سرعة الإنجاز - الواجبات والوقت
سرعة الإنجاز
للدكتور بسام الطراس
سألني أحدهم بلهفة وحَيْرة عندما رآني أركض مهرولاً: «هل توجد مشكلة؟»، تبسَّمتُ وعلمت بأنني أرعبتُ صاحبي؛ لأن الناس لا يسرعون إلا إن كانوا في مشكلة أو استغاث بهم من كان في ورطة.
كثيراً ما ألاحظ الناس في الشارع أو أمام المحالّ وفي الأسواق، وهم إما متراخٍ يجرّ رجليه وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، وإما جادّ مسرع كأنّ وراءه من يطارده.
 
نحن في عصر السرعة، و«الواجبات أكثر من الأوقات» كما قال الإمام البنا رحمه الله، كما أننا نعيش وسط ظروف تُميت الهِمم وتُكسب المرء الجمود وتُطفئ شعلة الحركة.
فأجهزة التواصل من هاتف وحاسوب وألعاب الإنترنت ورسائل الجوال وتلفاز... كلّها تجعل أبناء القرن الحادي والعشرين من «الرخويات» التي تعجز عن الانتقال والإنجاز إلا بشِق ِّ الأنفس؛ وإذا أضفنا زحمة السير «فهنيئاً لنا»، إذ أَلِفنا الجلوس في مقاعدنا لأكثر من ساعة متواصلة لننتقل من حيٍّ لآخر أو لنقضي حاجة تكاد لا تُذكر.
 أيّها الأحبّة:
الأعمار محدّدة، والساعة لا ترجع إلى الوراء، والعالم كله في تفاعل وتسابق وحركة؛ فلا يليق بنا أن نجرَّ أقدامنا جرّاً، ولا أن نضيِّع أوقاتنا عبر «الشات» ورسائل الجوال والتمدّد على الأرائك والأَسِرّة.
نحن ننتمي إلى أمة قيادة البشرية، ومرَّ علينا سنوات عجاف أضعنا فيها البوصلة والهُويَّة، وسبقَنا مَن حولنا فزادت بيننا الهوّة.
ديننا العظيم حثّنا على السعي واســـــتثمــار الأوقــــــات والجهود، وحذّرنا من إضاعة الأعمار وقِلّة الزاد.
والــنـــــاجـحــــــون يشــبــهونـنــا بأجسادهم وإمكاناتهم، غير أنهم نجحوا بحرصهم وسرعة إنجازهم، فحقّقوا ما عجزنا عن تحقيقه وبلغوا ذلك عندما:
 فَهموا بأنّ أعمالهم لا يمكن أن يقوم بها غيرهم.
 أَيقَنوا بأنّ لكل عمل وقتاً، فخطّطوا مُسبقاً وحدّدوا الوقت اللازم للتنفيذ ورتّبوا أولوياتهم.
عَلَت هِمَمُهم، وأبَوْا أن يفعلوا شيئاً بإمكانهم فعل ما هو أفضل منه.
أشغَلوا أوقاتهم بالأعمال، فلكلِّ ساعة عمل إن ضاعت ضاع.
أَسرعوا في مِشيتهم وتواصلهم وتسابقوا مع الزمن، فأنجزوا في يومهم ما يُنجزه غيرهم في أسبوعه كلّه.
سَخـــــّروا «التكنولوجيــا» والأجهزة والوســـــــائل لخدمتهم، وتحكَّموا بها بإتقان فساهمت في تحقيق إنجازاتهم دون أن تفسد حياتهم.
 أعطَوْا كل شيء حقّه؛ فللعمل وقته، وللتخطيط وقته، وللتقويم وقته، وللراحة والاسترخاء ما ينبغي من الأوقات.
احترَموا أوقات الناس، فأسرعوا لكي لا يتأخّروا عن موعد أو ارتباط.
عَلِموا بأنّهم خُلقوا لغاية عُظمى تستدعي بَذْل الجهد وسرعة الحركة.
كسروا العادات والأعراف؛ فما أضاعوا الأوقات في المطاعم لساعات، وما أكلوا في أقصى سرعة كما يأكل البعض في الطرقات.
تأملوا في أنفسهم؛ فوجدوا كمّاً هائلاً من القُدُرات والإمكانات، فأحسنوا استخدامها.شكروا الله عز وجل على نِعَمه بالقول والعمل؛ فاستخدموها فيما يُرضيه عزَّ وجلَّ، فزادهم الله قوة وبارك في إنجازاتهم: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.
أيّها الأحبّة:
أسرِعوا وتحرَّكوا، وكثِّفوا الجهود، تبلغوا بإذن الله قمم الناجحين، وتحجزوا مكاناً مرموقاً على صفحات التاريخ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين