الشيخ الجليل محمد محيي الدين الاصفر

(2019 - 1937)

المولد والمنشأة:

ولد الشيخ الجليل محمد محيي الدين الأصفر في مدينة الكسوة من ريف دمشق عام 1937 م.

بسبب عمل والده في سلك (الدرك) متنقلاً من بلد إلى بلد فقد عاش حياته الأولى ودراسته الابتدائية في أكثر من بلدة في سورية، الأمر الذي سمح له بالتفتح والتعرف على أكثر من بيئة معرفيه واجتماعية.

دراسته وأساتذته:

درس المرحلة الإعدادية والثانوية في معهد العلوم الشرعية في دمشق والتابع للجمعية الغراء.

وكان من أساتذته في المعهد: العلماء والمشايخ الفضلاء: الشيخ أحمد الدقر،

والشيخ عبد الكريم الرفاعي، والشيخ نايف العباس، والشيخ خالد الجباوي، والشيخ عبد الرحمن الطيبي الزعبي، والشيخ عبد الوهاب دبس وزيت الحافظ، والشيخ أحمد المقداد، والشيخ محمد السيد الدرخباني، وغيرهم

التحق عام 1955 م بكلية الشريعة بجامعة دمشق، والتي كانت في العام الثاني لإنشائها، وكان من اساتذته فيها كبار العلماء الأفاضل، وهم:

الدكتور مصطفى السباعي، والدكتور محمد المبارك، والدكتور سعاد جلال،

والدكتور صالح الأشتر، والدكتور محمد أديب صالح، والدكتور صبح الصالح،

والدكتور عمر الحكيم، وغيرهم.

تخرج في كلية الشريعة عام 1959 م، وبعد حصوله على الإجازة في الشريعة وأثناء عمله في التدريس أنتسب إلى كلية الحقوق في جامعة دمشق، وحصل على الإجازة في الحقوق.

عمله في التدريس:

في عام 1959 م عيِّن مدرسا لمادة التربية الإسلامية في ثانوية الدريكيش، وهي في مدينة دريكيش في محافظة اللاذقية، ومن ثم انتقل للعمل في مدينة درعا.

وتزوج ابنة العالم الفاضل الشيخ بركات الضماد مفتي مدينة درعا ومدير أوقافها، والخطيب في أهم مساجدها، وأنجب منها ستة أبناء.

هجرته الأولى:

عمل رحمه الله داعيا مربيا بإخلاص وتفان في الدعوة الى الله مع فهم صحيح للرسالة النبوية بالحكمة والموعظة الحسنى.

فكان أغلب وقته بين علم ينشره وعلم يتعلمه، بإلقاء الخطب والدروس في المساجد، مما جعله هدفاً للطغاة.

فتم تهجيره من بلده إلى لبنان، فاستمر في العطاء وساهم في تأسيس أكبر دار نشر في لبنان مع بداية السبعينيات ليتواصل جهاده العلمي والثقافي في التعريف بالدعوة إلى الله.

العودة الى موطنه:

طلب منه الطغاة في بلده العودة للمشاركة في حرب 1973 م لتأدية الخدمة العسكرية

لعلهم يتخلصون منه ومن أمثاله من المخلصين بوضعه بالصفوف الأولى للمواجهة في

مقابل حلمه بالسماح له بالعودة للوطن ليكون قريباً من والديه لينعم بخدمتهم وبرهم

فكتب الله له الحياة على عكس ما كانوا يتوقعونه.

واستمر الضغط عليه بحرمانه من التدريس وحرمانه من الوظيفية، فتمَّ فصله من عمله مما اضطره للعمل بالقطاع الخاص وتحمل شظف العيش في ظروف صعبة في منتصف السبعينيات.

عرضت عليه فرص عمل بالخارج ففضَّل قرب والديه وبرِّهم على أيِّ عمل آخر

فنال رضاهم بكفاءة، ولم يؤثر عليهما شيئا من الدنيا.

وبقي صابراً محتسباً رغم صعوبة ظروفه ولم يترك الدعوة الى الله يوماً ما فهي هدفه وهمه الاول مما دفع الطغاة لاستهدافه للنيل منه مرة أخرى وجعل والديه يطلبون منه الخروج من بلده خوفاً عليه.

