أنجب منها أولاده الأربعة: محمد مجاهد (طبيب توفي في حادث مروري عام: 1995م)، وعبد الرحيم، ويحيى، والسيدة راوية (طلاب علم شرعي نفع الله بهم).

جميل الوجه، منور الشيبة، نحيل الجسم، ربعة بين الرجال، تبدو عليه هيبة العلماء ووقار المحدثين، يزين رأسه بشعار العلماء. - عمامة بيضاء يلفها بإحكام فوق طربوش أحمر -

كريم النفس، طيب القلب، كثير الصمت، صادق الحديث، عظيم التواضع لإخوانه وطلابه، يكره الشهرة، ويبتعد عنها ما أمكنه، شديد الحبّ والوفاء لشيوخه، يكثر من ذكرهم، معترفاً بفضلهم عليه، وشيخه الشيخ عبد الله سراج الدين خاصة، وقد ألف وفاءً له كتاباً في سيرته ومناقبه، محب للعلم والمطالعة والعبادة وذكر الله فهو في شغل دائم بها. 

بقي شيخنا على هذه الأخلاق العالية، والسيرة الحميدة، والدأب في نشر العلم والدفاع عن الحديث الشريف، إلى أن أدركته المنية بدمشق صباح يوم الأربعاء، الواقع في الخامس من صفر، سنة: اثنتين وأربعين وأربعمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة ، الموافق للثالث والعشرين من شهر أيلول عام: عشرين وألفين للميلاد

رحم الله شيخنا الفاضل وجزاه عنا وعن المة خير جزاء

 درس للشيخ نور الدين عتر في الأزهر الشريف

المصادر والمراجع

1- ترجمة خطية تفضل بها الشيخ.

2- كتب الشيخ المترجم له، وكتاب صفحات من حياة العلامة الإمام شيخ الإسلام الشيخ عبد الله سراج الدين الحسيني خاصة.

3- مقابلات شفهية متعددة مع المترجم له جرت في بيته وفي جامع الرشيد صيف عام: 2009م.

4- مذكرات المؤلف ومعرفته الشخصية بالمترجم له وانطباعاته عنه.

(1) كما حدثني بذلك شيخنا المترجم في بعض لقاءاتي معه.

(2) حارة البستان: تقع بين حيّ القصيلة وباب النيرب، وفي تسميتها مذاهب، وقد عرفت بتمسك أهلها بالدين، وكرمهم، وسعة دورهم، وانظر: نهر الذهب 2/504، وأحياء حلب وأسواقها ص 310.

(3) أنظر ترجمات شيوخه هؤلاء في الجزء الأول من الكتاب.