الشيخ محمد عدنان غشيم حياته العلمية (2)

1-إجازاتُ الشيخ ِحفظه الله:

 من خلال زياراتِ الشيخِ إلى بلادِ الحجاز ِكانَ يزورُ العلماءَ هناك، وممَّن زارَهم:

1-    الشيخ عبد الله الناخبي (1)، والذي تُوفي عن عمر يُناهز المئةَ وعشر سنين، وقد زارَه عدةَ مراتٍ وله كتابُ ثبت في مجلدين وكتبَ الإجازة للشيخِ عدنان غشيم على غلافه بخط يده.

2-   وكذلكَ التقى بالشيخِ محمد بن أحمد الشاطري(2) اليمني وأجازَه بخطِّ يده على كتابِ والدِهِ «الياقوت النفيس».

3-   وكذلك أجازَه مسندُ العصرِ العلامةُ المحدثُ الشيخُ ياسين فاداني(3)، وقد أجازه إجازة عامة وإجازة خاصة على ثبت الأمير اللقاني الكبير.

4-   وكذلك أجازَه الشيخُ محمد عاشق إلهي البرني(4).

5-   وقد أجازَه من لبنان الشيخُ حسين عسيران(5).

6-   وكذلك أجازَه الشيخُ عبد الفتاح أبو غدة  على ثبتِ الشيخِ زاهد الكوثري(6) رحمهم اللهُ جميعًا.

2-تلامذتُه وطلابُه:

أ‌-      تلامذتُه:

 لا أظنَّ أنَّ من يعرفُه حفظَه اللهُ يَخفى عليهِ أمرُ الذين أخذوا عنه العلمَ واستفادوا منه الفائدةَ الكبرى، ولا أظنَّ ذلك يَخفى على من عرفَ المدةَ الطويلةَ التي قضاها يشتغلُ بالتدريسِ، فقدْ مرَّ به أفواجٌ بعد أفواج، ينهلونَ من علمِه، ويستنيرونَ بثاقبِ نظرِه، وقد انتشروا في مدينة حلبِ وغيرها من المدن والبلدان بين عالمٍ ومدرسٍ وواعظٍ وخطيبِ مسجدٍ.

ب‌-ما الكتبُ التي قرّأتُموها للطلاب في المساجد؟

        «فتحُ الباري في شرحِ صحيحِ الإمامِ البخاري» للحافظِ ابنِ حجرَ في جامعِ أسامةَ بن زيدٍ، و«إرشادُ الساري للقسطلاني« في البيت، و«تدريبُ الراوي»، و«سلمُ الوصول»، و«الأجوبةُ الفاضلة»، و«الإقناع» و«نسماتُ الأسحار»، و«شرحُ مفتاح الجنة» للشيخ محمد الهاشمي(7) في العقيدة، و«سبلُ السلامِ شرحُ بلوغِ المرام»، و«توجيهُ النظرِ ونخبةُ الفكر» وغيرُها من الكتبِ التي لا أستطيعُ حصرَها في هذا الوقتِ.

3-دروسُه:

أ‌-      ما الأماكنُ التي درّستم بها؟

     كانَ الشيخُ محمد أديب حسون(8) رحمَهُ الله تعالى حريصًا على طلبِ العلمِ ونشرِه وتحصيلِه، وطلبَ منه أولادُه أنْ يقرؤوا عليه بعضَ كتبِ الحديثِ كـ«صحيح البخاري»، ولكنَّ الشيخَ رحمه الله بلغَ مبلغًا من السنِ كبيرةً، فطلبَ مِنْ أولادِه أنْ يدرسُوا عليَّ علمَ الحديث، ومن وقتها صارَ الدرسُ يقامُ في جامعِ أسامةَ بن زيدٍ، وأذكرُ أنَّه قالَ لي يومًا: «إنَّ لي دينًا عليكَ إذا سمعتَ منِّي خطًأ في الحديثِ أو في حكمٍ فقهيٍ أنْ تراجعني فيه لأصحِحَه»، وكانْ الشيخُ في أواخرِ حياتِه رحمهُ الله يَسْمع درسَ الشيخِ عدنان حفظَه الله وهو في غرفتِه.

ب‌-        طريقتُه في التدريس:

        أقبلَ الشيخُ على العلمِ إقبالًا منقطعَ النظيرِ، وصرفَ وقتَه كلَه للعلمِ، فظهرتْ عليه أماراتُ النبوغِ، ولذا ذاعَ صيتُه، واشتهرَ أمرُه، وعظمَ قدرُه، وعلا ذكرُه، فاجتمعَ إليه الطلبةُ مِنْ حلبَ وغيرِها(9)، وأخذوا ينهلونَ مِنَ المعينِ الصافي والينبوعِ العذبِ والنهرِ المتدفِقِ، وهو يُعاملُهم معاملةً حسنةً كريمةً، ويُعطي مجالسَ العلمِ حقَّها من الاحترامِ والتقديرِ، ويحرصُ على إيصالِ الفائدةِ إلى قرارةِ قلوبِ الطلاب، معنيًا بتثبيتِها، حتى إنَّه ليكادُ يُغني بشرحِه عن المطالَعَة.

       وإذا همّ بالجلوسِ للتدريسِ توضأ إنْ لم يكنْ على وضوءٍ بعد الصلاة، واستقبلَ القبلةَ إذا كانت الجلسةُ في المسجدِ، كما كنتُ أراه في جامعِ أسامةَ بن زيدٍ، ويبدأُ شرحَه بالبسملةِ والحمدلةِ والصلاةِ والسلامِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبِه، ويمكنُ تلخيصُ السماتِ الظاهرةِ لطريقتِه في التدريسِ في النقاط التالية:

1.يطلبُ مِنْ أحدِ الطلابِ أنْ يبدأ بالبسملةِ والصلاةِ والسلامِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

2.قبْلَ أَنْ يبدأَ بالشرحِ يَقرأُ هو ما قرأَ الطلاب.

3.يشرعُ في شرحِ عباراتِ المتنِ بدقةٍ ووضوحٍ.

4.يعرضُ بعضَ المسائل ويتكلمُ عليها.

5.إذا عرضَ لمسألةٍ فيها خلافٌ، ذكرَ رأي المؤلِفِ أولًا وأدلتَه، ثُمَّ ذكرَ رأيَ المخالفينَ كلًا على حِدةٍ مع دليلِه، وكانْ في ذلك كله يحترمُ كلَّ ذي رأيٍ مِنْ العلماءِ ولا يذكُرُه بما يسوء، وكان يرجِحُ ما يراه معتمِدًا في ذلك على الدليلِ وأقوالِ المحققين، ولمْ يَكنْ يُعرضِ مِنْ الخِلافِ إلَّا ما كانْ ذا جدوى، وقدْ يُصححُ أحدَ القولينِ بدونِ سردِ الأدلةِ لقِصرِ الوقت.

6.كانَ إذا فرغَ من الدرسِ تلقى أسئلةَ الطلابِ وأجاب.

7.يلتزمُ الهدوءَ أثناءَ شرحِه للمتون، أو تعليقِه على المُطولات؛ فلا تراهُ يلتفتُ أو يشيرُ بيدٍ أو يَعبثُ بشيءٍ.

8.لم يَكنْ يَسمحُ بإثارةِ الأسئلةِ التافِهة، أو الدخول في مناقشاتٍ عقيمَة.

 وهُوَ كمَا قالَ لِي في لِقائِي معَه: «مَنهَجِي هُوَ التركيزُ على فهمِ النَّصِ وتحليلِ معناهُ، وذلِكَ بِمَا يتعلقُ بِهِ مِنْ أحكامٍ فِقهيَّةٍ ولغويَّةٍ وتفسيريَّةٍ وحديثيَّةٍ، وكذلِكَ فَهمَ الكلماتِ التي نقرؤُهَا ونستوعبَ مرادَ المؤلفِ مِنْها، وإلّا القراءةُ ليسَ لها فائدة، فغايَتِي فِي القراءةِ الكيفُ وليسَ الكمُّ، وأنقلُ للطلابِ تعليقاتِ علماءَ آخرينَ على مسألةٍ مِنَ المسائِل، ولو جمَعْنَا هذهِ التعليقاتِ والنُقولات ِمِنَ العلماءِ لأصبحتْ في مجلّداتٍ كبيرَة».

4-سفرُ الشيخِ حفظَه الله في سبيلِ طلبِ العلمِ:

        سافرَ الشَّيْخُ حفظَهُ الله إِلَى كل مِنْ مِصر ولبنانَ وتُركيا والعِرَاق وبلاد الحِجَازِ، وكانَ جُلُّ سفرِهِ مِنْ أَجلِ زِيارةِ العلماءِ والمحدثينَ وشراءِ الكُتُبِ، وذكرَ لِي أَنَّه سافر مَرَّةً خِصِّيصًا إِلى مصر فِي سنةِ: 1970م مِنْ أجلِ شراءِ كِتَابِ الأُمِّ للإمَامِ الشَّافِعِيِّ؛ حيثُ لَمْ يَكُنْ متوفرًا آنذاك فِي سُورِيَّة، وقدْ حَجَّ الشَّيخُ حَفِظَهُ الله مَا يَزِيد عَن الثَّمَانِيَةِ حِجَج واعتمرَ كثيرًا.

5- جهودُه في علم الحديث:

1-   آثارُه:

لَمْ تكنْ في حياتهِ فرصةً يتفرَّغُ فِيهَا للتأليفِ، فقد كان انْشِغالهُ بالتَّدْريسِ ومراجعةِ العلومِ لا تدع له فُرصةً لِلرَّاحةِ؛ فضلًا عَنْ أَنْ تدعَ له فُرصةً يُفرغُ فِيهَا ذِهْنَهُ، ويرجعُ إلى المراجعِ فيكتبُ وينشرُ، كما لكثيرٍ مِنْ أهْلِ العصرِ مِنَ الكُتَّابِ، وليسَ مِنْ عادته أَنْ يكتبَ كُلَّ مَا عَنَّ لَهُ، ومعَ ذلك فَإِنَّ حياتهُ لَمْ تخل مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الرَّسائِل والفتاوى(10) الَّتِي كتبها فِي مُناسباتٍ مُختلفةٍ.

