لمثل هذا فليعمل العاملون - ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فيا عباد الله:
ينبغي على كل شاب فينا وعلى كل رجل أن يجعل شعاره بعد أن تذوق حلاوة الإيمان, وبعد أن شرح الله صدره للإسلام, أن يجعل شعاره إذا دُعي إلى معصية من المعاصي وإلى منكر من المنكرات, وخاصة في اقتراف الفاحشة جريمة الزنا, أو عندما يُدعى إلى حديث مع امرأة أجنبية, أن يجعل شعاره: لا... يأبى عليَّ الله والإسلام, متأسياً بذلك الصحابي الجليل من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو فَُضالة بن عمير بن الملوح الذي ذاق حلاوة الإيمان, وبعدها دعته امرأة أجنبية إلى الحديث معها.
قل أيها الشاب المدعو إلى معصية الله: لا... يأبى عليَّ الله والإسلام, لأني أريد أن أضحك في النهاية ولا أريد أن أبكي, أريد أن آخذ كتابي بيميني لا بشمالي, أريد الهداية, ولا أريد أن أضيع ديني وأتبع الشهوات.
لمثل هذا فليعمل العاملون:
أيها الشباب, وها أنا أتابع معكم الحديث حول هذا الموضوع, وأقول مؤكداً لكم: قولوا: لا... يأبى عليَّ الله والإسلام, إذا دعيتم إلى المعصية, إلى علاقة مع نساء أجنبيات, وإن قيل لكم: لماذا؟ فقالوا لهم: لأننا نأخذ بوصية ربنا عز وجل عندما قال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُون}, لمثل أي شيء؟
أيها الشباب, قولوا لهم: نريد أن نعمل عمل المخلصين حتى ننال من الله تعالى ما وعد به عباده المخلصين, وعلى رأس هؤلاء المخلصين بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو سيدنا يوسف عليه السلام, الذي دعته امرأة العزيز فأبى, وشهد الله تعالى له بأنه من عباده المخلصين: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين}.
أيها الشباب, قولوا لهم: نريد أن نكون من المُخلَصين حتى ننال ما نالوا, كما قال تعالى: {إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِين * أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُوم * فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُون * فِي جَنَّاتِ النَّعِيم * عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين * يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِين * بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِين * لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُون}.
لا نريد أن نكون من الخاسرين:
نعم الإسلام يريدكم أيها الشباب أن تكونوا من المستثنيين من الخسارة, حيث أقسم ربنا عز وجل بقوله: {وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر}, نريد هنا الاستثناء, نريد أن نكون من المخلِصين أولاً, ثم نكون بإذن الله من المخلَصين ثانياً حتى ننال وعد الله عز وجل الذي لا يُخلف, فقولوا لدعاة الضلالة والانحراف ولدعاة الشهوات: لا نريد أن نكون من الخاسرين, بل نريد نعيماً دائماً لا ينفد, وقرة عين لا تنقطع, ومرافقة نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد, مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
نريد الكرامة:
قولوا لهم: نريد الكرامة من الله تعالى في جنة عرضها السماوات والأرض, نريد الرزق الكريم المعلوم, نريد النعيم مع صحبة صالحة في جنة عالية, نريد الخمرة التي لا تذهب بالعقول ولا تضر بالأجساد, نريدها لذيذة طيبة.
لذيذة الدنيا:
لا نريد لذيذة الدنيا, هذه البيرة التي يسميها أصحابها بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان, لا نريد هذه البيرة ولو كانت خالية من الكحول ما دامت توضع في زجاجة كزجاجة الخمر, لا نريدها ما دام المصنِّع لها هو مصنِّع الخمر, فكيف إذا كانت فيها نسبة من الكحول؟
نريد الحور العين:
قولوا لهم: نريد الحور العين, نريد الطاهرات, نريد قاصرات الطرف, نريد المقصورات في الخيام, كما قال تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِين * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُون}.
من صفات الصالحات أنهنَّ قاصرات الطرف على أزواجهنَّ, وهن قد امتثلن أمر الله عز وجل: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}. المرأة الصالحة التي لا تنظر لغير زوجها, ولا ينظر إليها إلا زوجها ومحارمها.
أما المرأة التي تطَّلع إلى الرجال وتخون زوجها, وتخون محارمها, هذه لا تصلح أن تكون زوجة للصالحين الأتقياء, والصالحون لا يبحثون إلا عن الصالحات اللواتي كالحور العين {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}, واللواتي لا يبدين زينتهنَّ لأحد غير المحارم والزوج, كما قال تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}. هؤلاء كالحور العين اللاتي قال الله عنهنَّ: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَام}.
قولوا لهم أيها الشباب: هؤلاء اللواتي يخرجن من غير حياء لا يصلحن أن يكن أمهات لتربية جيل صالح, فكيف تكون العلاقة معهن وهنَّ قد حُرِمن أن يجدن ريح الجنة إذا مِتْنَ على ذلك, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ, وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ, مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ, رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ, لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا, وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) رواه مسلم.
حديث المُخلَصين مع بعضهم:
اسمعوا أيها الشباب إلى حديث المُخلَصين مع بعضهم وهم في الجنة, جعلنا الله منهم ومعهم, قال تعالى مُخبِراً عنهم: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُون * قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِين * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِين * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُون * قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُون * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِين * وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِين * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِين * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِين}.
بعض هؤلاء المخلَصين كان له قرين يدعوه إلى الشهوات, ويشككه في الآخرة وفي البعث والجزاء, طلب هذا المخلَص من جلسائه في الجنة أن يطلع على مصير هذا العبد الذي كان قريناً له, فاطَّلع فرآه في وسط الجحيم والعياذ بالله تعالى, فقال له: لقد كدت تهلكني بغوايتك وتوقعني في نار جهنم, ولكن رحمة الله تداركتني فأنعم عليَّ ربي عز وجل بنعمة الإيمان والهداية والطاعة, ولولاها لكنت من المحضرين معك في العذاب.
ثم أقبل المخلَصون على بعضهم يتساءلون: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِين * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِين}.
عندها يطمئن هؤلاء بأن نعيمهم دائم وهم فيه خالدون, لأن الموت يذبح بين الجنة والنار, كما جاء في الحديث: (يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ, فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ, فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ, فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ, وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ, ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ, فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ, فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ, وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ, فَيُذْبَحُ, ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ, وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ, ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} وَهَؤُلاءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}) رواه البخاري ومسلم.
هذا هو النعيم والسرور, وتلك حسرة أهل الشهوات والعياذ بالله تعالى, لذلك قولوا لهم أيها الشباب: نحن عقلاء ولسنا بمجانين, نحن عقلاء نضبط أنفسنا بضوابط الشريعة حتى نصل إلى نعيم هؤلاء المخلصين, لأن مولانا نصحنا بذلك.
لمثل هذا فليعمل العاملون:
فوصية الله تعالى لنا أيها الشباب هي واضحة في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُون}.فمن العمل الذي يوصل إلى هذا النعيم العفة والطهارة, والحرص على سلامة الدين من الوقوع في الفتنة, وأعظم فتنة هي فتنة النساء, كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري ومسلم.
فيا شباب هذه الأمة عليكم بالتجارة الرابحة التي تنجيكم من عذاب أليم, وذلك من خلال الإيمان والعمل بمستلزمات هذا الإيمان, وكونوا على حذر من شياطين الإنس والجن, واعملوا بأعمال المُخلَصين لتنالوا ما وعد الله عز وجل به هؤلاء, اللهم اجعلنا منهم. آمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين