محمد سعيد الطنطاوي1 - مدرسة علمية تربوية متميزة

يسر موقع رابطة العلماء السوريين أن تقدم هذه الترجمة المحفزة عن فضيلة العالم المربي الزاهد الشيخ محمد سعيد الطنطاوي التي قدمها تلميذه الوفي الحفي الدكتور محمد منير الغضبان جزاه الله خير الجزاء، وهذه الدراسة لم تستوف جوانب الشيخ ومواهبه المتعددة

وتلاميذ الشيخ كثيرون، والناهلون من علمه وفضله متنوعون، ولدى كل واحد من نوادر أخباره وعجائب أحواله، ما ليس لدى الأخر، ولهذا ندعو الإخوة عارفي الشيخ ومحبيه أن يوافونا بما لديهم من ذكريات وأخبار عن الشيخ لنستوفي ترجمته ونعرف بفضله ونجدد الدعوة لاستيفاء كثير من التراجم المنشورة إذ لدى بعض الإخوة من المعلومات والأخبار ما لم نوفق لنشره فنجدد الدعوة لإرسال ما لديهم، لإضافتها إلى الترجمة مع إضافة الفائدة لصاحبها.

وستقوم رابطة العلماء السوريين بجمع هذه التراجم وتقديمها في كتاب يعرف بعلمائنا وجهودهم وجهادهم العلمي والدعوي والتربوي والله الموفق.

محمد سعيد الطنطاوي

مدرسة علمية وتربوية متميزة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرحمة المهداة وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

علامة الشام الشيخ محمد سعيد الطنطاوي، يصعب الحديث عن علمه وفكره دون الحديث عن شخصه لأنه لم يكن يوماً مجرَّد عالم فقط، أو مفكر فحسب، لقد كان طيلة حياته مدرسة تربوية كاملة.

قد تلتقي مع كل فروعها، وقد تختلف مع بعضها، لكنك في النهاية تحترمها، ولو خالفتها في بعض جزئياتها، وهو اليوم ـ فيما أرى ـ الحجة على الأمة، في سلوكه، والقدوة لشبابها في عمله، في الوقت الذي يرفض أن يعتبر نفسه كذلك.

ولن تستطيع أن تتناول جوانب شخصيته كاملة إلا من خلال كتاب موسع، أو سفر كبير، ومن أجل هذا سيكون الاختصار غير المخل هو طابع هذه الكتابة، مرجئاً التفصيلات والتحليلات إلى ذلك الوقت، وأجدني محاصراً خلال أسبوعين لكتابة هذه الإلمامة عنه، أو التعريف فيه، من دون أن أتفرغ لذلك في قلب مشاغلي، وكتاباتي وأعمالي الأخرى، راجياً القربى من الله تعالى في تعريف الأمة على هذا العالم الحبر، والشيخ القدوة، آملاً من الله جل ثناؤه القبول والرضا، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين.

الشيخ العلامة محمد سعيد الطنطاوي

1ـ ولد في دمشق عام 1923للميلاد.

2ـ توفي أبوه وعمره ثلاثة أشهر، وتوفيت والدته وعمره سبع سنين.

3ـ اسم أبيه مصطفى بن أحمد بن علي بن مصطفى الطنطاوي، ومصطفى هذا هو الذي قدم من مصر.

4ـ كان أصغر إخوته جميعاً، وكان الإخوة الأربعة: العلامة الشيخ أديب العربية علي الطنطاوي وهو أكبر إخوته وهو الذي رعاه في صغره، وأشرف على تربيته، والذي كان عمره ثلاثة عشر عاماً عند وفاة والده.

5ـ يلي الشيخ علي الطنطاوي، ناجي الطنطاوي الذي عمل في حقل القضاء طيلة حياته وساهم في عالم الأدب والعلم الشرعي.

6ـ يلي ـ ناجي ـ الدكتور عبد الغني الطنطاوي أستاذ مادة الرياضيات في جامعة دمشق، وأول دكتور في الرياضيات في سورية، كما درس في جامعة الملك عبد العزيز، وجامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية.

7ـ جدُّه أبو الفتح الخطيب ، من جهة أمه، له ثلاثة أولاد: محب الدين، ورئيفة والدة الشيخ، وبهية. وأسرة الخطيب كانوا خطباء المسجد الأموي بدمشق، ومحب الدين الخطيب الداعية الكبير والصحفي الشهير خاله .

8ـ دخل الكُتَّاب لنصف يوم، ولم يُعجبه لأن الذي يدرس فيه امرأة عجوز،ثم دخل المدرسة في مسجد الأقصاب بدمشق(مز القصب) في حي السادات، ثم دخل المدرسة الإعدادية.

9ـ ترك الدراسة في الصف الثاني متوسط، ثم تقدم لدراسة حرة لشهادة الإعدادية، فنجح وعاد فانتظم في دراسته الثانوية.

10ـ حين فتحت كلية العلوم بجامعة دمشق بعد الاستقلال، كان من الفوج الأول الذي دخلها وتخرج فيها .

تعرفي عليه:

كنت في سن المراهقة دون الخامسة عشر من العمر، حين كنت أسمع عنه من أحبابه، وعلى رأسهم الأستاذ عصام العطار، الزعيم السوري الكبير ، وكان له صورة في مخيلتي ، من خلال الثناء العطر عليه، في عمامة كبيرة، وجبة واسعة، مثل ما يلبس علماء الشام العريقون.

وقُدِّر لي أن ألتقيه بعد سنة من هذا العمر، وأنا طالب في الصف الأول الثانوي في صلاة الظهر في بلدي ـ التل ـ التي تبعد خمسة عشر كيلاً عن العاصمة دمشق، ومعه خمسة عشر طالباً بسني معظمهم في هذا الصف ـ وفي عطلة الصيف ـ حيث نستعد لدخول ـ الحادي عشر ـ مع افتتاح المدارس، دلوني عليه، فإذا هو شيخ شاب أسود اللحية فاحمها، على رأسه قلنسوة عاديَّة، يلبس معطفاً طويلاً تحته بنطال يرتفع فوق الكعبين، سمته البساطة المتناهية، سلَّمت عليه بحرارة، ودعوته لتناول الغداء عندنا مع هؤلاء الفتيان، فوافق على شرط أن لا أضع على الغداء إلا زيتوناً وبندورة، وهو يشتري سطل اللبن الرائب، ورأيت الجدَّ الصارم منه في هذا الأمر.

فوافقت، راح يشتري اللبن، وجد البائع قد علَّق صوراً لنساءٍ في حانوته، نصحه، وناقشه، فانزعج البائع منه لتدخُّله في خصوصياته، فتركه ومضى إلى بائع آخر، اشترى منه اللبن، وكان ذلك عام ثمانية وخمسين وتسعمائة وألف للميلاد، ومضى مع هؤلاء الطلبة إلى بيتنا، وتناولوا الغداء عندنا من الزيتون واللبن والبندورة، ودعاني لمرافقتهم إلى منين، القرية المجاورة مشياً على الأقدام.

جلسنا بجوار نهر منين في ظل شجيرات جميلة، وتنوَّع الحديث فيما أذكر عن الجانب العلمي في التاريخ الإسلامي، ومن أين أتى اسم مادة الكيمياء، وأن أصلها ـ السيمياء ـ وهو علم السحر، ومحاولة صنع الذهب من المعادن العادية، وعرفت فيما بعد أنه أستاذ مادة الكيمياء والفيزياء في أكبر ثانويات دمشق (التجهيز الأولى)، وهؤلاء طلبته فيها، وهذا هو اختصاصه العلمي، وكان الجانب الآخر من الحديث عن الزهد في الدنيا، والشوق للآخرة، وكان الحديث من القرآن والسنة والشعر، وسمعت أبياتأً رائعة لأبي العتاهية وحفظت منها:

بين عيني كلِّ حيّ عَلَمُ الموت يلوح

لَتَمُوتنَّ ولو عُمِّرت مثلَ ما عُمِّر نوح

واستمرَّ الحديث قرابة الساعتين والنصف لم نحس به إلا وكأنه دقائق، ولاحت الشمس للغروب، فانفضَّ مجلسنا عائدين إلى التل، حيث صلينا المغرب هناك، ولم نجد سيارة تقلُّهم فمضوا إلى الوادي، بينما كان الشباب القادمون بالدراجات قد غادرونا إلى دمشق، حيث وجد الباقون والشيخ معهم سيارة في وادي التل ماضية إلى دمشق قريب العشاء فاستقلُّوها إليها.

وعرفت فيما بعد أن هذا ديدنه مع هؤلاء الشباب كل أسبوع، حيث يمضون لإحدى القرى المجاورة لدمشق مشياً على الأقدام وبعضهم على الدرجات ويمضون الوقت بين عبادة ورياضة وتدريب وموعظة وطعام يسير، وأصبح هؤلاء فيما بعد قادة فكريين أو علماء أو أساتذة لامعين.

في ثانوية جودت الهاشمي:

قُدِّر لي أن أكون طالباً في التَّجهيز الأولى ـ ثانوية جودت الهاشمي فيما بعد، وكان أساتذة المادة خمسة مدرسين، ولم يقدر لي أن أكون عنده، ولم أكن من المبدعين في الجانب العلمي، حيث اخترت أن أُتم الشهادة الثانوية فيما بعد في الفرع الأدبي، وكنت أسمع عن قصصه العجيبة في الثانوية فلم يكن ليدخل قاعة المدرسين في الفرصة إطلاقاً، إنما يتجمع الطلاب حوله في نقاش فكري معه، وأسئلة علمية وأذكر إحدى هذه الفرص، فقد علَّم طلابه أن عندهم امتحاناً (مذاكرة) على رأس كل شهر عربي ، فجاءه طالب وسأله:

أستاذ: هل عندنا امتحان في شهر جَماد الأول؟

قال له: شهر جَماد؟ (مستنكراً) شهر جُمادى. أما سمعت قول الشاعر؟

ركبت من المقطم في جمادى إلى بشر بن مروان البريدا

قال: لا ، قال له: ألا تعرف بشر؟ قال: لا . قال: أخو عبد العزيز. أما تعرف عبد العزيز؟ قال: لا . قال: أبو الأشج، ألا تعرف الأشج؟ قال: لا (وكلنا نستمع وكلنا لا نعرف شيئاً مما يسألنا عنه) قال: الأشج والناقص أعدلا بني أمية، ألا تعرف الناقص؟ قال: لا . قال: بشر هو بشر بن مروان بن الحكم، وأخوه عبد العزيز بن مروان والي مصر لأخيه عبد الملك بن مروان، وعبد العزيز هو أبو الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، الذي سُمِّي بالأشج، لشجَّةٍ كانت في وجهه أو رأسه، والناقص هو يزيد بن الوليد الذي ثار على الوليد بن يزيد وقتله.

وكان عمر بن عبد العزيز ويزيد بن الوليد هما أعدل بني أمية ، وقُرع جرس انتهاء الفرصة ومضينا إلى صفوفنا.

وشهدت آنذاك، ثقافته التاريخية الواسعة، وعرفت أنه داعية في كل لحظة من لحظات حياته، فهو مع الطلبة والشباب في كلِّ لحظة ينهلون من علمه، ويستفيدون من ثقافته.

وحدثني ـ فيما بعد ـ أنه كان يُعطي الطلبة في دمشق أربع دورات علمية في الصيف: بعد صلاة الفجر، الذين كانوا يمشون ما بين الخمسة والعشر كيلو متر كل يوم قبيل الفجر ليحضروا هذه الدورات في الحديث والفقه والسيرة والتفسير، إضافة إلى رحلاته الأسبوعية التي لا تنقطع معهم.

منهجه التدريسي:

مما عرفته عنه أنه كان دائماً ينهي المنهاج التدريسي قبل زملائه جميعاً لأنه يعتكف في العشر الأخير في رمضان كل عام، سواءٌ وافقت الوزارة أم لم توافق، ولا يمكن للوزارة أن تحاسبه، فتدريسه وطلابه أكثر الطلبة جداً واجتهاداً، وكان لا يخل إطلاقاً في لحظة من لحظات تدريسه، وينهي المنهاج قبل زملائه المدرسين، ولا يقبل أي عذرٍ لتغيُّب الطَّلَبة عن الحصَّة الدراسية.

كيف أعفيت لحيتي؟

كنت قد غادرت الثانوية، فالتقيُته مرَّة في أحد مساجد دمشق، صلينا ووقفت معه قال لي: لم لا تربي لحيتك؟ وصرت في الصف الثالث الثانوي. قلت له: لو ربيت لحيتي لأخرجني أهلي من البيت وطردوني، فليس في بلدناكلها أحد له لحية، فلو فعلت لاتهموني بالجنون، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، قال: ما معنى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}؟ وكيف تطبقها على إطلاق اللحية؟

قلت: هل يطلب الله تعالى مني أن أبقى مشرَّداً بلا بيت، قبل أن أنهي دراستي، وأعمل بوظيفة أرتزق منها؟ وحيث أن إطلاق اللحية سوف يقودني إلى هذا المصير فهذا فوق وسعي، ولا يكلِّف الله نفساً إلا وسعها.

قال لي دقّق بقول الله عزّ وجل:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}فهذا يعني أنه ما من تكليف يكلف الله تعالى به عبده إلا وهو في وسع الإنسان، فإذا كان الله تعالى قد حرَّم عليك حلق لحيتك، فهذا يعني أن إطلاقها بوسعك، لأن الله تعالى لا يكلِّف بأمر ليس بوسع الإنسان.

أحسست أنه قلب معنى الآية عندي قلباً جذرياً، واختلف تفسيرها كاملاً عما كنت أفهمه، ثم تابع: هل تعلم أنَّ قلب أبيك وأمك هو بيدهم، أم بيد الله عزّ وجل؟

قلت: بيد الله عزّ وجل. قال: هل يمكن أن يتركك ربك وحدك حين تطلق لحيتك، ولا يغيِّر قلب أبويك لقبول هذه الطاعة، جرِّب الأمر ثم قابلني بعد ذلك.

وبقيت هذه الكلمات ترنُّ في أعماقي أربع سنين، لا أجرؤ على توفير لحيتي، وضميري يعذبني على حلقها، وبعد أربع سنين عُينت معلماً ابتدائياً بإحدى قرى دير الزور، وصمَّمت أن أدخل على بيتي بلحيتي الخفيفة، حيث كنت قد جئت مع امتحان السنة الثانية ـ شريعةـ

كانت والدتي تخبز الخبز على التنور، ورأت لحيتي ـ رحمها الله تعالى ـ وصرخت: ربيت لحيتك ، عد فاحلقها، قال لها والدي ـ رحمه الله تعالى ـ: يتأخر على الامتحان يحلقها بعد العودة من امتحانه، فصمتت أمي على مضض على أن أحلقها بعد العودة من الامتحان .

قالت لي في اليوم الثاني: إذهب واحلق لحيتك، قال لها أبي: عيب لقد رآه الناس بلحيته، ثم يحلقها، دعيه عندما نزوِّجه يحلق لحيته، ثم صمتت على مضض، وحُلَّت أعقد مشكلة بقيت تؤرقني أربع سنين.

وغيَّر الله قلب أمي وأبي، وكنت أول من أطلق لحيته في بلدي، وعرفت صدق فراسة الشيخ وتحليله وتفسيره للآية الكريمة.

هكذا كانت تربيته، وكنت أول من سنَّ هذه السنة، فبدأ الشباب من إخواني يتقاطرون على تقليدي.

أثره في صفوف الشباب المسلم:

استطاع رحمه الله أن ينشر هذه السنَّة في صفوف الشباب والدعاة في الوقت التي لم يكن لها وجود عندهم، وأن ينشر تلقّي العلم الشرعي والمحافظة على صلاة الجماعة، والدعوة إلى قيام الليل، والجمع بين الجدِّ في الدراسة ومتابعة العلم الشرعي، والسلوك الإسلامي ، وكوَّن مدرسة من الشباب الإسلامي يتحدى واقعه الآسن، ويهتم بدينه ودعوته بدل أن يكون متسكّعاً في الطرقات، هائماً وراء ملاحقة البنات.

