عناية الشيخ عبد الفتاح أبو غدة بكتب التربية رسالة المسترشدين نموذجاً (5)

في هذه الحلقة نتابع الحديث عن عناية الشيخ عبد الفتاح أبو غدة بكتب التربية والسلوك وقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن خمسة كتب 

6ـ الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم

من الكتب التربوية المهمة التي ألفها الشيخ ابتداءً، وهو كتاب تعليم وتوجيه وتربية، قدمه الشيخ للمعلمين والعاملين في مجال التربية والتعليم، بأسلوب سهل بسيط عرض فيه ـ رحمه الله تعالى ـ الأساليب والوسائل التي اتبعها عليه الصلاة والسلام في التربية والتعليم،

وقد اختار الشيخ هذا الموضوع المهم لأنه يتعلق بجانب هام جداً من جوانب حياة الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم، وسيرته الشريفة، و(لعظيم صلته بالعلم والعلماء والتعليم والمتعلمين)(1) ... وحرص أن يكون ميسراً لكل قارئ، ونافعاً لكل مستفيد ومثقف، فغدا كتاب توجيه وتربية وتعليم للمعلم والمتعلم جميعاً، وأورد فيه الشيخ الأحاديث الكثيرة، من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعليم وأساليبه فيه، عازياً كل حديث إلى مصدره. 

وجعله شطرين، الشطر الأول: يختص ببيان شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وذاته الشريفة، وبيان رفيع مزاياه وتصرفاته الحكيمة.

والشطر الثاني: لعرض أساليبه في التعليم وسديد إرشاداته وتوجيهاته، وتحرى (أن تكون تلك الأحاديث الكريمة، تحتوي إلى جانب التمثيل والبيان: وضوح التوجيه التربوي والتعليمي أيضا فهي أمثلة مختارة هادفة، ونماذج معلمة موجهة، تحت عناوين مرشدة)(2).

ويصرح الشيخ بهدفه التربوي من الكتاب بقوله: (والله الكريم أسأل أن ينفع بهذا الكتاب، ويقبله مني عملاً صالحاً زاكياً عنده، ويجعل فيه حافزاً على الأسوة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الأقوال والأفعال، وجميع الشؤون والأحوال)(3)

يقع الكتاب في 226 صفحة، صدرت الطبعة الأولى منه في بيروت سنة: 1417هـ ـ 1996م، وصدرت الطبعة الثانية من في العام نفسه.

7ـ سباحة الفكر في الجهر بالذكر. 

وقد يسلك هذا الكتاب في قائمة كتب الفقه أو الحديث، وهذا مسلك لا اعتراض عليه لما يحويه الكتاب من الأحكام الفقهية المستمدة من الأحاديث النبوية الكثيرة فيه، لكنني رأيت أن أعده في كتب التربية والسلوك، وذلك لما في موضوعه وهو ذكر الله تعالى، من موقع متميز عند علماء التربية، وشيوخ الصوفية المربين، والعلماء الوعاظ وغيرهم.

وأصل الكتاب رسالة ألفها العالم الهندي الإمام أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي، وقد سئل عن حكم الجهر بالذكر، هل هو جائز أو لا، فأجاب: (بأن أكثر أصحابنا وإن صرحوا بكراهته وحرمته، لكن محققيهم على جوازه ما لم يجاوز الحد لأحاديث وردت بذلك)(4) ، ثم كتب رسالته (سباحة الفكر في الجهر بالذكر) التي حقق فيها تعريف الجهر والسر، ثم عرض أدلة المجيزين، ثم ذكر الجواب عنها، وأورد أدلة المجيزين ... واستدل ببعضها على استحباب الجهر، ثم عرض لبيان المواضع التي يطلب فيها الجهر بالذكر أو يكره.

وقد اعتنى فيها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عناية فائقة، واجتهد في تصحيحها، فضبط كثيراً من عباراتها بالشكل، وفصل مقاطعها وجملها، لتكون أيسر قراءة وفهما وعلق عليها التعليقات اللائقة المفيدة، لزيادة الاستفادة منها، وخرج أحاديثها مبينا مرتبتها من الصحة والضعف، ثم أخرجها الإخراج الأنيق، الذي ينم عن ذوق الشيخ الرفيع، وعنايته بالكتب بصورة عامة، وقدم لها بكلمة مهمة مفيدة حول الذكر المشروع والذكر الممنوع، بين فيها فضل ذكر الله تعالى بإيجاز، وأتبعها بفهارس عامة للآيات والأحاديث والآثار الموقوفة وأسماء رواة الأحاديث. ثم لموضوعات الرسالة. 

يقع الكتاب في 120 صفحة، وقد طبع سبع طبعات، ثلاثة منها في الهند بين سنتي 1320هـ و1340 هـ، والطبعة الرابعة هي التي حققها الشيخ واعتنى بها، طبعت في بيروت سنة: 1408هـ ـ 1988م، وطبعت الطبعة الخامسة في بيروت أيضاً سنة:1416هـ، والسادسة في بيروت، سنة: 1426هـ، والسابعة في مطابع دار السلام في القاهرة سنة: 1430هـ ـ2009م.

8 ـ تحفة النساك في فضل السواك 

أصل الكتاب رسالة مخطوطة ضمن مجموع كله للعلامة الشيخ عبد الغني الميداني الدمشقي، وهي في الفقه أقرب منها في للآداب والسلوك، وإنما أدرجتها ضمن كتب التربية والسلوك للشيخ، وذلك لمقدمتها الفريدة المفيدة في الأخلاق والآداب التي علمنا إياها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفصلها الشيخ المعتني بالرسالة بشكل تام، فهو يقول: (وقد اهتم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق والأنبياء والرسل الكرام بتعليمنا الآداب والفضائل والمحاسن كاهتمامه بتعليمنا الواجبات والفرائض، فما خلا تصرف من حياة المسلم، إلا وللرسول الكريم فيه توجيه وتعليم وهدى وإرشاد، سواء في ذلك عظيم الأمور ويسيرها، وجليل الأعمال وصغيرها، نعم لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى أدب قضاء الحاجة، ونظافة المخرج وتطهيره، ولبس الحذاء، وهذا التعليم النبوي نظام واتباع وتوحيد سلوك المسلمين، وتجميل عاداتهم وحسن تصرفهم وسلوكهم. 

وقد شمل هديه صلى الله عليه وسلم وتعليمه وارشاده ما يتعلق بالنظافة عامها وخاصها، وطلب نظافة الفم ورد فيه أكثر من ثلاثين حديثاً بين صحيح وحسن وضعيف، وكلها تدعو إلى النظافة والعناية بالفم طيبته وتنظيفه بالسواك، ولا غرابة في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم، معلَم ومعلّم، فهديه سيد الهدي للناس إلى يوم القيامة)(5). 

والرسالة جمعت جملة من فضائل السواك وأحكامه الفقهية، وقد صنفها المؤلف في مقدمة وثلاثة أبواب وجيزة، على طريقة الفقهاء، فذكر في المقدمة تعريف السواك وحكمه، وتحدث في الباب الأول عن وقته، وفي الباب الثاني عن كيفيته، وأفرد الباب الثالث لذكر منافعه، وختم رسالته بأفضل أنواعه. 

وقد اعتنى شيخنا بالرسالة، فنسخها من مخطوطة وجدها عند حفيد المؤلف السيد يوسف بن محمد بن الشيخ عبد الغني الميداني، سنة: 1378هـ، وقدم لها بمقدمة ضافية عن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالآداب صغيرها وكبيرها، وأتبعها بذكر بعض الأشعار النفيسة والطريفة التي قيلت في السواك، ثمّ ترجم للمؤلف ترجمة وجيزة عرف بها بمقامه العلمي ومكانته الفقهية، واعتني بتخريج الأحاديث التي لم يشر المؤلف إلى مصدرها، وعلق عليها بإيجاز، وألحق بآخر الرسالة (تتمة) في تحقيق استعمال السواك باليمنى أم باليسرى، نقل فيها الأقوال في ذلك، إذ وقع اختلاف من بعض الأئمة في هذه المسألة.

يقع الكتاب مع تتمة الرسالة، في 110 صفحات، وطبع في بيروت للمرة الأولى، سنة: 1414هـ ـ 1994م.

9ـ العقيدة الإسلامية التي ينشأ عليها الصغار.

الكتاب في الأصل مقدّمة في العقيدة، كتبها الإمام أبو محمّد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، المتوفى، سنة: 376 هـ ـ رحمه الله ـ في أول رسالته في الفقه الملكي، استجابة لطلب الشيخ: أبي محفوظ محرز بن خلف الصدفي التونسي المؤدب معلم القرآن، وقد طلب منه أن يؤلف مختصراً في اعتقاد أهل السنة، مع فقه وآداب وكان ذلك، سنة: 327هـ، فانتشرت الرسالة، وعم نفعها في كثير من البلاد الإسلامية، وكان هدفه منها: تلقين العقيدة الإسلامية للأطفال والناشئة الصغار، الذين يتعلمون القرآن الكريم على مذهب أهل السنة والجماعة، لتغرس في قلوب الصغار، ويتعلمها الراغب في تحصين عقيدته وتدعيمها، ومعها جملة من الأحكام الفقهية التي تكمل تلك القواعد الإسلامية السليمة. 

وقد ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ أنّه اختار الاعتناء بهذه الرسالة لوجازتها، وفصاحة ألفاظها، وبُعدها عن الفلسفة التي أُدخلت على العقيدة والتوحيد، بدافع الردّ على الفلاسفة وأشباههم، وراعى الشيخ في خدمته للرسالة السهولة والوضوح، وأضاف إليها كلمات للإيضاح، وبدل بعض كلماتها بما هو أوضح واسهل على الطلبة المبتدئين، وزينها بكثير من الحواشي والتعليقات المفيدة، ثم أخرجها بثوبها الأنيق الذي اعتاد ان يخرج به كتبه.

لقيت الرسالة القبول والإعجاب من كثير من العلماء والباحثين، كما تجنى عليها أحد الدارسين محاولا النيل من محققها، فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، فأعاد نشرها تحت عنوان: (عقيدة السلف مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتاب الرسالة)، وقد رد عليه الدكتور ماجد الدرويش الطرابلسي، ببحث علمي مفصل على صفحة رابطة العلماء السوريين يرجع إليه من أراد. 

طبعت الرسالة طبعات متعددة، أولها في حلب، سنة: 1411هـ ـ 1993م، وآخرها في بيروت، سنة: 2027هـ ـ 2007م 

1 مقدمة كتاب الرسول المعلم

2 المصدر السابق.

3 المصدر السابق.

4 مقدمة رسالة سباحة الفكر 

5 مقدمة رسالة تحفة النسالك.