الإمبراطور المغولي شهاب الدين شاه جهان

حدث في السادس عشر من رجب

 

في السادس عشر من رجب من سنة 1067= 22/1/1666 توفي، عن 76 سنة، في آكرا بالهند الإمبراطور المغولي شهاب الدين شاه جهان، ابن نور الدين جهانـ?ير ابن جلال الدين أكبر ابن نصير الدين همايون ابن ظهير الدين بابر، خامس سلاطين التيموريين في الهند، وحاكمها مدة 30 سنة، وباني صرح تاج محل الشهير.

ولد شاه جهان في لاهور، في شمالي غربي الباكستان اليوم، في 20 ربيع الأول سنة 1000، وولد في أيام جده جلال الدين أكبر الذي سماه خُرَّم، أي المقدام، وكان شاه جهان الابن الثالث للإمبراطور جهانـ?ير، المولود سنة 977، والذي تولى العرش سنة 1014، والمتوفى سنة 1037، وكانت أمه أميرة راجبوتية هندوسية تدعى مانماتي، واسمها الإسلامي بلقيس مكاني، ولكن خُرَّم نشأ في رعاية زوجة جده الأولى رُقيَّة بيجوم التي كنت عاقراً فاحتضنته وغمرته بالحب والحنان، وأشرفت هي وجده على تعليمه في القصر، ولما توفي جده في سنة 1013 كان خُرّم بجانبه ورفض أن يتركه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

وعاد خرم ليعيش في بلاط أبيه بعد وفاة جده، ووفقاً للتقاليد لم يخاطب خُرَّم بالإمارة إلا بعد أن تزوج، وكانت أول زوجة له هي قندهاري بيجوم والتي كان جدها الأكبر الشاه إسماعيل الصفوي، تزوجها في سنة 1018، وله منها ابنة واحدة اسمها خير النساء، وفي سنة 1021، وفي يوم اختاره منجم القصر، دخل شاه جهان على زوجته الأميرة أرجماند بانو، أي السيدة الفاضلة، ولقبت فيما بعد بلقب ممتاز محل، والتي كان قد عقد عليها منذ 5 سنوات، وهي سليلة أسرة من أصل فارسي خدم أفرادها في بلاط الدولة المغولية، وكان والدها الوزير آصف جهان أخي السلطانة نور جهان زوجة جهانـ?ير المتنفذة، وولدت ممتاز محل 14 ولداً عاش منهم سبعة، وفي سنة 1037 تزوج شاه جهان زوجته الثالثة عز النساء بيجوم، ولها منها ولد كذلك.

وقاد الأمير الشاب خُرّم حملات عسكرية مظفرة، قاد في أولها جيشاً تعداده 200.000 جندي اتجه لإخضاع مملكة راجبوت في الشمال، وبعد حرب استنزاف دامت سنة استسلم في سنة 1024 ملك راجبوت، وأصبحت مملكته خاضعة للإمبراطورية المغولية، وفي سنة 1025 شن خُرم حملات عسكرية مظفرة في الجنوب ضد مملكة أحمدنـ?ار كللها بعقد اتفاق سلام معها خضعت فيه لنفوذ الدولة المغولية، ومنحه على إثرها والده لقب شاه جهان، أي ملك العالم، وصار يعتبر الأمير الأول في السلطنة رغم كونه ثالث الأبناء.

وكان جهانـ?ير، والد شاه جهان قد تزوج في سنة 1020 أرملة من أصل فارسي تدعى مهر النساء، وتلقبت بعدها بلقب نور جهان، وكانت هذه السيدة فريدة في أن حباها الله الجمال الساحر، والذوق الرفيع والثقافة والآداب، والكرم والشجاعة والقوة والحزم والتصميم، فتمكنت من زوجها تمكناً شديداً، حتى أمر بضرب اسمها إلى جانب اسمه على النقود، وصارت أمور السلطنة في يدها ويد والدها الوزير اعتماد الدولة، وأخيها آصف خان، وانضم إلى دائرة النفوذ هذه الأمير خُرَّم بعد زواجه من ابنة آصف خان.

ولكن ساءت العلاقة بين الأمير وبين زوجة والده بسبب التنافس على من يكون خليفة السلطان، وكان لجهانـ?ير أربعة أبناء هم خسرو وخُرَّم وبارفيز وشهريار، وكان خسرو قد تمرد على أبيه وقاتله في عدة معارك انتهت بهزيمته، وسُملت عيناه وأودع السجن، وأما بارفيز الذي عهد له والده بخلافته، فكان ضعيف الشخصية واقعاً تحت تأثير القائد الأفغاني الأصل مهابت خان، وعدو شاه جهان الذي ما فتئ يقف في وجه نفوذها ويكيد لها، وكانت شاه جهان في البداية تميل إلى خُرَّم وتحالفت معه ثم عدلت عنه بعد أن خبرت قوة شخصيته واستقلاله بنفسه، فضلا عن أن أخاها آصف خان سبقها إليه وزوجه من ابنته، ولذا أيدت شاه جهان الأمير شهريار الذي زوّجته في سنة 1031 ابنتها من زواجها السابق، وأخذت تدفعه ليكون وريث عرش السلطان جهانـ?ير، أي القابض على ناصية العالم!

ورقَّ قلب الإمبراطور جهانـ?ير لابنه السجين خسرو فأطلق سراحه، فأسرعت نور جهان تخوف أباه منه ومن أنصاره ومحبيه بين أهل البلاط والشعب، فأمر بوضعه في الإقامة الجبرية، وانتهى أمره إلى أخيه خُرَّم الذي أمر بقتله، وتخلص من منافسته.

وفي سنة 1031 حاصر سلطان فارس الشاه عباس علىّ قندهار، فأمر جهانـ?ير ابنه الأمير خُرم بالتوجه إليها، ولكنه تردد لخشيته من مؤامرة تدبرها امرأة أبيه في غيابه، كأن تسمم والده وتأتي بأخيه إلى العرش، فطلبت من زوجها أن يعزله عن قيادة العسكر ويعهد بذلك إلى شهريار، ولما علم خُرَّم بذلك تمرد على أبيه وهاجم آكرا في سنة 1032، ولكنه هُزم، ففر جنوبا إلى الدكن فالبنغال، وحاول عبثاً أن يحصل على تأييد حكام الولايات له ضد والده، وانتقل من معركة إلى معركة وهزيمة إلى هزيمة، بطارده أخوه الأمير بارفيز والقائد مهابت خان، حتى انتهى به الأمر ضعيفاً وحيداً بعد أن تركه كثير من أنصاره إلى أبيه، فاضطر في سنة 1035 إلى طلب الصفح من والده، وأرسل ابنيه دارا وأورانـ?زيب إلى دلهي رهينتين مع هدايا ثمينة، فصفح عنه والده بناء على نصيحة نور جهان التي أوجست خيفة من تحالف الأمير بارفيز مع مهابت خان، وانتهى هذا التمرد بعد سنوات ثلاث تكلفت فيها الدولة الأموال الطائلة وزالت هيبتها في عيون أعدائها ومحبيها، وعيَّن السلطان جهانـ?ير الأمير خُرّم أميراً على منطقة مغمورة في وسط الهند تسمى بلاغات، فجلس فيها مع زوجته وابن له يسمى مراد يرتقب الفرص، التي ما لبثت أن جاءته على غير ميعاد.

فقد أرادت نور جهان إزاحة القائد مهابت خان، الذي كان يرفض أن يتلقى أوامره إلا من السلطان جهانـ?ير، فاتهمته بالعصيان واختلاس الأموال، واستصدرت من السلطان أمراً ينحيه عن قيادة الجيش ويجعله والياً على البنغال، ولكنه لم ينفذ الأمر بل هرب في خمسة آلاف مقاتل من الراجبوت الأشداء، وأخذ يقتفي أثر السلطان الذي توجه من البنجاب إلى كابل، وسنحت له فرصة أثناء عبور السلطان لنهر جهلُم فهاجمه على حين غرة وأسره، وأعلن نفسه سلطاناً على الهند.

واستطاعت نور جهان أن تهرب مع عدد من حاشيتها، ثم استسلمت لمهابت خان، وهي تضمر في نفسها مخططاً للقضاء عليه، فافتعلت وزوجها جهانـ?ير أنهما تشاجرا وأنه هجرها واستراح منها ومن رأيها الذي أوصله إلى السجن، واغتر مهابت خان بذلك فخفف الحراسة على السلطان المخلوع، وسار به عائداً من بلاد الأفغان إلى لاهور، وكانت نور جهان قد اتفقت مع بعض أنصارها أن يعدوا جيشاً يهاجموا به موكب مهابت خان، ففعلوا ذلك، وجرت معركة انجلى غبارها عن هزيمة مهابت خان وعودة جهانـ?ير إلى عرش الهند بعد حوالي 100 يوم من الانقلاب عليه.

ومات الأمير بارفيز في هذه الفترة، وأثرت هذه الأحداث تأثيراً شديداً في صحة السلطان جهانـ?ير الذين لا يكاد يترك الخمرة، فما لبث أن فارق الحياة في 27 صفر 1037 في عودته من كشمير،  فنقل جثمانه إلى لاهور حيث دفن فيها.

ومن لاهور أعلن الأمير شهريار نفسه سلطاناً، تؤيده حماته نور جهان، وفي نفس الوقت طير آصف خان نبأ موت السلطان إلى صهره شاه جهان، فأسرع من الدكن إلى الشمال على رأس جيش كبير، واصطدم بجيش شهريار وهزمه هزيمة منكرة، وأُسر شهريار وسملت عيناه ثم قتل بعد ذلك، ولم يعد للسلطان الجديد شاه جهان أي منافس، بل أوعز إلى عمه آصف خان أن يقتل كل الأمراء الذين يمكن أن يشكلوا تهديداً لسلطانه، فسفك دماء عدد كبير منهم دون شفقة أو رحمة، ولم يمس السلطان الجديد زوجة والده نور جهان بسوء، وقضت في لاهور ما بقي لها من سنين معتزلة الحياة العامة، وعاشت مع حفيدتها أرملة شهريار حتى وفاتها في سنة 1055، وجلس شاه جهان على عرش الهند في آكرا  في 18 جمادى الآخرة سنة 1037، وصار لقبه الرسمي: ملك الملوك، السلطان الأعظم، والخاقان المكرم، ملك السلطنة، أعلى حضرة، أبو المظفر شهاب الدين محمد شاه جهان الأول ، صاحب القِران الثاني ... ظلِّ الله ... ملك ملوك السلطنة الهندية والمغولية. أما لقب صاحب القِران الثاني فيعود إلى ظاهرة فلكية وهي اقتران كوكب الزُهرة بالمشتري، والتي كان المنجمون يعتبرونها فألاً حسنا على من حدثت عند ولادته أو صعوده العرش.

وفي سنة 1040=1629 حلت بشاه جهان مصيبة كبيرة، فقد توفيت في مدينة بُرهانبور، عن 39 سنة، زوجته المحبوبة ممتاز محل بعد ولادتها لمولودها الرابع عشر؛ الأميرة جواهر آرا، ورغم أنها كانت ثالثة زوجاته، إلا أنها كانت أحظاهن عنده وأقربهن إليه، وصدعت الوفاة قلب الزوج الولهان، حتى هم أن يعتزل الملك والناس، وبقي جثمان الفقيدة في برهانبور 6 أشهر ثم نقل إلى آكرا ثم بعدها إلى ضريحها في تاج محل.

وأمر شاه جهان ببناء صرح يخلد ذكرى زوجته المحبوبة ممتاز محل، فأخرج للوجود صرح تاج محل أحد أجمل معالم العمارة المغولية، والذي يتسم بالتناسق البديع والتناظر الرشيق في حدائقه ومبانيه وقبابه، وهو من أجمل الأضرحة في العالم وأكثرها كلفة، فقد عمل في بنائه 20000 عامل وفني من الهند وفارس وتركيا، واستغرق إكماله حوالي 18 عاما من سنة 1041 إلى سنة 1057، ويقع الضريح قرب مدينة آكرا جنوبي دلهي في شمالي الهند على الضفة الجنوبية لنهر جمنا، وسط حديقة جميلة، ويقوم على رصيف من الحجر الأحمر، وهو مبنى من الرخام الأبيض ذرعه حوالي 60 متراً في 60 متر، وتقوم في وسطه قبة قطرها يزيد عن 21متراً وارتفاعها حوالي 37 متراً، وأنشئت عند كل زاوية من زوايا الرصيف مئذنة يبلغ ارتفاعها 40متراً، وتزيّن المبنى من الخارج والداخل آيات من القرآن الكريم مع زخارف للنبات والزهور، وفي وسطه غرفة فيها قبران مسنمان يستطيع الزوار رؤيتهما من خلال ستار مرمري منقوش، يضمان جثماني شاه جهان وزوجته، ولعلهما الشيء الوحيد غير المتناظر في الصرح إذ هما متجاورين على ناحية في جانب الغرفة، وكأنما قد أخليا قربهما مكاناً لقبر ثالث.