2-   فتاواهُ للناس:

        النَّاظِرُ في حياةِ شَيْخِنَا المترجَم حفظهُ الله يجدُ أَنَّ الفتاوى أخذت جزءًا غير يسيرٍ مِنْ حياةِ الشَّيْخِ، فَهُوَ حَرِيصٌ على نَفْعِ النَّاسِ وَمُساعدتِهِمْ فِيمَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْحوَادِثِ والقضايا، سَواءً كَانتْ صغيرةً أَمْ كبيرةً على كافَّةِ المُستوياتِ، فقدْ بذلَ نفسه للصَّغيرِ والكبيرِ، للرجُلِ والمرأةِ، لا يحتجِبُ دُونَ أحَدٍ ولا يَردُّ سَائِلًا.

الحلقة الأولى هنا

====-

([1]) هو الشيخ عبد الله بن أحمد اليافعي الناخبي ولد سنة: 1890م في حضرموت، عالم، محدث فاضل، من مؤلفاته: «ديوان شاعر دولة، حضرموت فصول في التاريخ والتراجم والقبائل» توفي سنة: 2007م في جدة، انظر كتاب «سطور في ترجمة الشيخ عبد الله الناخبي» بقلم تلميذه محمد بن أبي بكر باذيب.

(2) هو الشيخ محمد بن أحمد بن عمر الشاطري اليمني ولد سنة: 1331هـ في مدينة تريم، عالم، شاعر، عمل في الإفتاء والقضاء، من مؤلفاته: «شرح الياقوت النفيس، الدروس التوحيدية» توفي سنة: 1422هـ في مدينة جدة، انظر كتاب «شرح الياقوت النفيس» ص 19.

(3) هو الشيخ محمد ياسين بن محمد عيس الفاداني ولد سنة: 1916م في مكة المكرمة، عالم، محدث، من مؤلفاته: «إتحاف الإخوان باختصار مطمح الوجدان في أسانيد الشيخ عمر حمدان، أسانيد الكتب الحديثية السبعة، الدرر المفيد من درر الأسانيد» توفي في مكة المكرمة سنة: 1990م، انظر «تتمة الأعلام»: ص 155، 156.

(4) هو الشيخ محمد عاشق إلهي البرني ابن الشيخ محمد صديق، ولد في الهند سنة: 1343هـ، عالم محدث، فقيه، من مؤلفاته: «مجاني الأثمار من شرح معاني الآثار، تبهيج الراوي بتخريج أحاديث البيضاوي، العناقيد الغالية من الأسانيد العالية» توفي في المدينة المنورة سنة: 1422هـ، انظر «نثر الجواهر والدرر»: 2، 2072. 

(5) هو الشيخ حسين بن أحمد عسيران المولود في صيدا جنوبي لبنان سنة: 1911م، مسند الديار اللبنانية ومقرؤها ومحدثها وفقيهها له: «منة الرحمن في أسانيد حسين عسيران»، انظر «نثر الجواهر والدرر»: 2، 1792.

(6) هو الشيخ محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري، عالم، محدث، محقق، ولد في تركيا سنة: 1296 هـ، أمين المشيخة في الدولة العثمانية، هاجر إلى مصر هربا من اضطهاد أتاتورك، له مؤلفات كثيرة منها «نقد كتاب الضعفاء للعقيلي، الإشفاق على أحكام الطلاق، محق التقول في مسألة التوسل» توفي بمصر سنة: 1371هـ، انظر «مقالات الكوثري»: ص 427، «الأعلام»: ص 6، 129، «نثر الجواهر والدرر»: 2، 1173.

(7) هو الشيخ محمد بن أحمد الهاشمي ولد في الجزائر سنة:1880م، وهاجر إلى بلاد الشام سنة: 1911م، له مؤلفات عديدة منها «مفتاح الجنة شرح عقيدة أهلب السنة، الدرة البهية، شرح شطرنج العارفين» توفي بدمشق ودفن فيها سنة: 1961م، انظر «نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر وبذيله عقد الجواهر في علماء الربع الأول من القرن الخامس عشر»، يوسف المرعشلي، 2، 1064. 

(8) هو الشيخ محمد أديب بن محمد بن أحمد حسون الياقدي الحلبي، ولد في قرية ياقد العدس من أعمال حلب سنة: 1913م، فقيه، صوفي، مرب، مرشد، من مؤلفاته «شرح الحكم لابن عطاء الله السكندري، مختصر الأذكار للنووي، مختصر المجموع في الفقه الشافعي» توفي في حلب سنة: 2008م، انظر كتاب «علماء من حلب»: ص 612.

(9) ولقد شاهدت عنده مرارًا عدة طلبة من ماليزيا وأندونيسيا ممن كانوا يدرسون في دمشق يأتون إليه لينهلوا من علمه.

(10) طبعت على شكل كتاب إلكتروني وعنوانها «بحوث ودراسات في علوم الحديث والفقه» في: 654 صفحة.