اللقاء الرابع في دمشق:

لقيته مرة رابعة في مسجد في أحياء دمشق الراقية، وسألته عن أحواله، وكان ذلك اللقاء قبل نهاية الوحدة بين سورية ومصر، حيث صرت طالباً في السنة الثانية بكلية الشريعة عام 1960م ، فقال: انظر . وأشار إلى مبنى المجلس الأعلى للعلوم والآداب، وهو الذي لا يصل إليه إلا جهابذة العلماء، وكبار الأساتذة.

قال: أنا مسجون هنا، واعتبر نقله لهذا الموقع سجناً له، ومنعاً له عن ممارسة نشاطه في صفوف الطلبة ، فكيف وصل إليه؟.

أخذت الجواب منه بعد ثلاثين عاماً في شوارع مكة المكرمة.

في دار المعلمين:

حدَّثني عن مرحلة دار المعلمين، حيث نقل إليها، ومعظم الطلبة من الفئات الجاهلة، المنتسبة إلى الإسلام، والقرى، وقد صاروا حزبيين والأساتذة يُسايرونهم، وقد ضجوا منهم، ولكن باستعمال أسلوب إخافة الكبار سيطر على الصفوف سيطرة تامة، وعجز الحزبيون عن إيذائه، إلا عن طريق التقارير بحقّه إلى المخابرات، وقد استُدعي مرتين، وناقش مسؤول المخابرات لمدة لا تقل عن خمس ساعات، وكانت المناقشة تحمل الاحترام له.

تدريسه في طرطوس ونقله إلى المجلس الأعلى للعلوم والآداب:

ثم تلقَّى خبر نقله إلى طرطوس في آخر العام الدراسي 1959ـ1960، في عهد الوحدة وعهد الرئيس عبد الناصر، ووصل إلى هناك أثناء تصحيح أوراق الامتحان، أو قبل ذلك بقليل ابتدأ التصحيح وطلب منه المشاركة فرفض أن يشارك في جوِّ الاختلاط بين المدرسين والمدرسات، جادله رئيس القاعة فرفض وجلس في قاعة مستقلة.

استدعاه مدير التعليم ـ وهو دمشقي ـ مثله، واستمرت المناقشة بينهما من الصباح حتى الثانية ظهراً أو أكثر، وحدث في اللقاء أن ذكر مدير التعليم ضرورة تنفيذ أوامر الوزارة، فأخرج مصحفاً كان في جيبه وقال له: هذا هو القانون الوحيد الذي أسمع له وأطيع وما عدا ذلك فهو تحت قدمي.

استدعاه مدير التعليم ثانية بعد الظهر، وحاول استعمال اللين معه، وأنه يعمل لصالحه، ويطلب منه الموافقة فرفض. طلب منه أن يكتب رفضه فقال له: سؤالك شفهي وإجابتي شفهية، وبعنف أخذ مدير التعليم ورقة، وكتب عليها السؤال، وطلب منه الإجابة عليه:

فراح يكتب الجواب ويهاجم الاختلاط في التصحيح بين المدرسين والمدرسات، وأحسَّ أنه سيخسر الجولة، فتطرق إلى عبد الناصر وأحاديثه عن الأخلاق والتدين، وأنكم تخالفون تعليماته، قرأ مدير التعليم الجواب، فَسُرَّ بأوله وانفعل بآخره انفعالاً شديداً.

ثم كان لقاء اليوم الثاني معه، واستعمل معه الليونة دون جدوى، فاستدعى وكيله وقال له: ناقشه ، وإن بقي مُصراً على موقفه، فأعطه إذن سفر ليغادر إلى دمشق، ودون جدوى وأُعطي إذن سفر، رغم أن الأمر من الصعوبة بمكان.

وصل إلى دمشق ليرى أمر نقله إلى المجلس الأعلى للعلوم والآداب، وهناك وجد مكتبة، وراح ينظمها ويقرأ ما فيها، وخاصة سلسلة الألف كتاب، وكان هذا حبسه الذي حدَّثني عنه.

* * *

نشرت 2013 وأعيد تنسيقها ونشرها 25/9/2019