الشيخ إبراهيم السلقيني (الحفيد)

1355 ـ 1432 هـ

1934 ـ 2011 م

 

شيخنا الأستاذ الدكتور الشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم الخطيب المشهور بالسلقيني الحنفي الحلبي (1).

مفتي محافظة حلب، وعلم من كبار أعلامها، فقيه، عالم، بحاثة، له مشاركة في الحياة العلمية والاجتماعية والسياسية.

ولد في مدينة حلب، في حي (باب المقام) (2) ، سنة: خمس وخمسين وثلاثمئة وألف للهجرة، الموافق لعام: أربعة وثلاثين وتسعمئة وألف للميلاد، في أسرة توارثت العلم والتقوى، فجده العلامة الشيخ إبراهيم، كان أحد فحول العلماء في مدينة حلب، وقد شارك في إحياء المدرسة (الخسروية)، وأعاد إليها مجدها الغابر في نشر العلم وإفادة الطلاب، ثم عمل مدرسا للعلوم العربية والشرعية فيها، وقد اشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الرفيعة (3)، أما والده شيخنا الشيخ محمد فهو أحد فقهاء عصره، العالم الزاهد الداعية، الذي صرف عمره المديد في الدعوة إلى الله، ونشر العلم وإفادة طلاب العلم، وعامة الناس (4)، في هذه الأسرة الكريمة، نشأ الشيخ وترعرع في أحضان جده الذي أولاه رعاية خاصة، وأشرف على تعلمه القرآن الكريم، وحفظ بعض سوره وآياته، بالإضافة إلى حفظ بعض المتون في الفقه واللغة العربية، قال لي: (كان للجد - رحمه الله - الفضل الأكبر في تعليمي وفي توجيهي نحو طلب العلم الشرعي وحبه، وكان له الأثر الأكبر- بعد الله سبحانه - في حياتي العلمية والعملية، وتوفي وأنا في الثالثة عشرة من عمري، فتأثرت لوفاته تأثرا عظيماً) (5).

وتلقى الشيخ تعليمه الابتدائي في مدرسة الاستقلال الكائنة في حي (باب المقام)، وكان خلال دراسته في هذه المرحلة من الطلاب المتفوقين دائما، وما أن أتم تعليمه الابتدائي حتى انتسب إلى (المدرسة الخسروية)، التي كانت تدعى (بالكلية الشرعية)، وفي هذه المدرسة المباركة، التقى الشيخ جل شيوخه وأساتذته العظام، الذين تلقى العلم عنهم، وتخلق بأخلاقهم، وتأثر بهم، ومن أساتذته في هذه المدرسة: العلامة الشيخ محمد نجيب خياطة، شيخ قراء حلب، وقد أخذ عنه علوم التلاوة والتجويد والفرائض، والعلامة الشيخ محمد راغب الطباخ، وقد تلقى عنه علوم الحديث الشريف ومصطلحه، بالإضافة إلى الثقافة الإسلامية، والمربي الشيخ عبد الوهاب سكر، وقرأ عليه السيرة النبوية الطاهرة، والتربية الإسلامية، وأعلام الإسلام، كما تلقى الشيخ علم الفقه الحنفي على شيخه الشيخ أحمد الشماع، وحضر دروس شيخه الشيخ محمد سعيد الإدلبي في الفقه الشافعي، وأخذ علوم التعبير والبلاغة والخطابة على شيخه المفتي الشيخ محمد الحكيم، وتلقى علوم اللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وآدابها، على شيوخها الأجلاء، أمثال: الشيخ محمد الجبريني، والشيخ عبد القادر كرمان، والأستاذ الشاعر عمر يحيى، ولعل أكثر شيوخه تأثيرا في تكوينه العلمي والثقافي والفكري، والده شيخنا الشيخ محمد السلقيني، الذي أولاه جلّ رعايته واهتمامه، وقرأ له علم الفقه الحنفي وأصوله، وكان دائم المدارسة له في شتى العلوم والفنون، وشيخه الشيخ محمد أبو الخير زين العابدين، الذي درس عليه الشيخ المفتي، علوم العقيدة والتوحيد والمنطق، وتأثر بفكره الحر وآرائه الجريئة، يقول: (الوالد والشيخ محمد أبو الخير زين العابدين والجد - رحمهم الله جميعاّ - كان لهم الأثر الأكبر - بعد الله سبحانه وتعالى - في حياتي العلمية والعملية والفكرية) (6) ، وتابع الشيخ المترجم دراسته في (المدرسة الخسروية) بنشاط دائم، وتفوق ملحوظ في صفوفها الستة، إلى أن تخرج فيها متفوقاّ على زملائه، عام: 1951م، ولم يكتف الشيخ بما حصله في (الكلية الشرعية) - الثانوية الشرعية - بل عمل على متابعة تحصيله العلمي، وحصل على الثانوية العامة (الفرع الأدبي) في العام التالي، انتسب بعدها إلى كلية الشريعة في جامعة الأزهر في القاهرة، وكلية الحقوق في جامعة دمشق، لكن حبه لطلب العلم الشرعي واهتمامه به، جعله يغادر كلية الحقوق بجامعة دمشق، وهو في السنة الثالثة، ليتفرغ لطلب العلم الشرعي.