هجرته الثانية والأخيرة:

وصل إلى قطر وعاش فيها حوالي أربعين عاماً.

أحبَّه كل من عرفه أو حتى سمع به، وكان موسوعياً في علمه وثقافته ومعرفته، ومخلصاً لدينه متواضعاَ في أخلاقه خدوماً لكل من يقصده، مؤثراً غيره على نفسه ومقدماَ لهم علمه ووقته وماله.

استمرَّ في عطائه بدون حدود وفي نشر العلم والمعرفة في أيِّ وظيفة أو مكان أسند إليه مضيفاً له تاركاً بصمته، فقد كان طالب دين لاطالب دنيا.

تعامل مع الدنيا كمعبر للآخرة فوظَّفها لخدمة الدين، فترك علماً ينتفع به، وهو من الصدقات الجارية.

ساهم في نشر وطباعة الكثير من الكتب من خلال عمله في رئاسة المحاكم الشرعية ومن ثم في وزاره الأوقاف والشؤون الإسلامية كما ساهم بالعمل في مجلة الأمة التي كانت تصدر بتلك الفترة مع بداية الثمانينيات.

وشغل في آخر أيام حياته رئيس مكتب البحوث والدراسات في صندوق الزكاة، فقد قام الشيخ رحمه الله بعمل دورات علمية لمحاسبي الشركات في القطاع الخاص، استمرت لعدة سنوات، نالت استحسان المشاركين والعاملين في مجال الزكاة.

خلف رحمه الله للأمة الإسلامية عدداً من الأعمال العلمية والفكرية والدعوية، ونعرض بعض أهم المؤلفات والتحقيقات، وهي:

1-تحقيق أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي، حققه ودققه وبيَّن الحكم على الأحاديث الواردة فيه، وطبعته دار المعرفة بيروت 2013 م

2-تأليف كتاب الموسوعة الفقهية الأبجدية للزكاة، طبعها صندوق الزكاة، تشمل على أبحاث كثيرة في الزكاة.

3-دليلك إلى إخراج زكاة مالك، وهي سلسلة منهجية معاصرة في التعريف بالزكاة (طبعتها صندوق الزكاة). وقد قام الشيخ رحمه الله بعمل دورات لمحاسبي الشركات في القطاع الخاص تحت إشراف صندوق الزكاة، واستمرت هذه الدورات لعدة سنوات أثناء عمله في صندوق الزكاة كخبير شرعي.

4-كتاب دور المرأة في الحياة الإجتماعية وفقه أحكام الشريعة الإسلامية، طبعته دار ابن كثير 2012 م.

5-تنقيح ومراجعة وتحقيق لكتاب الموريسكيون حياة ومأساة أقلية (تاريخ مسلمي الأندلس)، طبعه المكتب الإسلامي 2006 م.

6-مراجعة وتصحيح وتنقيح كتاب نهاية السول في خصائص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، طبعته وزارة الأوقاف عام 1995 م.

7-تحقيق كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي، طبعة دار الإشراق عام 1996 م.

8-تنقيح ومراجعة كتاب حكمة وأسباب تحريم لحم الخنزير في العلم والدين، تأليف د. سليمان قوش.

9-تأليف رسالة:" قل ادعو الله"، طبعها المكتب الإسلامي.

10-تحقيق كتاب تأويل مختلف الحديث للإمام ابن قتيبة، طبعة المكتب الإسلامي.

11-تأليف رسالة في الجامع لشعب الإيمان، طبعتها دار ابن كثير.

وفاته:

انتقل الشيخ إلى رحمة الله تعالى في يوم الأحد الثلاثين من شهر الله المحرم لسنة 1441للهجرة الموافق 29 من أيلول لسنة 2019 م إثر مرض ألمَّ به بعد مسيرة حافلة بالعلم ونشر الدعوة بالحكمة والقدوة الحسنة.

نسأل الله تعالى أن يرحمه ويغفر له، ويحشره في جنَّته يوم الدين مع النَّبيين والصِّديقين والشهداء والصَّالحين.