وإذ تحدثنا عن تاج محل، نستمر في الحديث عن إنجازات شاه جهان العمراني، فنذكر أنه في سنة 1058 نقل شاه جهان عاصمته من آكرا إلى دلهي، واسمها القديم دهلي، وبنى هناك مدينة جديدة أسماها شاه جهان آباد، أي مدينة شاه جهان، وكان طولها على ضفة النهر ميلين ونصف الميل، وأراد لها شاه جهان أن تنافس أصفهان واستانبول في الفخامة والثروة، ولا تزال قطع من أسوارها قائمة بين دهلي القديمة ودلهي الجديدة، وبنى شاه جهان القلعة الحمراء في دلهي؛ لال قلعة، وسميت كذلك لأن جدرانها بنيت من الحجر الأحمر، وكانت لفترة من الزمن مقر السلطان وحكومته، وهي اليوم مُتحف يضم رموزاً من آثار الدولة المغولية في الهند، بعد انتهائه من القلعة بنى شاه جهان على ربوة مقابلها جامع دلهي الكبير الذي يعتبر أكبر مسجد في الهند كلها، والذي يتميز بمنارتيه اللتين تحدان قبابه الثلاث البيضاء، والذي استغرق بناؤه سنتين، ولم يقتصر شاه جهان على عاصمتيه في البنيان، بل بنى في لاهور مبنى يسمى نَاولاخا، أي تسعة لاكات، لأنه أنفق على بنائه مبلغ 900.000، واللاك مئة ألف، وكان مرصعاً بالجواهر التي قلعها السيخ عند استيلائهم على المدينة بعد حوالي 150 سنة.

وعلى الصعيد السياسي لم تصف الأمور لشاه جهان، فقد احتلت مملكة أحمدنـ?ار منطقة بلاغات، ولما فشل حاكم الدكن خان جهان لودي في استعادتها، أمره شاه جهان بالقدوم إليه ليحاسبه على تقصيره، فتمرد لودي فسار إليه شاه جهان على رأس الجيش وجرت بينهما عدة معارك قبل أن ينهزم لودي ويقتل في سنة 1040، وتمرد بعدها أحد الزعماء الهندوس في منطقة تتحكم بطريق إلى الدكن، فدخل معه شاه جهان صراع دام بضع سنوات حتى هزمه وقتله في سنة 1043، ولم يضمن هذا سكون الدكن، فقرر شاه جهان الدخول في تحالف عسكري مع بيجابور ليتقاسما منطقة أحمدنـ?ار وتحقق ذلك في سنة 1045، وخضع لسلطان شاه جهان ملوك المناطق الأخرى، ومكنه ذلك من أن يتابع فتوحاته في الشمال الغربي في أفغانستان، فأخذ قندهار من الفرس في سنة 1047 ولكنهم استعادوها في سنة 1049، وحاول فتحها ثانية 3 مرات في سبع سنوات دون أن ينجح في ذلك، وبعد ذلك دخل في سنة 1059 في حروب مع ممالك جولكوندا وبيجابور  مكنته من أن يبسط سلطانه على مناطق زراعية خصبة وأخرى ذات أهمية تجارية وملاحية، وما يستتبع ذلك من دخل لخزينة الدولة.

وكان لدى شاه جهان أمل في أن يحقق ما عجز أسلافه عن تحقيقه، وهو فتح سمرقند والاستيلاء على الأراضي التي كانت موطن المغول الأول، وكان حاكم سمرقند في سنة 1049 قد غزا كابل واستولى على باميان في أفغانستان، فلما استغاث أمير الأزبك في سنة 1056 بشاه جهان أرسل جيشاً جراراً لمساعدته، ولكن هذا الجيش لقي في البداية خسائر فادحة في بلخ، المعروفة اليوم باسم مزار شريف، ثم اضطر لتركها في السنة التالية، بعد أن عقد الأزبك تحالفاً مع شاه إيران، ولم تكن لدى الجيش المنهك القدرة على مواجهتهم، وفي النهاية كانت الفائدة الوحيدة من هذه الحرب، هي إحكام شاه جهان سلطته على المدن الواقعة على حدوده مع أفغانستان.

