بيوتات المسلمين - البيت الإسلامي بين التماسك والانهيار
بيوتات المسلمين
بقلم: محمد نجيب بنان
منقول
 
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأكمل التسليم على سيدنا محمد طه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
إن السكينة والهدوء هما أهم شيئ في الزواج , ولذلك خصهما الله بالذكر في كتابه الكريم فقال: "وهو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة". الروم 21
والسكينة والمودة والرحمة أسرار أودعها الله قلوب المتزوجين يشعرون بها ويهنؤون بها ويستعينون بحلاوتها على مرارة الدهر ومشكلات الأيام , وبذلك ينشأ بيت هادئ ترفرف في جنباته عصافير المحبة، وتغرد في أركانه بلابل السعادة , وهكذا يجب أن يكون كل بيت من بيوت المسلمين , فالمرأة يجب أن ترى بيتها كل حياتها ومصدر سعادتها تغسل وتطبخ وتنظف وهي مسرورة، تنتظر عودة زوجها لتنفض عنه غبار التعب الذي أصابه طوال اليوم , وهكذا يعيشان حياةً يحلم بها الغرب بكامله كلٌّ له مهامه الموكلة إليه يقوم بها على أتم وجه وبأقصى درجات السعادة , لكن الشيطان ومعه أعداء الله لا يروق لهم ذلك، فهم يعلمون أنَّ البيت إذا سار كما شرع الله  فإنه سينتج رجالاً ونساءً عظاماً , وهذا يشكل خطراً عليهم فراحوا يزرعون المشاكل والأشواك في الطريق لكي يعكروا صفو تلك الحياة الهانئة السعيدة , وهذا الأمر ليس بجديد فقد حدثننا حبيبنا صلى الله عليه وسلم عن ذلك ففي الحديث : عن سيدنا جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجئ أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئاً قال ثم يجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نِعم أنت» (صحيح مسلم 5032) وفي رواية فيلتزمه .
وهكذا يتابع المسيرة مع إبليس أعوانه فهم يبحثون عن البيت الناجح ليجعلوه فاشلاً ولكنهم أدركوا أن البحث العشوائي متعب وغير ناجح وطريقه طويلة وشاقة فراحوا يفكرون في زرع أتباع لهم داخل كل بيت وبذلك يضمنون الاستمرارية والنجاح ولو بعد مدة وقد كان لهم ما أرادوا فقد استطاعوا النفوذ والوصول إلى عقر دارنا من خلال الكتب والمجلات والصحف اليومية والمسلسلات التي لو نظر العاقل إليها نظرةً واعيةً متفحصةً لرأى أنها خطيرة وأنها ليست عفوية كما يظن الجاهلون بل هي موجهة توجيها دقيقا تنشر فيه أفكاراً خبيثةً والجميع يشاهد ويستمع ويستمتع حتى الأعمال التي يطلق عليها زوراً أنها أعمال تاريخية إسلامية فهي أيضاً لم تسلم من أذاهم بل أصابها الوباء فكانت سماً زعافاً في صورة طعام شهي , وهكذا استطاعوا الدخول إلى بيوت المسلمين بصفة شرعية وبموافقة الجميع ليبدوا حربهم الشرسة ولكن من الداخل وليخرجوا حقدهم الدفين فبدؤا بالمرأة وحرضوها على زوجها وراحوا يصفوه لها بأنه مستبد وأن الإسلام قد انحاز مع الرجل وهضم حقوق المرأة وراحوا يصورون لها نفسها على أنها ضحية وفريسة لوحش ليس في قلبه رحمة راحوا يصورون لها الحجاب على أنه تخلَّف وصغر عقل وقلة إدراك وبأنه يجعل المجتمع يسير إلى الوراء وليس إلى الأمام وبالتالي يجب عليها أن تخلعه لكي تتقدم إلى الأمام ولكنهم علموا أن هذا ليس سهلاً أبداً فبدؤا بإزالته تدريجياً فاليوم تظهر عينيها وغداً مع العينين أنفاً وهكذا حتى تتخلص منه تماما بعد فترة وجيزة وها هم قد بدؤا ينالون ما أرادوا .
راحوا يصورون البيت للمرأة على أنَّه سجن قد وضعت فيه وأمور المنزل قيود حول معصميها ويجب عليها أن تتخلص من هذه القيود بأن تخرج ولو إلى الجحيم المهم أن تخرج وإلا فهي لن تحقق ذاتها كما يقولون أي ذات ستبقى وأي أنوثة ستستمر بعد أن تنخرط بالعمل وتختلط بالرجال إنها ستصبح رجلاً في صورة امرأة ومن الذي يرضى أن يتزوج رجلاً ؟؟
ولو ذهبت إلى الرجل ودخلت في طيات أفكاره لتبحث عن المرأة وعن حالها معه وعن مكانتها عنده لرأيت أنه يعدها كسقط المتاع متعة لذيذة وخدمة مجانية وبالتالي ليس لها أن تبدي رأيها لأنها لا تصلح لذلك وهكذا .
أما لو ذهبت إلى الأولاد لرأيت أنهم ينشَّؤن على قلة الأدب فالأفكار والأوامر التي يمليها الأب على أبنائه هي قديمة بالية يجب التخلص منها وإن كان مازال في الأولاد بقية أدب فسيهزون الرأس لكن لو دخلت إلى رؤوسهم وقرأت أفكارهم لرأيت أنهم يضحكون في سرهم ويقولون رجل خرِف ويجب أن نتحمله وعسى أن يريحنا الله منه قريباً .
وهكذا يصبح بيتا خاوياً من المحبة خاوياً من الاحترام وهكذا يصير بيتاً في الصورة لكنه في الحقيقة خراب , سراب , ضياع , أجل هذا هو حال بيوتنا اليوم .
إنَّ نسب الطلاق في الدول الإسلامية العربية ترتفع بسرعة وبشكل كبير وهو مؤشر خطر يدل على تدهور البيت المسلم , البيت الذي يجب أن يأخذ دوره ليخرج رجالا ونساءً بدأ ينهار .
ولو ذهبت إلى المحاكم وفتشت في أدراج القضاة لرأيت أنها تغص بأمثال هذه المعاملات زواج لم يدم طويلاً ينتهي أبشع نهاية وحتى لو لم يصل لهذا الحد فإنها سيحلف عليها يمين طلاق لتبدأ مسيرة الأيمان التي جعلها الله مقدسة وصعبة فتصبح سهلة وهي دائماً على اللسان فلسبب هو أقل من تافه يحلف يمين طلاق ليصحوا بعد قليل وقد حركته شهوته (لا أقول نخوته بل هي شهوته) ليذهب إلى المشايخ لا حباً فيهم ولا شوقاً لهم لكن ليبحثوا له عن حل لمشكلته ليدور بينهم من طالب علم إلى عالم إلى جاهل لكي يعطيه فتوى رخيصة تناسب مقاس مشكلته فإذا لم يجد من يساعده بدأ يلف ويدور ويذهب ويجيء ليغيّر في النص وفي التفاصيل حتى يحصل على ما يريد "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون" البقرة 9
أيها الأحبة: إن البيت الإسلامي ينهار وبسرعة فأدركوه، واعلموا أن البيت الإسلامي إن انهار فعلى الدنيا الخراب فما المجتمع إلا بيوتات تشكل بمجموعها مجتمعاً فإذا كان البيت هذه صفته فأي خير ترجوه له، وأي تقدم تأمله , فحذار أن تكونوا معاول هدم بل كونوا بنَّائين مصلحين , واسألوا الله أن يغيِّر الحال إلى أفضل منه , وابدأ بنفسك ثم بمن تعول، ولا تنس النصح والوصية بالحق والوصية بالصبر فإن لم يستجيبوا لك فدعهم لخالقهم واسأل الله لهم الهداية ولا تذهب نفسك عليهم حسرات... أقول هذا القول وأستغفر الله .....

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين