مصطفى عكرمة شاعر من اللاذقية

إنه الشاعر المبدع مصطفى محمد عدنان عكرمة، المولود في محافظة اللاذقية سنة 1943م. وهو من الشعراء الذين لم ينالوا حقهم في الشهرة والإشادة بنبوغهم.

ونعرّف القارئ بأبيات من قصيدتين للشاعر مصطفى عكرمة.

والقصيدة الأولى بعنوان: "يا صبحُ، يا صبح".

إنه ينادي الصبح ليطلُع على قومه النيام بعد أن احْلَولك الظلام:

يـا صُـبحُ يـا صُـبـحُ إنَّ الـنومَ قـد ذهبا=وطـالَ سُـهــدي وســاءَ الـسُّـهْـدُ مـنـقَـلَبا

تــكـدَّسَ الـلـيـلُ فــوقَ الـلـيل فــي طُـرقـي= واســــوَدَّ، وامــتــدَّ حــتــى لَــيَّــلَ الـشُّـهـبـــا

وحوليَ الــقــومُ أغــفـوْا، عــفـوَ غـفـوتـــهم = طـالـتْ، وقـمتُ عـليها حـارساً حَـدِبا

ولئن عمّ الظلم والظلام فقد سلكنا الطريق الذي ينتهي إلى النور، وحسبُنا أننا ماضون إلى الله، والله يقدّر لنا انبلاج الصبح متى شاء:

يا صـبحُ يـا صـبحُ لـلأقـدارِ حكـمتُها=فــــــلا تــــــلُـــمْ إذا لــــــم نــُـــحـــرزِ الــغَـلَـبــــــــا

حَــسْــبُ الــرجــــولـةِ أقــــدامٌ لــنــا دَمــيــتْج=عـلى الـطريـق ولم نـستـشعِر التَّـعَـبا

وأنَّ لنا دربـــــــاً حَــفــيــنـا فـــوقــه زمـــنـــاً=حُــبّــاً بــه قــــد رفـضـنـا الــقَـزَّ والـذّهـبـا

تبقى على الـدهر أعمالٌ لـنا سَـلِـمَتْ=لـــكــي تـــقــولَ بـــأنّــا لـــــم نـــكُــنْ ذنَــبــــا

أنـا الـذي اخـترتُ دربي راضـيـاً، وأنا= رأيــــتُ كـلَّ عــذابــي فــيــهِ قــــدْ عَــذُبـا

لكن في القوم من استعذبوا الذل والهوان، وقعدت بهم هممهم الهابطة، وضلّوا فما عرفوا الصواب:

لا النصحُ يُجـدي ولا في القومِ ذو رَشَـد=فيُستشار لما من أمرنا حزَبَا

قــدْ وحَّــدَ الـقـومَ حــبُّ الــذلِّ فــي زمـنـي= فــكــلُّـهـم يــتـشـهّـى لـــثــمَ مَـــــنْ ضَـــربــا

مـــــاتَ الإبــــاءُ بــنــا فــارتــاحَ غـاصِـبُـنـا=هـيهاتَ تـلـقـى أبــيّــاً ثــــارَ أو غــضِـبـا

ضــاعــتْ عـقـيـدتُـنا فــــي كــهــفِ غـربـتـنا=وبــــــدرُ آمــالــنــا مــــــن أفْــقِــنــا غَـــربـــا

تــفـنَّـنَ الــقـومُ مـــن مـــلءِ الـبـطـونِ ومـــا= أبــــقــــوْا لــــذلــــك لا فَــــنّـــاً ولا سَـــبــبــا

نُــفَـلـسِـفُ الــجـهـلَ عــــن عــلــمٍ ونــعـبـدُه=وكـــــم نـــــزوِّرُ فـــــي إرضـــائــهِ الأدبـــــا!

والـــحـــقُّ والَــهــفـتـي لــلــحــقِّ نــهــجــرهُ = ونـستكـيـنُ إذا مــــــا ضــــــاع أو سُــلِــبـا

الــقـدسُ ضــاعـتْ، وضــاعـتْ قـبـلـها قـيـمٌ= فــألـفُ قــــدسٍ بـقـلـبـي تـشـتـكي الـسَّـلـبا

نعم، ولقد ضاعت دمشق وحلب.. مذ تقاعست الهمم، وضلّت الفهوم، ونام أهل الحق عن حقهم.

ثم لقد صحا النائمون، وأحسّ المقصّرون بجريرة تقصيرهم، وانطلق المارد من القمقم، ولن يقرّ له قرار حتى يرى راية الله فوق الديار.

* * *

والقصيدة الثانية التي أنشدها في مطلع عام 2018م يناجي فيها وطنه الذي أبعده عنه الرويبضات ويذكر حنينه إليه وشوقه لأن يفديه بروحه.

وهي بعنوان: "مسافر فيك". وهذه بعض أبياتها:

مسافرٌ عنكَ فاشهدْ أيها الوطن=أنّ الفؤادَ بأرضِ الشام مُرتَهنُ

مسافرٌ لا رعاني اللهُ ثانيةً= إن طابَ غيركَ لي يا موطني وطنُ

أبناؤك الصِّيد للطاغوت قد نَهَدوا= وثوب كل أبيٍّ منهم الكفنُ

لا يرهبون جيوشَ الحقد جمّعها= حقد دفين، وبئس القائد الضّغَنُ

ومؤمنون بحق دونَه مُهَجٌ= والحرُّ مهما رماه الدهر مُؤتَمَنُ

طريدُ بغي شريدٌ بعد عزّته=لم تُوههِ قبلُ، مهما اشتدت، المحنُ

وها أنا اليومَ مسكونٌ بألف أسىً =في كل يوم بذُلّ البُعد أُمتَحنُ

بألف أغنيةٍ للدهر أُنشدها= يُرى بكل نشيد وجهُك الحَسَنُ

لن يُسكِتَ البغيُ لحناً سال من كبدي= والبغيُ يفنى ويفنى من به فُتِنوا

لسوف نُدركُ ما عِشنا نُؤمّلُه=وسوف تجري كما نُملي لها السفُنُ

فنــــــحنُ نــــحنُ لـهــــــا بحـــــــرٌ ونحــــنُ لها مـــــــوجٌ، ومنّــــــا إذا مــالت بنا الرَّسَـــــــــنُ

فاعـــــــذُر فُــديتَ فمــا إلاكَ مـــــن وطــنٍ يـــــــا مــَـــن لـتُــربَـــتــِــــه أرواحــنـــــــا ثــمـــــــــــنُ