ولكن هذه الحروب مع أنها بسطت رقعة الإمبراطورية في حينها، إلا أنها كلفتها كثيراً واستنفدت خزائن الأموال التي جمعها والده جهانـ?ير، ووأدت كذلك إلى وقوع مجاعة خطيرة في كجرات والدكن، ولذا اضطر شاه جهان في آخر فترته إلى رفع الضرائب المفروضة على الناس مما أدى لاستيائهم.

قام شاه جهان بالاتصال مع السلطان العثماني مراد الرابع وأقام علاقات ودية معه زاد في توثيقها عداء الطرفين للدولة الصفوية في إيران، وأرسل شاه جهان سفيراً قابل السلطان مراد أثناء حصاره لبغداد التي كانت قوات الشاه إسماعيل الصفوي تحتلها، وتبادل السلطانان الهدايا، وفيما بعد أرسل السلطان العثماني عدداً من المعماريين والبنائين الأتراك الذي شاركوا في تصميم وبناء تاج محل.

عمل شاه جهان على طرد البرتغاليين من سواحل الهند، وكانوا يقومون باختطاف الهنود وبيعهم عبيداً، إلى جانب أن وجودهم كان يضر بالمصالح التجارية لسلطنته، إضافة إلى جانب استيائه الشديد من نشاط اليسوعيين في التنصير، واستطاع في سنة 1042 طردهم من ميناء هوجلي الذي كان أحد أهم مرافئهم في إقليم البنغال في شبه القارة الهندية، وأنقذ 10.000 هندي كان البرتغاليون قد أعدوهم للبيع، وأقام ابنه أورانـ?زيب نائباً له في الدكن.

وفي آخر سنة 1067 مرض شاه جهان مرضاً شديداً وأصيب بالفالج، فبدأ الصراع بين أولاده الأربعة على خلافته، ذلك إن شاه جهان لم يعهد لولد منهم، وإن كانت الدلائل تشير إلى أن ولي عهده هو دارا شيكوه ابنه الأكبر من زوجته ممتاز محل، وتحسباً لوفاة والده وفاة طبيعية أو أن يقتله دارا، أعلن أورانـ?زيب في الدكن أنه الأحق بوراثة العرش، وأعلن شاه شجاع في البنغال انفصاله عن الدولة وتأسيس مملكة له في البنغال، وحذا حذوه مراد في ?ُجُرات، وهاجمت قوات دارا أخاه شاه شجاع وهزمته في معركة بهادربور في منتصف سنة 1068، ثم اتجه للقضاء على أورانـ?زيب وأخيه مراد، والذين اتفقا أن يتقاسما السلطنة.

وفي غمرة هذا الصراع تعافى شاه جهان من مرضه بعض الشيء، وأقر ابنه دارا على ولاية العهد، وجرت معارك شديدة بين الولدين انتهت في أواخر سنة 1068 بانتصار أورانـ?زيب ومقتل دارا، وأبقى أورانـ?زيب والده في الحَجْر في قلعة آكرا تحت حراسة مشددة، واعتبره غير أهل للحكم، وبقي شاه جهان على ذلك 9 سنوات ترافقه ابنته الكبرى جهان نارا، وبدأت صحته تسوء حتى شعر بدنو منيته في السابع من رجب سنة 1076، فأوصى زوجته السيدة أكبر آبادي بابنته جهان نارا وتلا آيات من القرآن ثم ما فتئ يتشهد حتى أسلم الروح، ووضع في تابوت ثم نقل لدفنه قرب زوجته في تاج محل، وكان عمره عند وفاته 76 عاماً، أمضى منها 30 عاماً في الملك.

ونحا ابنه السلطان أورانـ?زيب، المولود 24 شوال سنة 1027، منحى إسلامياً بالسلطنة يقوم على الجهاد والفتوحات، حيث عاش حياة فيها كثير من التقشف والتدين، وقرب إليه العلماء والصلحاء، واختصر كثيراً من نفقات الدولة،  وألغى كثيراً من الضرائب التي كانت تثقل كاهل الشعب، ودامت سلطنته نحواً من 50 سنة حتى وفاته في 17 ذي القعدة سنة 1118.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين