لله در الحسد ما أعدله - بدأ بصاحبه فقتله
لله دَرُّ الحسد ما أعدَلَه!
بدأ بصاحبه فقَتَلَه!
بقلم : حمزة البكري
كنتُ أريد أن أبدأ مقالي هذا بأن أوصيك بترك الحسد، لكن رأيتُك ستقول لي: كيف أتركه، ومن طبع الإنسان أنه يكره أن يفوقه أحد من الناس في شيء من المحاسن والفضائل؟! فكيف لا أحسد من أراه قد فاقني في شيء من ذلك؟! لا ... لا بدَّ أن أحسده، فأتمنى زوال هذه الحسنة أو تلك الفضيلة عنه، وأتمناها لنفسي، وربما أتمنى زوالها عنه من غير أن أتمناها لنفسي، المهم عندي أن لا أراه يفوقني في شيء أبداً ...

فأقول لك بلسان المُحِبِّ المُشفِق: هوِّن عليك ... وانظر إلى الأمر من جهة أخرى ... أليس ذاك الذي فاقك في تلك المحاسن والفضائل إنما نال ما نال بجدٍّ منه واجتهاد؟ فلماذا لا تجتهد مثله في تحصيل ما حصَّل، وبلوغ ما أمَّل، بل لماذا لا تجتهد فوق ما اجتهد فتُحصِّلَ أحسنَ مما حصَّل؟! ثم أليست تلك المنزلةُ التي بلغها، والمكانةُ التي تبوَّأها: نعمةً من الله سبحانه وتعالى أنعمها عليه، أفلا تعلم أنك بتمنِّي زوالها عنه تعترضُ على مالك الملك جلَّ شأنُه فيما قسم بين الناس وقضى، وقد روي في بعض الأخبار عن زكريا عليه السلام: أن الله سبحانه وتعالى قال: «الحاسدُ عدوٌّ لنعمتي، مُتَسَخِّطٌ لقضائي، غيرُ راضٍ بقسمتي التي قسمتُ بين عبادي» (إحياء علوم الدين للإمام الغزالي 3/188)، واعتَبِـرْ بقول الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى: «يا ابنَ آدم لِـمَ تحسدُ أخاك، فإن كان الذي أعطاه أعطاهُ لكرامته عليه، فلِمَ تحسدُ مَن أكرمه الله؟! وإن كان استدراجاً له ليزداد ظغياناً وكفراً، فلِمَ تحسدُ مَنْ مصيرُه إلى النار» (إحياء علوم الدين 3/ 189 بتصرف يسير).

ما أراك الآن إلا قد أيقنتَ بأنه لا بدَّ لي ولك من أن نُطهِّرَ قلوبنا من الحسد، لكن كيف؟ وفي نفسي أن لا أرى مَنْ يفوقني ويفضُلني؟ وأنا لا أريد أن أتمنى زوال ذلك عنه، فما الخلاص؟! .... إليك الخلاص ... عليك بالغِبْطة لا بالحسد، والغِبطةُ: أن ترى النعمةَ على أخيك، فتتمنى أن يكونَ لك مثلُها، من غير أن تتمنى زوالها عنه، فإذا تمنيتَ زوالها عنه فقد حسدتَه، وإن زالت عنه فعلاً وفرحتَ بهذا الزوال فقد شابهتَ أولئك الكافرين المنافقين الذي وصفهم الله تعالى بقوله: (إن تَـمْسَسْكُم حَسَنةٌ تَسُؤْهُم وإن تُصِبْكُم سيِّئةٌ يَفرَحُوا بها) [آل عمران: 120]، وبهذا الفرح والسرور بما أصاب أخاك لم تَعُدْ حاسداً له فحسب، بل صرتَ شامتاً به، وما مصيرُ هذه الشماتة إلا أن تعود عليك، كما قال سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تُظهِرِ الشماتةَ لأخيك، فيعافيه الله ويبتليك» (رواه الترمذي برقم (2506) وحسَّنه، والطبراني في «المعجم الكبير» 22/53 برقم (127) واللفظ له).

وأعود لأقول لك ـ وأنا الناصحُ المُشفِق ـ : جنِّبْ قلبَك العذاب والألم، وصدرَك الغمَّ والهمّ، فما الحسدُ إلا نارٌ في الصدر مشتعلة، لن تحرق إلا صاحبها، وصدق مَن قال:

اصبِـرْ على كيد الـحَسُودِ        فإنَّ صَبـرَكَ قاتِلُهْ
فالنارُ تأكلُ بعضَها            إنْ لم تجدْ ما تأكُلُهْ

واسمع نصيحةَ شوقي إذ يقول:
وأرِحْ جَنْبَكَ من داء الـحَسَدْ        كم حَسُودٍ قد توفَّاهُ الكَمَدْ

وتدبَّر قول القائل:
إني لأرحمُ حاسديَّ لـحَرِّ ما         ضمَّتْ صدروُهُمُ من الأوغارِ
نظروا صَنيعَ الله بي فعيونُهُم         في جنَّةٍ وقلوبُهُم في نارِ

هذا عقابُك في الدنيا إن بقيتَ مُصِرّاً على الحسد، وما أراك تبقى، فما بالُك بعقاب هو أشدُّ وأبقى، «فإنَّ الحسدَ يأكلُ الحسنات كما تأكل النارُ الحطب» (رواه أبو داود برقم4903)، فإذا أضعتَ حسناتِكَ بالحسد في الدنيا، فأنت في الآخرة من الخاسرين.

وأقول لك أخيراً: بالحسد قتل قابيل أخاه هابيل (وهما ابنا آدم)، فهابيل ما أذنبَ دنباً، ولا اقترف جرماً، إلا أنه قرَّب قرباناً لله فتقبَّله الله منه، وقرَّب قابيل قرباناً فلم يتقبَّله الله منه، فحسد قابيل أخاه هابيل فقتله (راجع الآيات 27 ـ 31 من سورة المائدة)، فهذا أول ذنب ارتكبه بنو آدم في الأرض، إنما كان بسبب الحسد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين