أحمد البابي الحلبي

ـ 1316 هـ

ـ 1898 م

الشيخ أحمد بن عمر البابي الحلبي ثمّ المصري.

عالم عامل، فقيه، نحوي، أحد شيوخ الأزهر ومدرسيه، صاحب الفضل بطباعة معظم الكتب العلمية النادرة والاتجار بها.

ولد الشيخ المترجم له في مدينة الباب ونسب إليها، وتلقى فيها مبادئ العلوم العربية والشرعية، ثمّ انتقل إلى مدينة حلب، ولازم عالمها الكبير العلامة الشيخ أحمد الترمانيني، وأخذ عنه وتفقه به، ثمّ رحل إلى مصر ليتابع طلبه للعلم في أزهرها، وهناك جدّ واجتهد في الأخذ عن علماء الأزهر وقتئذ، ومنهم العلامة الشيخ محمد الأنبابي، الذي قرأ عليه المترجم له علوم الفقه والتوحيد والمنطق وغيرها من العلوم العقلية، ومنهم العلامة الشيخ محمد الخضري الدمياطي، وقد أخذ عنه المترجم علوم الحديث الشريف، كما أخذ باقي العلوم الشرعية عن شيوخ وعلماء الأزهر في ذلك الوقت.

استمر الشيخ أحمد في الجد والاجتهاد إلى أن أتم تحصيله العلمي، وتخرج بشيوخه من علماء الأزهر، وكُتب في زمرة علمائه، وتأهل للتدريس فيه، وصار يدرس النحو، فقرأ لطلابه فيه شرح ابن عقيل بحاشية السجاعي، وكتب عليها تقريرات تدل على تمكنه في هذا العلم وتفوقه فيه(1)، وأدهشه كثرة طلبات تلاميذ الأزهر وشيوخه للكتب الدينية والعربية، فاستأجر غرفة في حي الحسين القريب من الأزهر وافتتح (دكانة) صغيرة لبيع وشراء الكتب، والتف حوله طلاب وأساتذة الأزهر، يسألونه عن الكتب التي يحتاجونها، ويبتاعونها منه‏، وتوسعت مكتبته وسعى الى الحصول على مطبعة جعلها في صدر مكتبته، دعاها (المطبعة الميمنية)، لتكون قدم يمن وبركة له ولمكتبته، وبالفعل كانت كذلك، وبدأ سنة: ست وسبعين ومئتين وألف للهجرة، 1859 م في طبع الكتب العلمية والدينية والأدبية والاتجار بها، فوفّق إلى نشرالكثير من الكتب التي كانت نادرة في ذلك الزمن، في مختلف العلوم الشرعية والعربية، وقد أصبح بعضها الآن في حكم المخطوطات النادر أيضاً، منها: تفسير (الدر المنثور) للجلال السيوطي، و(إتحاف البشر في القراءات الأربعة عشر)، و(المكرر فيما تواتر في القراءات السبع وتحرر)، و(منار الهدى في الوقف والابتدا)، وفي علوم الحديث الشريف، نشر الشيخ المترجم له كتاب: (شرح القسطلاني على صحيح البخاري)، و(مسند الإمام أحمد)، و(مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)، و(صحيح البخاري)، و(سنن النسائي)، وفي الفقه الشافعي، (حاشية الجمل على المنهج)، و(شرح الروض)، و(شرح العمدة)، و(فتح الجواد في شرح الإرشاد)، ومن كتب الفقه المالكي، نشر الشيخ كتاب: (الخرشي على خليل)، و(الدسوقي على خليل)، وفي علم التصوف، نشر كتاب: (شرح الإحياء) للزبيدي، وغير ذلك من الكتب المفيدة النادرة، ولاشك أن للشيخ المترجم فضل السبق في إخراج هذه الكتب إلى عالم النور بطبعها ونشرها، وإتاحتها لطلاب العلم بأقل التكاليف، ولما لم يخلف الشيخ المترجم أولاداً يرثون المطبعة، وخاف عليها من الضياع، استدعى إخوته: مصطفى وعيسى وبكري، فورثوا المطبعة، ثمّ انفرد كل واحد منهم بمؤسسة كبيرة لطباعة كتب التراث ونشرها، وما تزال مطبعة البابي الحلبي، من أشهر دور الطباعة والنشر في مصر، بل في الوطن العربي كله.

حجّ الشيخ المترجم بيت الله الحرام مرّات عديدة، وزار المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وكان ينفق في حجه هذا الكثير من الأموال على فقراء الحرمين الشريفين، ويقف على طلاب العلم الفقراء فيهما الأوقاف الجزيلة.

كريم النفس، حسن الأخلاق، لطيف المعشر، حلو الحديث، لا يملّ محدثه، مطلق اليد في سبيل البر والإحسان، مع استقامة في المعاملة، ودين متين، وخوف من الله سبحانه، كلّ هذا مع تواضع جم، رغم ما كان عليه من الثروة والغنى.

ظل الشيخ على دأبه هذا في العمل والعبادة إلى أن أدركته الوفاة في مصر، في السادس من شهر ربيع الأول، سنة: ست عشرة وثلاثمئة وألف للهجرة، ودفن هناك - رحمه الله -.

المصادر والمراجع

1- إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، للشيخ محمد راغب الطباخ.

2- تاريخ الإفتاء في حلب الشهباء، للمؤلف.

3- مقابلة شفهية مع الشيخ أحمد سردار.

الحواشي:

(1) طبعت هذه التقريرات في مصر سنة: 1325 هـ بعد وفاة مؤلفها - رحمه الله -