وفي جامعة الأزهر انصرف الشيخ إلى تلقي العلم على كبار علماء مصر في ذلك العصر، فأخذ عنهم وتخرج بهم، وكان من أبز شيوخه الذين تأثر بهم في مصر: العلامة الشيخ أحمد فهمي أبو سنة، الذي درس عليه علوم الحديث الشريف ومصطلحه، والعلامة الشيخ عبد الوهاب البحيري، وقرأ عليه الحديث الشريف أيضاً، والدكتور الشيخ محمود شلتوت، وأخذ عنه علم الفقه المقارن، والدكتور الشيخ محمد بدران، وأخذ عنه أصول الفقه، والدكتور الشيخ أبو النور زهير، وأخذ عنه أصول الفقه أيضاً، والشيخ محمد الفايد، وقرأ عليه الفقه الحنفي، وغيرهم من علماء مصر الأجلاء، وتابع الشيخ المترجم تحصيله في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، بجدّ واجتهاد إلى أن تخرج فيها عام:1956م محصلاً شهادتها (العالية) بتقدير جيد جداً، وكان ترتيبه الثاني على دفعته التي تخرجت معه.

عاد الشيخ المفتي بعدها إلى موطنه، ليعمل على بذل هذا العلم الذي حصله في الأزهر، فعمل مدرساً لمادة التربية الإسلامية في عدد من ثانويات حلب، وفي دار المعلمين والمعلمات، وفي المدرسة (الخسروية) - الثانوية الشرعية - التي تولى إدارتها عام: 1964 إلى عام 1966م، وفي هذه المدرسة ظهرت شخصيته العلمية والإدارية المتميزة، واستطاع بهمته وشجاعته أن ينهض بها، ويضبط نظامها، ويخلصها من بعض الطلاب الفوضويين المنتسبين إليها، ويضع حداّ للفتن والاضطرابات التي كانت تعاني منها، وعندما عورضت بعض قراراته الإصلاحية، قدم الشيخ استقالته من إدارة المدرسة (7)، وعاد إلى متابعة تحصيله العلم ونشره بين طلابه.

فعمل مدرساً معاراً في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، في المملكة العربية السعودية، ثمّ انتقل إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وظلً مدرساً فيها إلى عام: 1969م.

وفي هذه المرحلة من حياته، انتسب الشيخ المترجم إلى كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر في القاهرة، ليحصل منها على درجة (الماجستير) في الشريعة الإسلامية، عام: 1969 م، بتفوق ملحوظ، ثمّ تابع تحصيله العلمي فيها، ليحصل على درجة (الدكتوراه) في الفقه الإسلامي وأصوله، وذلك عن دراسته وتحقيقه لكتاب (تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد) للحافظ العلائي (8)، محققاً مرتبة الشرف الأولى في هذه الدرجة العلمية، وذلك عام: 1972م.

وفي عام: 1974م عين الشيخ عضواً في الهيئة التدريسية بكلية الشريعة بجامعة دمشق، وعمل مدرساً لمادة الفقه في هذه الكلية، وفي عام 1977م، عين وكيلاً لكلية الشريعة للشؤون العلمية في جامعة دمشق، إضافة لعمله في التدريس في كليتي الشريعة والحقوق في الجامعة نفسها، ثمً عين أستاذاً مساعداً للفقه وأصوله، بكلية الشريعة، ثمً رئيساً لقسم الفقه في الكلية المذكورة.

في عام: 1983م، أسندت إليه عمادة كلية الشريعة بجامعة دمشق، وظلً يديرها بهمة واقتدار إلى عام: 1989م، بالإضافة إلى عمله أستاذاً مشاركاً لمادة الفقه في كلية الشريعة، ومادة أصول الفقه في السنة الرابعة من كلية الحقوق بجامعتي دمشق وحلب، وأستاذاً للفقه وأصوله في الدراسات العليا في كلية الشريعة.

في عام: 1990م أعير الشيخ عميداً وأستاذاً لمادة أصول الفقه في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، في الإمارات العربية المتحدة، وأستاذاً للفقه وأصوله للدراسات العليا في الكلية المذكورة، وأستاذ أصول الفقه في المعهد العالي للقضاء في دبي، بالإضافة إلى إشرافه على عدد من رسائل (الماجستير) و(الدكتوراه) في هذه الكلية.

وهكذا نرى أن الشيخ المفتي الدكتور إبراهيم قد صرف جلً حياته في نشر العلم وإفادة الطلاب، يدفعه إلى ذلك حرصه على القيام بأمر الله سبحانه في قوله: (فلولا نفر من كلً فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (9) ، ولما يؤمن به من المكانة الرفيعة التي اختص الله بها العلماء وفضلهم على سائر العباد.

ومع انشغال الشيخ بالعلم طلباّ وبذلاً، فقد تبوأ عدداً من المناصب الإدارية والعلمية والسياسية، وشارك في كثير من المؤتمرات والندوات الإسلامية والعالمية والعربية والمحلية، والمجامع الفقهية، وساهم في وضع الخطط والمناهج التعليمية لعدد من الجامعات العربية، فمن المؤتمرات والندوات التي شارك فيها:

1- ملتقى الفكر الإسلامي في الجزائر، عام :1983م.

2- ملتقى الفكر الإسلامي في الجزائر أيضاً، عام: 1985م.

3- مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في (جدة) بالمملكة العربية السعودية، عام: 1997م.

4- مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في (البحرين) عام: 1998م.

5- مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في المنعقد (الرياض)، عام: 2000م.

6- ندوة الاحتشام والسلوك العام وأثره في المجتمع، في كلية الشريعة بجامعة (الشارقة)، عام: 2000م، وقد شارك فيها ببحث عنوانه (مفهوم احتشام المرأة المسلمة ومظاهره) و(لباسها الشرعي مواصفاته وحدوده).

7- شارك في العديد من الندوات التي أقيمت في مدينة حلب، بمناسبة تسميتها عاصمة للثقافة الإسلامية، عام: 1427هـ 2006م.

8- شارك في الندوة التي أقامتها كلية الشريعة بجامعة حلب، بمناسبة افتتاحها عام: 2007 م 1428هـ، وهي بعنوان: (جهود علماء حلب في خدمة العلوم الإسلامية. (10)

9- شارك في الندوة التي أقامتها جامعة حلب بالاشتراك مع جامعة غازي عينتاب في تركيا حول (الأوقاف الإسلامية في حلب وغازي عينتاب) (11) عام 2009م.

كان للشيخ المفتي مشاركات كثيرة ومفيدة في وضع الخطط الدراسية لعدد من الجامعات والكليات والدورات التعليمية ومنها:

1- وضع منهاجاً للدورة التي أقامتها وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية، لطرق تدريس مادة التربية الإسلامية، لمدرسي هذه المادة وشارك في التدريس فيها.

2- شارك بوضع الخطة الدراسية ومفردات مقررات كلية الشريعة في جامعة دمشق، حينما طبق النظام الفصلي فيها، عام: 1975م. 

3- شارك بوضع الخطة الدراسية ومفردات المقررات للدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) في كلية الشريعة بجامعة دمشق، عام 1986م.

4- شارك بوضع الخطة الدراسية ومفردات المقررات لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للمرحلة الجامعية الأولى بدبي، في الإمارات العربية المتحدة، عام: 1990م.

5- شارك بوضع الخطة الدراسية ومفردات المقررات للدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) في كلية الدراسات الإسلامية والعربية، بدبي في الإمارات العربية المتحدة عام: 1997م.

ورغم انشغال الشيخ المترجم في التعليم ونشر العلم، فقد حرص على تأليف بعض الكتب في الفقه الإسلامي وأصوله، لتكون مرجعاً بيد طلابه، ومن الكتب التي ألفها الشيخ:

1- تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد للحافظ العلائي (دراسة وتحقيق)، وهو رسالته لنيل درجة (الدكتوراه)، قام المجمع العلمي بطبعه ونشره، كما طبع التحقيق في دار الفكر بدمشق.

2- الفقه الإسلامي، أحكام الطهارة والصلاة، مطبوع ومقرر لطلاب كلية الشريعة في جامعة دمشق.

3- الفقه الإسلامي، أحكام الصوم والزكاة والحج، مطبوع ومقرر لطلاب كلية الشريعة في جامعة دمشق.

4- التشريع الإسلامي، ألفه لكلية البريد العربية، التابعة لجامعة الدول العربية عام 1983م.

5- المرأة في الإسلام.

6- أصول الفقه الإسلامي، مطبوع ومقرر لطلبة السنة الرابعة في كلية الحقوق بجامعتي دمشق وحلب.

7- قام بتأليف بعض الكتب المدرسية، لوزارتي التربية والأوقاف في الجمهورية العربية السورية، ومنها:

• مقرر الفقه الحنفي للصف الأول في المدارس الشرعية في الجمهورية العربية السورية.

• كتاب التربية الإسلامية المقرر للصف الرابع من دور المعلمين والمعلمات في الجمهورية العربية السورية.

8- كتب عدداً كبيراً من البحوث والمقالات العلمية والإسلامية، ونشرها في مختلف الصحف والمجلات العربية والمحلية، منها:

• من أعلام المسلمين (محمد بن جرير الطبري).

• الشريعة الإسلامية (تطبيقها وخصائصها).

• مقاصد الشريعة الإسلامية.

• الإسلام وعمل المرأة.

• أوضاع المرأة في الإسلام.

• منهج البحث العلمي في الإسلام.

• حكم التدخين في الإسلام (12).

وبعد هذا العمر المديد الذي صرفه الشيخ في نشر العلم، والذي امتد إلى أكثر من خمسين عاماً، عاد إلى موطنه، لا ليلقي عصا الترحال في الدعوة إلى الله وبذل العلم لطالبيه، بل لينهض من جديد في الدعوة إلى الله وإفادة الناس، وذلك عن طريق توليه لمنصب الإفتاء في محافظة حلب، فقد أسند إليه هذا المنصب بقرار وزاري عام 2005 م، وقد رضي باستلام هذا المنصب بعد الحاح من قبل المسؤولين، وتدخل بعض العلماء الذين زاروه في منزله، وطلبوا منه قبوله لأنه أهل له، ثم اصطحبوه إلى دار الإفتاء بالإجلال والتكريم، وذلك بتاريخ 27/9/2005 م.

وفي إحدى زياراتي الكثيرة للشيخ في مكتبه، حدثني عن رأيه في هذه المهمة التي كلف بها، فهو يراها مسؤولية عظيمة وضعت على كاهله، فتراه دائم الالتجاء إلى الله أن يعينه على تحمل أعباء هذه المهمة، التي تجرأ عليها كثير من أدعياء العلم، وراحوا يتسابقون إلى إصدار الفتاوى دون بحث أو تثبت، وإعطاء بعض المستفتين الفتاوى التي توافق هواهم، وتساير مصالحهم، وهو يتألم أشدّ الألم لما يسمع من وسائل الإعلام الكثيرة والمنتشرة على شاشات التلفاز من الفتاوى الشاذة والمخالفة للنصوص الشرعية وروحها، و يرى شيخنا المفتي - رحمه الله تعالى - أن حاجة الأمة إلى الفتوى مرتبطة بحاجتها إلى حفظ الدين والنفس والنسب والمال والعقل، وأن مثل هذه الفتاوى لا تصدر إلا عن رجل جمع في قلبه مع مخافة الله - عزّ وجلّ - العلم الشرعي والفهم الصحيح.

ولم يكتف شيخنا في هذه المرحلة من عمره المتقدم بحمل أعباء الإفتاء، بل أضاف إلى ذلك قيامه بعطاء الدروس وإلقاء المحاضرات وحضور المؤتمرات والندوات والاحتفالات العامة التي تقام في المساجد وغيرها، واستغلال ذلك كله في الدعوة إلى الله، كل هذا بالإضافة إلى خطبة الجمعة في جامع أبي حنيفة النعمان، الذي كان يغص بالمصلين المتشوقين لسماع آراء الشيخ المتميزة في كل ما يهم الأمة والمجتمع.

ظل الشيخ - رحمه الله - على نهجه هذا في الإفتاء والدعوة وإفادة الناس، رغم كبر سنه وضعف جسده النحيل، وكم من مرة حدثني عما يعاني من آلام في جسده، وأن معظمها سببه همه وتفكيره فيما تعاني منه الأمة الإسلامية عامة، وأبناء وطنه بشكل خاص.

وعندما قامت الثورة في سوريه على الظلم والطغيان، كان للشيخ - رحمه الله - مواقف مشرفة منها، فقد حذر من مغبة تمادي النظام في طغيانه واستكباره، وشارك مع علماء من حلب في إصدار أكثر من بيان حول ما يجري في سورية، واستنكر سفك الدماء محملاً النظام النصيب الأكبر من المسؤولية، وطالب بإفساح المجال لممارسة حرية التعبير والرأي، ومنع الجهات التي لا تمثل الدولة على اختلاف تسمياتها من التصدي الشرس للمتظاهرين السلميين، والكف عن الاعتقالات التعسفية، وإطلاق سراح معتقلي الرأي، وقد حذر - رحمه الله - منذ وقت مبكر من انتفاضة مدينة حلب، وثورتها فقال : "حلب ليست هادئة، وهي تغلي من تحت الركام، وإن انتفاضتها ستكون عارمة، وقد حاولنا إعطاء الفرصة الكافية للإصلاحات، لكن هناك قوة تحمل، وبعدها لا يمكن الإمساك بزمام الأمور".

 

ـ شيخنا المفتي في مكتبه في دائرة الإفتاء بحلب ـ

وقد أمضت هذه الأحداث شيخنا المترجم، وأوهت جسده الضعيف، فتعرض لأزمة قلبية أدت إلى وفاته، صباح يوم الثلاثاء، الواقع في الثامن من شهر شوال، سنة: اثنتين وثلاثين وأربعمئة وألف للهجرة، الموافق للسادس من شهر أيلول، عام: أحد عشر وألفين للميلاد، وصارت له جنازة حافلة، حضرها معظم علماء حلب، وكثير من تلاميذ الشيخ ومحبيه، وجمع غفير من سكان مدينة حلب، وصلي عليه في الجامع الأموي الكبير، وعند خروجنا من الجامع، تحولت الجنازة إلى مظاهرة حاشدة، تهتف ضد النظام، الذي اتهمه المتظاهرون بأنه السبب بوفاة الشيخ، وسارت الجنازة بين دموع المشييعين وهتاف الغاضبين، إلى أن وصلت إلى مقبرة (السفيري الوسطانيه)، الشيخ جاكير حيث ووري الثرى.

عظيم النفس، طيب القلب، دائم الفكر، هادئ الحركة، وقور، رزين، يحب كل الناس، وهو محبوب لديهم، لا يرد سائلاً، ولا يمنع عطاء.

جميل الوجه، نحيف الجسم، ممشوق القامة، تزين وجهه لحية بيضاء قصيرة، وتزين رأسه عمامة بيضاء، لفت بإحكام فوق طربوش أحمر.

- رحمه الله وجزاه عنا وعن الأمة خير الجزاء -

 

ـ جنازة الشيخ المفتي في الجامع الأموي الكبير بحلب ـ

 

ـ المؤلف مع الدكتور الشيخ إبراهيم سلقيني في جامعة غازي عنتاب ـ

 

المصادر والمراجع

1- ترجمة خطية تفضل بها الشيخ المترجم رحمه الله.

2- مقابلات ومشافهات متعددة جرت مع المترجم في مكتبه.

3- مقابلات مشافهات مع عدد من تلاميذ الشيخ وإخوانه.

4- مذكرات المؤلف وذكرياته ومعرفته الشخصية بالشيخ المترجم.

========-

(1) أصل هذه العائلة من مدينة حلب، إلا أن أحد أجدادهم أنتقل إلى بلدة (سلقين) التابعة لمحافظة إدلب، والتي تبعد عن مدينة حلب حوالي مئة كيلو متر غربا، وأقام فيها إماما ومدرسا وخطيبا، فنسبت العائلة إليه، وما يزال بعض أفراد هذه العائلة يعرف بالخطيب، وبعضهم يعرف بالسلقيني، وبعضهم يعرف بالخطيب السلقيني، وبعضهم يعرف بمحي الدين. أ.هـ (عن مقابلة شفهية مع المترجم).

(2) حي من أحياء حلب القديمة يقع إلى الجنوب من حي القصيلة، ويمتد إلى الباب القبلي لمدينة حلب (باب المقام)، وفيه الكثير من الآثار الإسلامية، من المساجد والمدارس والخانات، وكان معظم سكانه يعملون بتجارة الأغنام والبستنة. وانظر نهر الذهب 2/287 وأحياء حلب وأسواقها ص 110.

(3) انظر حديثنا عن هذه المدرسة وتجديدها في كتاب (التعليم الشرعي ومدارسه في حلب في القرن الرابع عشر الهجري) ص 68 , وانظر ترجمة جده الشيخ إبراهيم في كتاب (علماء من حلب في القرن الرابع عشر) للمؤلف ص 177.

(4) انظر ترجمته في كتاب (علماء من حلب في القرن الرابع عشر) للمؤلف ص.540

(5) عن مقابلة شفهية مع المترجم في دائرة الإفتاء بحلب في 3/6/2007.

(6) المصدر السابق، وانظر ترجمات شيوخه هؤلاء في كتاب (علماء من حلب في القرن الرابع عشر) للمؤلف.

(7) في هذه المرحلة كنت أحد طلاب المدرسة، وشهدت بعيني مواقف الشيخ الجريئة والشجاعة، يشهد بذلك كل زملائنا الذين عاصروا هذه المرحلة أ.هـ المؤلف.

(8) الحافظ العلائي 694 ـ 761هـ: الشيخ خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي الشافعي صلاح الدين العلائي الحافظ المفيد المحدث الأصولي الفقيه الأديب، عالم كثير التآليف في مختلف العلوم والفنون، وأنظر طبقات الشافعية.

(9) التوبة 122.

 (10)شاركت شيخنا المترجم في هذه الندوة ببحث عن (جهود سلسلة الذهب من آل الزوقا في علوم الفقه وأصوله). المؤلف.

(11) شاركت شيخنا المترجم بهذه الندوة أيضاً ببحث عن (المدارس العثمانية في حلب).

(12) الأبحاث التي أثبتها هنا منشورة في مجلة كلية الدراسات العربية والإسلامية بدبي في أعدادها الأول والثاني والثالث والخامس والسادس والسابع والثاني عشر.