زَفَراتٌ وعَبَراتٌ في رثاءِ شَهيدٍ

نعيش اليوم زمناً كثرت فيه ألاعيب السَحرَة! .. وغابت فيه عصا موسى .. في وطنٍ أضحى آحادها أسيراً في أيدي الطغاة المستبدِّين .. نشهد فيه تدجيل أهل النفاق وأبناء مسيلمة الكذاب!!. 

أقبلت الرزايا فوق المطايا تحمل المنايا .. تملأ كأسَنا صروفُ الدهر .. وتشبعنا غصص الألم والمعاناة .. ويلوِّح لنا الطغاة على متنها بسرابٍ خادعٍ في صحراء الهجير الحارق .. وكلٌّ منا يرتشف كأس المنيِّة حتف أنفه. 

ولا غرابة أن يبحث الدكتور مرسي عن سكنٍ .. كما النسور في قمم الجبال .. فتفوح من عبيره نفحاتُ مسكٍ تهفهف في هواءٍ طلقٍ تعطِّر أجواءه .. فتستحيل ذكرياتٍ لا يعتريها تجاهلٌ أو نسيان. 

ثمَّة نورٌ باهرٌ من كبد السماء .. بشِّر بشهادة حافظٍ لكتاب الله .. أضحى شهاباً اخترق ضياؤه غسق الدجى. 

طوى الردى .. عصر هذا اليوم .. جبلاً شامخاً يتيه على معاصريه .. بما حمل من مبادئَ ساميةٍ وقيمٍ نبيلةٍ. 

حلقة جديدة في سلسلة طويلة .. من شهداء هذه الأمَّة الولاَّدة .. غدت تاجاً رُصِّع بالدرِّ ..ِ وثوباً نُسِجَ بخيوط الذهب .. وقلادةً قد نُظمِت بالجوهر! فآل هذا التاج إلى قطعةٍ نفيسةٍ لا تضاهى ولا تُقدَّر بثمن. 

رحم الله الدكتور مرسي .. فقد أحاطت به الأفئدة التوَّاقة بحبِّه إحاطة السوار بالمعصم .. كان بستاناً فيه شجرٌ وارفٌ وطيرٌ غرِدٌ .. صاحب كلام صادق .. وبيان ناطق .. ولفظ دافق .. وأسلوب سامق. 

قد اتِّخذ العلياء مطيِّة .. وحزم متاعه برباط الالتجاء إلى الله .. كتب على صفحات القلوب رسائل من التأثير .. وفي العقول صوراً من براعة التعبير .. وبنى في الأفئدة خياماً من جلال التصوير .. علَماً مشدود القامة .. عالي الهامة .. تتأجَّج في فؤاده عزَّة الإيمان .. وتتوَّقد بين جوانحه شعلة الإسلام .. ومن هنا رفع الله في الخافقين ذكره .. فسار اسمُهُ مسيرة الشمس!.